lأمهات يلجأن إليها في الحجر للتحكم في أبنائهن

تحذّر البروفيسور نوال عبد اللطيف مامي أستاذة مختصة في علم النفس التربوي بجامعة سطيف 2، من استعمال تطبيقات ترهيب الأطفال و خاصة في الحجر الصحي، مؤكدة بأنها خطيرة جدا و لها تأثيرات كثيرة على صحة الطفل النفسية على المديين القريب و البعيد، إذ تولّد الشعور بالخوف الدائم و صعوبة في التعبير عن أبسط الأشياء، كما تؤثر في تكوين شخصية الطفل،  و تؤدي لحدوث اختلال في التوازن الاجتماعي، إذ يلجأ إليها عديد الأولياء خاصة في هذا الظرف لترهيب أبنائهم، لكي ينصتوا لأوامرهم، حسب ما أكده بعض ممن تحدثت إليهم النصر، و من هذه التطبيقات شرطة الأطفال و دكتور و حرامي الأطفال.  
و قد أصبحت تطبيقات تخويف الأطفال الوسيلة التي يراها الأولياء الأنجع للتحكم في سلوكات أبنائهم و إجبارهم على الانصياع لأوامرهم، و التي زاد استعمالها في الحجر الصحي الذي فرضه تفشي وباء كورونا، حيث وجد الأولياء، حسب ما أكده من تحدثت إليهم النصر، صعوبة كبيرة في التعامل مع أبنائهم و كبح شغبهم، إذ يشتكي غالبيتهم من الضغط الكبير الذي يعيشونه نتيجة الفوضى التي يتسبب فيها  الأطفال داخل البيت، حسب ما أكدته أمهات تحدثت إليهم النصر و من خلال منشورات فايسبوكية، عبّر من خلالها  آباء  و  أمهات عن عدم قدرتهم على التحكم في أبنائهم، و لاحظا من خلال التعليقات أن البعض يقترح عليهم هذه التطبيقات المخيفة للأطفال .

أسماء بوقرن
«اضطررت لاستعمال تطبيق التخويف لأركز في وظيفتي»
حيث أوضحت السيدة نسيبة هي أم لطفلين و بنت أعمارهم تتراوح بين سنة و نصف و ست سنوات، للنصر بأنها موظفة و تقوم بمهامها من البيت، غير أنها وجدت صعوبة كبيرة في  ذلك، بسبب الصخب الذي يحدثه  أبناؤها، فاضطرت إلى استعمال تطبيق الشرطة، للحد من ذلك، مؤكدة بأنها و بمجرد تفعيله يلتزم كل واحد مكانه و يكفون عن الفوضى، مشيرة إلى أنها الوسيلة التي تراها الأنجع لردعهم  حتى تستطيع القيام بمهامها المهنية و المنزلية، موضحة بأن ضغط العمل و المسؤولية الأسرية جعلاها لا تكترث لعواقب ذلك على صحتهم النفسية، فيما أرجعت فائزة أم لثلاثة ذكور سبب استعمالها للتطبيق لعناد أولادها و عدم الكف عن الصراخ و الانصياع لأوامرها.
هذه التطبيقات الأكثر استخداما
و من التطبيقات الأشهر و التي تعد الأكثر استخداما لكونها الأكثر إثارة للخوف، حسب أمهات  تطبيق  «شرطة الأطفال»  ، و بعد اطلاعنا عليه وجدنا بأنه عبارة عن تطبيق يمكن لأي شخص تحميله عبر هاتفه الذكي  أو تابليت  ، بحيث عند تفعيله يتخيل للطفل أن ولي أمره يجرى مكالمة مع المصالح الأمنية، حيث  يصدر صوت رجل مخيف مصحوبا بصوت صفارات الإنذار، و يقدم المتحدث نفسه على أنه شرطي الأطفال و بأنه سمع بأن للعائلة طفل لا ينصاع للأوامر، اذ يترك التطبيق فراغات بين جملة و أخرى للسماح للولي المتصل بالحديث، لإظهار بأنها مكالمة حقيقية، و من الجمل التي يقولها الشرطي «الوهمي» للمتصل « سمعنا بأن عندك طفل لا يسمع الكلام، و لي ما يسمع الكلام نأتي لنأخذه، فيسأل عن اسم الطفل و  مقر السكن، و يقول بأنه قادم ليأخذه، و يطلب من زملائه تحضير السيارة ثم يشغل صوت جهاز الإنذار.  
«حرامي الأطفال» و «شرطة الأطفال» الأكثر إثارة للخوف

كما أن هناك تطبيق آخر يسمي بـ»حرامي الأطفال»، و هو يشبه لحد كبير التطبيق الأول ، غير أنه يغير بعض الجمل بالقول بأنه آت  لسرقة الطفل و وضعه في الحقيبة إن لم يلتزم بأوامر والديه، كما ينطق المتحدث الوهمي في التطبيق عبارات تهديدية بالقول «إن لم يسكت عن البكاء سنأتي لنأخذه و نضعه في الحقيبة» ، و يعد الأكثر إثارة للخوف إلى جانب «شرطة الأطفال».
 كما أن هناك تطبيقا آخر متداول يسمى « بدكتور الأطفال» يستخدمه الأولياء باعتبار أن غالبية الأطفال يخافون الطبيب، و هو مشابه للتطبيقين الأولين إلا أنه يعتمد على تشغيل صوت سيارة الإسعاف في المكالمة، و يهدد بأخذ الطفل للمستشفى ، و هو من التطبيقات التي يروج لها الأولياء و يؤكدون نجاعتها على حد   تعبيرهم، من خلال ردع الطفل عن الأعمال السيئة .
و ما يميز هذا التطبيق عن غيره، حسب ما لاحظناه عند تصفحه،  بكونه يحوي رسالة مسجلة يمكن اختيارها بحسب الموضوع، وبحسب حالة الطفل، وتشمل عدة مواضيع ، كالأكل و النوم و الحمام و  طاعة الأهل و غيرها، بمجرد اختيار  الموضوع و حالة الطفل، سيرن التطبيق.
فهذه التطبيقات، وجد فيها الأولياء سبيلا لردع أبنائهم في الحجر الصحي، جاهلين تأثيراتها على الصحة النفسية للطفل، و عواقبها ، و المؤسف أن عددا من الأمهات يلاحظن علامات الخوف و الرعب التي تظهر على أبنائهن لمجرد تفعيل التطبيق، حسب ما أكدنه في حديثهن إلينا، إلا أنهن يرون في ذلك حلا للحد من شغبهم و حركتهم التي يرونها بأنها لا تنتهي.   
تطبيقات التخويف تولّد عدم الاستقرار في شخصية الطفل
البروفيسور نوال عبد اللطيف مامي أستاذة مختصة في علم النفس التربوي بجامعة محمد لمين دباغين سطيف 2، قالت بأن لهذه التطبيقات تأثيرات كثيرة على الطفل خاصة في هذه الجائحة، فيصبح دائم الشعور بالخوف، الذي يعيقه عن التعبير عن أبسط الأشياء، و تولد عدم استقرار في شخصية الطفل، و تؤدي لإصابته بالتبوّل اللاإرادي، مشيرة إلى أن هناك أولياء يشتكون من ذلك، و يؤكدون بأن أبناءهم و بعد أن تخلصوا من هذه «العادة السيئة» أصيبوا بها مجددا، و ذلك نتيجة أساليب الترهيب التي يعتمدونها حسب المختصة، مضيفة بأنها تولد الخوف لدى الطفل من الذهاب إلى المرحاض، و يصبح يشعر بالفزع من أبسط الأشياء، و حتى من الحديث لوالديه، وفي طلب حاجياته منهما.
محدثتنا قالت بأن  تلك  التطبيقات الترهيبية، تؤثر حتى على التحصيل  الدراسي و  القدرات الإبداعية للطفل، كما تعيقه في  اتخاذ القرارات و في تكوين شخصيته، إضافة إلى ذلك تحدث اختلالا في التوازن الاجتماعي، لأنه من المفروض أن الشرطي دوره الفعلي في المجتمع هو توفير الحماية، إلا أن الطفل يصبح يخاف منه و بمجرد رؤيته في الشارع يحاول الهروب منه و تفاديه، في الوقت الذي من المفروض أن يعتبره ملجأ لحمايته و الحفاظ على سلامته، و مع مر السنوات يتولد لدى الطفل الرغبة في الانتقام إذ يسعى للانتقام من هذا الشرطي الذي كان يخيفه في صغره و هذا أمر خطير جدا،  داعية الأولياء إلى الامتناع عن اعتماد الأسلوب الترهيبي  في التعامل مع الأطفال ، فهو لا يقدم النتيجة التي يرجونها، و عواقبه لا تعد و لا تحصى، موضحة بأن الطفل في عمر السنتين أو الثلاث سنوات يفهم ما يدور حوله و على الآباء إتباع سياسة الحديث و تقديم شروحات مبسطة حول استفساراته و حول ما حدث، و التعامل بصدق معه، سيصبح الطفل منصتا و مطيعا بالضرورة.
تأثيرات الظرف الحالي تشكل ضغطا نفسيا  
النفسانية المتحدثة قالت بأن الطفل في هذا الظرف الاستثنائي يعيش في ضغط رهيب، نتيجة حرمانه من المدرسة و من الخروج للعب و تقييده في البيت دون توفر وسائل للترفيه، كما أنه ممنوع من زيارة أقاربه و من تقبيلهم، و هي عوامل عاطفية يحتاجها الطفل في هذا السن، و فوق كل ذلك يستعمل الأولياء أساليب أخرى إلى جانب التطبيقات لترعيبهم، في الوقت الذي يتعين عليهم الجلوس مع أبنائهم و محاولة تقديم شروحات بخصوص الوضعية التي نعيشها .
و أشارت الاخصائية إلى أن الطفل ستتكون لديه عقدة نفسية، نظرا لغياب المرافقة في هذا الظرف،  و الأخطر من ذلك أن الآباء حاليا يكثرون الحديث عن الوباء و الطفل يسجل كل ما يحدث، و هذه المعلومات تصبح خفية لديه ، لأنه يرى بأن أولياءه يرفضون تقديم شروحات له، في المقابل يشاهد بأن المجتمع يعيش حالة من الخوف، فحتى صوت سيارات الأمن التي تجوب الشوارع مساء للحث على التزام البيوت، تخفه و تشعره بأننا في حالة حرب، و كل هذه الضغوطات ستؤثر على الشخصية  مستقبلا و تتحول إلى عنف ما  ينعكس على حياته و أسرته و المجتمع.                   أ ب

الرجوع إلى الأعلى