تراجع إقبال الطلبة على دراسة الفنون الجميلة بالمدرسة الجهوية أحمد عكريش بقسنطينة، حيث لم يعد يتعدى عددهم  58 طالبا، بعد أن  كانت المدرسة تحصي 178 طالبا سنة 2000، و هذا لأسباب أرجعها أساتذة و طلبة إلى إقصاء المتخرجين  من مسابقات الأساتذة و غياب سوق للفن، بالإضافة إلى عدم توفير شروط الإقامة و النقل لطلبة ولايات الشرق.

مدرسة فنون تفتقر للمسة فنية
غياب اللمسة الفنية ليس مقتصرا على الفضاءات العمومية و الحياة العامة بولاية قسنطينة،فحتى مدرسة الفنون الجميلة تفتقر لذلك، ، فالمار أمامها لا يلاحظ أنها تحتضن الولوعين و الموهوبين في فنون الرسم و الزخرفة و النحت، و قد يعتقد بأنها مؤسسة تابعة لقطاع ما، نظرا لغياب بصمة على واجهتها، و حتى فضاءاتها الخارجية الشاسعة تحاصرها الأعشاب الضارة و النباتات البرية المختلفة، فتشوه منظرها العام، بلونها الباهت و جفاف أوراقها.
و المؤسف أكثر أنه لا وجود للوحة تشكيلية واحدة بمحيطها ، الفاصل بين  جدارها الخارجي و البناية التي تحتضن الطلبة، رغم شساعته ، فحتى النبتتين اللتين وضعتا في أصين كبيرين عند مدخلها، ترثي واقع الفن، فقد ذبلتا كليا و نال الاصفرار من أوراقهما، و الشيء الوحيد الذي  يجعل زائرها يقتفى أثر الفن هو الفسيفساء التي تزين جدار مدخل البناية، الموجود على مسافة بعيدة من البوابة الرئيسية، كما تزين بعض اللوحات جدران بهوها .
  أساتذة بالمدرسة، أكدوا سر  تراجع مكانة الفنون الجميلة  يكمن بالدرجة الأولى في قيمة الشهادة التي أصبحت لا تفتح لحاملها آفاق الشغل و أقصته من قطاع التعليم.
  كما تطرقوا لأسباب عدة حالت دون إثبات طلبة الفنون الجميلة وجودهم في الحياة العامة، على غرار عدم توفر إرادة سياسية و عدم إيلاء السلطات المحلية اهتماما بالفن، ما ثبط عزيمة الفنانين الذين لم يعد بوسعهم القيام بمبادرات لتزيين المحيط، إذ تتطلب توفر الإمكانيات في حين يعانون من مشاكل مادية، نظرا لغياب سوق الفن في الجزائر، ما يجعل إبداعاتهم  حبيسة الورشات.
توقف 9 طلبة من أصل 20 مسجلا السنة المنصرمة


إن الاطلاع على عدد الطلبة في كل طور، يجعلنا نرصد التراجع الرهيب، فعلى مستوى السنة الأولى تحصي المدرسة 26 طالبا، كما أكد رئيس قسم التصميم و الزخرفة عزيز بن طايلة ، فيما تحصي في السنة الثانية 11 طالبا، بعد أن كان عددهم 20 طالبا، و ذلك بعد توقف 9 منهم لأسباب تتعلق بعدم توفير الإقامة،  فيضطر الطلبة للعودة إلى ولاياتهم بشكل يومي، ما يرهقهم جسديا و نفسيا و أيضا ماديا، بالنظر إلى مصاريف النقل و غيرها.
بالنسبة للسنة الثالثة، تسجل المدرسة 10 طلبة موزعين على أربع تخصصات، طالب واحد في الرسم الزيتي و 3 طلبة في كل من تخصص المنمنمات و الاتصال البصري و التصميم و التهيئة، فيما تم غلق تخصص النحت هذه السنة، لانعدام الإقبال عليه، و يوجد بالسنة الرابعة، 11 طالبا ، موزعين على تخصص الرسم الزيتي و الاتصال البصري و التصميم و التهيئة، فيما أغلق تخصص المنمنمات، بعد أن جمدت طالبتين الدراسة.
و أوضح رئيس قسم الفنون التشكيلية ناصر بن ميسي، بأن الطلبة الذين يقبلون على المدرسة، يحمل  بعضهم شهادات ماستر في تخصصات ذات صلة بالفن، و يريدون تدعيمها بشهادة تخرج من المدرسة، و البعض الآخر ولوع بالفنون الجميلة و يدرسها كهواية و جلهم من العائلات الميسورة، أو ينتمون إلى عائلات فنية، و عن التخصصات الأكثر طلبا أكد بأن المنطق التجاري فرض تخصص الإشهار الذي يفتح فرص الشغل للمتخرجين من خلال تأسيس وكالات خاصة، يليه تخصص التهيئة و التصميم الخارجي، بعد أن كان تخصص الرسم الزيتي و النحت الأكثر طلبا.
rالأستاذ ناصر بن ميسي رئيس قسم الفنون التشكيلية: واقع الفنون قتل روح المبادرة في الطلبة


قال الأستاذ ناصر بن ميسي، رئيس قسم الفنون التشكيلية للنصر، بأن واقع الفنون الجميلة في الجزائر،  قتل روح المبادرة عند الطلبة، خاصة في ظل عدم هذه الشريحة في الحياة العامة ، بينما من المفروض أن تحرص على إدماجها بتهيئة الفضاءات العمومية و محيط  السكنات الاجتماعية الجديدة و إضفاء لمسة جمالية عليها، ما يدل على عدم إلمامهم بمدى مساهمة ذلك في تنشئة الفرد و الرقي بذوقه الفني و تربيته على احترام كل ما هو فن.
محدثنا تأسف على وضع الفنون الجميلة الذي يراه يحتضر، بعد أن شهد إقبالا كبيرا ، بلغ 178 طالبا سنة 2000 ، ليبدأ في التراجع بشكل ملفت سنة 2011 ، حيث تم إحصاء آنذاك 72 طالبا، لتسجل السنة الماضية 38 طالبا، مشيرا إلى أن  في سنة 1976 استقبلت المدرسة 600 مترشح، قدموا من مختلف الولايات، و كان عدد الطلبة على مستوى المدرسة ككل، يصل إلى حوالي 200 طالب، مع العلم أن الطاقة الاستيعابية تقدر بـ250 طالبا.
rالأستاذ محمد بصيلة تخصص الإشهار و الاتصال البصري: إشاعة تحريم رسم البورتريهات و اللوحات أثرت على الإقبال


من جهته أرجع الأستاذ محمد بصيلة الاتصال البصري و الإشهار، سبب غياب الفنون الجميلة عن الحياة العامة، و التراجع الملفت في الإقبال على دراستها، إلى إشاعة تحريم رسم بورتريهات الشخصيات و اللوحات و وضعها على الجدران المنزلية، و رواج فتاوى خاطئة بهذا الخصوص، و هو تحليل ناتج، حسبه، عن عدم الفهم الصحيح للدين.
المتحدث، و باعتباره يدرس تخصص الاتصال البصري، الذي يحظى بإقبال أكبر من الطلبة،   قال أنه تخصص من شأنه تحسين نوعية الإعلانات من جهة، و الرقي بقيمة المنتوج، و من جهة أخرى يشجع العمل الفني و يرقى بالذوق العام، لكن المؤسف أن الزبون يفرض على المصمم تصورا خاصا يطمس اللمسة  الفنية، فيطبق ما يملى عليه، لهذا فإن اللمسة الفنية لا تزال  لحد  اليوم  غائبة  في الإعلانات الجزائرية، و بالتالي هي مجرد تجارة، لم ترتق حسبه  بعد إلى مصاف الاستثمار في الفن كباقي الدول الأجنبية، بالرغم من إدراج هذا التخصص منذ عقدين أو أكثر في المدرسة.
rالأستاذ الطاهر لعجرود : غياب اللمسة الفنية في التجمعات السكانية ولد العنف


قال الأستاذ لعجرود الطاهر، مختص في الرسم الزيتي، للنصر، بأنه من بين العوامل التي طمست اللمسة الفنية ، إهمال التربية الفنية للطفل، الذي من المفروض أن يكبر على الألوان و الأشكال، و على وجود عنصر الجمال عموما في محيطه ، ليحترمه و يقدر قيمته الفنية،  كما ينمي الحس الفني لديه، و بالتالي ينشأ الطفل متوازنا ، غير أن المؤسف اليوم، أن الطفل ينشأ في محيط مخرب وسط بنايات شاهقة ذات لون موحد، تفتقر للجمالية  ، ما يترك آثارا سلبية عند الطفل  تولد العنف لديه، كما تقتل روح الإبداع لديه، و بالتالي الحصول على جيل غير مكترث لذلك، ، مشيرا إلى أنه بمعية بعض الأساتذة، اقترحوا على السلطات انجاز لوحات فسيفسائية على طول مسار ترامواي، قبل دخوله حيز الخدمة إلا أن اقتراحهم قوبل بالرفض.
و يدعو الأستاذ إلى وضع إستراتيجية لإشراك المتخرجين من المدرسة و الفنانين في تجسيد مشاريع و تزيين الفضاءات العمومية،  ، كما ذكر سببا آخر يؤدي إلى إحباط الفنانين و عزوف الطلبة عن دراسة الفنون الجميلة  يتعلق بغياب سوق الفن و النقد الفني المتخصص.
rزهية بالعقون متخرجة من مدرسة الفنون الجميلة: حولت صفحتي على أنستغرام إلى معرض للوحاتي


زهية بالعقون زهية، تخرجت من مدرسة الفنون الجميلة سنة 2014، التقتها النصر بالمدرسة، فقالت بأنها موهوبة في فن الرسم و ساعدتها والدتها على تنميتها باعتبارها أستاذة في المادة، و التحقت بمدرسة الفنون الجميلة بعد توقفها عن الدراسة في السنة ثانية من التعليم الثانوي، و اختارت الرسم الزيتي ، إلا أنها بعد 6 سنوات من التخرج، لم تتح لها  فرصة العمل بالشهادة المتحصل عليها، و تسعى حاليا للمشاركة في المعارض، لإبراز إبداعاتها، فقد أنجزت 9 لوحات، حول مواضيع مختلفة ، منها المتعلقة بقسنطينة و جسورها و كانت موضوع تخرجها، معتمدة في تجسيدها على المدرسة التجريدية.
محدثتنا قالت بأن عدم قدرتها على الترويج لإبداعاتها محليا، جعلها تستغل الفضاء الافتراضي، حيث حولت حسابها على أنستغرام إلى معرض ، و قد تفاعل معها متابعون عرب، و باعت لوحاتها للبنانيين، مؤكدة بأنها تواصل دراستها حاليا عن بعد، و هي مقبلة على اجتياز شهادة البكالوريا و تسعى للالتحاق بالجامعة، للحصول على شهادة تؤهلها لتدريس الرسم.
rزكي قرباع سنة رابعة: أطمح للسفر إلى الخارج للاستثمار في موهبتي

زكي قرباع، سنة رابعة رسم زيتي، التقيناه و هو بصدد إعداد  لوحات التخرج، بورشة الرسم، قال لنا بأنه موهوب في فن الرسم منذ الصغر، و ينحدر من ولاية ميلة، و أرجع سبب  نقص الإقبال على التخصص إلى عدم توفر الشروط الضرورية للطلبة الوافدين  من ولايات أخرى، كالإقامة و النقل، مشيرا إلى أن زميله المنحدر من ميلة اضطر إلى التوقف عن الدراسة، معتبرا كل الظروف الحالية لا تشجع على دراسة الفنون الجميلة، و الاعتماد على شهادة التخصص مستقبلا، لتوفير  مصدر العيش، ما جعل البعض يراها مضيعة للوقت، مشيرا إلى أنه حريص على متابعة تعليمه لحد الحصول على شهادة لاستثمار موهبته في روسيا أو إيطاليا.
rمدير المدرسة بالنيابة عريبي زيتوني: نحو تخصيص جزء من الميزانية لإضفاء لمسة جمالية  


  مدير المدرسة بالنيابة عريبي زيتوني، فأكد لنا أن هناك إرادة لتحسين محيط المؤسسة و إضفاء لمسة جمالية عليه، مشيرا إلى أنه تحدث مع الأساتذة و سيخصص مبلغا من الميزانية القادمة لذلك، و يشاطر أساتذة التخصص الرأي في ما يتعلق بالأسباب التي أدت إلى تراجع الإقبال على دراسة الفنون الجميلة، خاصة مشكل الشهادة.
 و قال بأنه يسعى مع وزارة الثقافة للرفع من مستوى الشهادة و السماح لحاملها بالمشاركة في مسابقات التوظيف، مرجعا غياب اللمسة الفنية في الحياة العامة إلى عدم توفر ثقافة فنية مجتمعية .                                                       أ. ب

الرجوع إلى الأعلى