رحل أول أمس الثلاثاء الشاعر التونسي الكبير محمد الصغير أولاد أحمد، عن عمر ناهز 61 عاما، بعد معاناة مع المرض استمرت لسنوات. و جاء في بيان نعي الفقيد أصدرته رئاسة الحكومة التونسية: «تنعي رئاسة الحكومة فقيد الثقافة التونسية الشاعر الفذ الصغيّر أولاد أحمد شاعر الثورة و مثقف الطليعة لعقود، و الذي خسرت تونس برحيله فارسًا من فرسان الثقافة و الإبداع، فلقد كان الصغير مدرسة للفن و الحياة و النضال، تربَّت على يده أجيال من الشعراء و الفنانين و المثقفين».
الشاعر من مواليد 4 أفريل 1955 في مدينة سيدي بوزيد، وهو أحد أبرز الشعراء التونسيين، و أكثر الذين أبدعوا في كتابة القصيدة الملتزمة. عاش في بيئة فقيرة و قاسية في فترة خروج الاستعمار الفرنسي و بداية بناء الدولة التونسية، و بدأ الكتابة الشعرية في سن الخامسة والعشرين في أواخر السبعينيات.
كتب كثيرا في الوطن و للوطن و الإنسان و قضاياه و همومه، و اشتهر بقصيدة «نحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد»، و التي كثيرا ما كان يبدأ بها أمسياته الشعرية، كما عُرف بكتاباته النضالية من أجل الحرية والكرامة. و قد سُجن لفترة في منتصف الثمانيات، بعد أن شارك في انتفاضة ما يعرف بـ»أحداث الخبز» التي اندلعت بتونس في 1985. و قد حُجبت العديد من قصائده في عهد بن علي، و في عام 1984 مُنع ديوانه «نشيد الأيام الستة» من النشر و بقيّ محجوزا  إلى غاية عام 1988.
كتاباته كانت ذات نبرة صارخة، تنتقد النظام و سياسته، و قد عُرف الراحل بمعارضته لنظام زين العابدين بن علي و للإسلاميين الذين حكموا تونس بعد الثورة، و عرف أيضا بمواقفه الرافضة للفكر الأصولي، و تعرض إلى اعتداء على يد أحد السلفيين. و قال بهذا الشأن «أنا لا أؤمن منذ 14 قرنا بأن الحكم باسم الدين يمكن أن يفرز ديمقراطية». و كان  معروفا بنضاله ضد القهر و الاستبداد، وكل هذا جعله يتعرض للمضايقات و الفصل من العمل، خاصة بسبب معارضته لنظام بن علي و بسبب أفكاره التي كان يعلن عنها في قصائده وتصريحاته. فقد دفع ثمن كل ذلك غاليا، حيث طرد من عمله كمنشط ثقافي لمدة 5 سنوات، قبل أن يستأنفه من جديد، دون الحصول على تعويض عن الضرر، كما جاء في تصريح سابق له لقناة فرانس24.
ابن مدينة سيدي بوزيد، التي انطلقت منها شرارة الثورة التونسية في 17 ديسمبر 2010، كتب حينها قصيدة ‹›الفراشة›› إهداءً لروح محمد البوعزيزي، وقال بشأن اندلاع «ثورة الياسمين»: «إنها ثورة قادتها أبيات شعرية من قصيدة أبو القاسم الشابي (إذا الشعب يوما أراد الحياة)». و اعتبر الراحل أن قصيدته «الفراشة» كانت بمثابة طلقة نارية و رسالة مفتوحة إلى بن علي خلال أيامه الأخيرة في سدة الحكم.
أصدر الراحل الكثير من المجموعات الشعرية والمؤلفات الأدبية، منها: «و لكنني أحمد» عام 1989، «نشيد الأيام الستة» عام 1984، «ليس لي مشكلة» عام 1998، «تفاصيل» 1991، «حالات الطريق» عام 2013، «القيادة الشعرية للثورة التونسية» عام 2013. كما تولى إدارة بيت الشعر في تونس في الفترة من 1993 حتى 1997.
نوّارة/ ل

الرجوع إلى الأعلى