يقترب فريق البحث والتطوير الجزائري المكون من أطباء و خبراء في الداخل و الخارج، من طرح أول نموذج عن جهاز تنفس اصطناعي مستوحى من تكنولوجيا عالمية معروفة، لكن بتركيب جزائري كلي يتوافق مع الإمكانيات المتاحة و مع ما تحتاجه مستشفياتنا، بحيث صمّم بالتنسيق مع أطباء استشاريين لضمان استيفاء الخصوصية الجزائرية، التي ستمكن من تعميم التصميم في مرحلة لاحقة، في حال تمت المصادقة على النموذج المطوّر و توفرت النية لتصنيعه.

حاورته: هدى طابي
وحسب ممثل مجموعة «ميديا كوم» وعضو فريق «وي ألجيرينز»، خبير البرمجيات المدججة لصناعة ربوتات مراقبة وفحص آلات تصنيع الشرائح بفرنسا، المهندس زرقون منصور، فإن العمل على تطوير تطبيقات تساعد على الكشف عن الإصابة بفيروس كوفيد 19، يعرف تقدما كبيرا، حيث تم طرح نسخة أولى تساعد على تحديد الأعراض ومدى الحاجة للتنقل للمستشفى، كما يجري إعداد تطبيق تتبع ذكي جديد، وذلك بالتزامن مع  تواصل تصنيع و توزيع آلاف الوحدات من الأقنعة الواقية « فيس شيلد»، الموجهة لحماية مهنيي الصحة عبر عدد من الولايات.
ـ أعلنتم منذ أسبوعين عن إطلاق مبادرة للتصدي لفيروس كورونا تحت مسمى «وي ألجيرينز» و اليوم تتحدثون عن نتائج ملموسة ميدانيا، من أنتم تحديدا و كيف ولدت المبادرة؟
ـ زرقون منصور: نحن مجموعة من الأصدقاء من داخل و خارج الوطن باحثون و خبراء و أطباء و بيولوجيون، كل في مجال اختصاص معين «هندسة إعلام آلي وحوسبة و معلومات حيوية و إلكترونيك و روبوتيك و غير ذلك»، حيث بادرنا عفويا إلى اقتراح تكوين فريق عمل لمساعدة بلادنا خلال الظروف الحالية التي فرضها فيروس كورونا المستجد،  و اقتراح  حلول للمشاكل التقنية  المطروحة من خلال تصميم وبرمجة و تصنيع و طبع معدات الحماية و التنفس الاصطناعي و البحث عن طرق لصناعة الكواشف ،و هذا لتدعيم الطاقم الطبي و الاسعافي تلبية لطلب المديرية العامة للبحث العلمي و التطوير التكنولوجي و الوكالة الموضوعاتية للبحث في العلوم و التكنولوجيا.
في البداية كنا حوالي 30 فردا نعرف بعضنا البعض بفضل الدراسة و العمل و تقارب الاختصاصات، مع الوقت تطورت المجموعة و أصبحت مكونة من مئات الجزائريين في أرجاء العالم، ثم أطلقنا نداء عبر مواقع التواصل لدعوة المهنيين للانضمام إلينا و صراحة دهشنا لحجم التجاوب الكبير، فقد التحق بنا أزيد من 10آلاف شخص، كل يساهم بحسب خبرته سواء لوجيستيكيا أو بالنصائح أو في مجال التوزيع.


ـ  ما هو عدد المشاريع التي برمجتموها، وعلى أي أساس  حددتم طبيعتها و ضبطتم قائمة الأولويات و إلى أي حد ساهمتم ميدانيا منذ انطلقتم في العمل؟
ـ  المجموعة مكونة من عدة فرق تعمل على عدد من  المشاريع التي حددنا قائمتها بالرجوع إلى ما تفرضه الحاجة في بلادنا خلال  المرحلة الحالية، وذلك بالاعتماد على توجيهات و استشارات الأطباء باعتبارهم الفئة المتواجدة في الصفوف الأولى.
كونا تقريبا خمسة فرق كل مجموعة تكفلت بمشروع معين، حيث تخصصت المجموعة الأولى في تصنيع « الفيس شيلد»، وهو مشروع هدفه صناعة أدوات واقية للسلك الطبي لحمايتهم خلال أداء مهامهم، البداية كانت بالطابعة ثلاثية الأبعاد، ثم توجهنا لصناعتها بكميات كبيرة، و تمكننا بفضل الإخوة في باتنة و العاصمة و حتى في حاسي مسعود، من صناعة أكثر من 5 آلاف واقي، العملية لا تزال مستمرة، خصوصا بعدما حصلنا على موافقة السلطات الجزائرية على هذا النموذج، وهنا أود الإشادة بسرعة تجاوب المسؤولين.
المشروع الثاني هو « التاست كيت»، والذي وفرناه بفضل الزملاء في قطر، حيث قمنا بشراء مجموعة من الأطقم لفحص الفيروس و أرسلناها مباشرة للسفارة الجزائرية في الصين، إذ يفترض أن هناك حوالي عشرة آلاف اختبار قد وصلت إلى الجزائر مؤخرا، هدفها الكشف عن المرضى للحد من انتشار العدوى.
المشروع الثالث يخص التطبيقات، وهو عمل يشرف عليه زملاء متخصصون في مجال البرمجة، والحمد لله تمكنا إلى غاية الآن من تطوير تطبيق يجيب عن عدد من الأسئلة تسمح بمساعدة أي شخص على تحديد الأعراض و الحاجة للتنقل إلى المستشفى، كما طورنا تطبيقا هاتفيا آخر للكشف عن الفيروس، حيث أعددنا « النسخة آلفا»، وسنطلقه للاستخدام العام بمجرد أن ننتهي من تطويره كليا و نحصل على موافقة السلطات عليه.
لدينا أيضا مشروع جهاز التنفس الاصطناعي، وهو مشروع صعب لكن طموح، و لحسن حظنا أننا نملك فريقا من الخبراء من الداخل والخارج متخصصين في هذا المجال، وقد تمكنوا  لحد الآن من تحقيق نسبة تقدم مشجعة في العمل على التصميم.
وهنا لابد لي من الإشارة، إلى أننا نعمل مع فريق طبي متكامل يقوم بعمل جبار حقيقة يساعدنا بشكل كبير، فمعظم مشاريعنا تخضع لاستشارتهم و لرقابتهم باعتبارهم الأكثر دراية بطبيعة ما تحتاجه المستشفيات، سواء فيما يتعلق بجانب التعقيم أو صناعة الأقنعة أو جهاز التنفس أو المواد الأساسية، فهم من يصادقون على النماذج الأولية قبل الانطلاق فعليا في مرحلة إنجازها.
ـ  متى سيكون جهاز التنفس الاصطناعي جاهزا،  وهل هناك توجه مسبق أو اتفاق مبدئي لتصنيعه بالكميات التي تحتاجها المستشفيات؟
ـ لا يمكنني الحديث عن آجال نهائية لجاهزية المشروع، ربما أسبوعا أو أسبوعين أو أكثر،  لكننا نتوقع طرحه في أقرب فرصة، خصوصا وأن خبرائنا يعملون بكل طاقتهم، وقد ناهز العمل عليه كما سبق و أن ذكرت نسبة جد متقدمة تعادل 70 بالمائة.
 بخصوص التواصل مع جهة مصنعة، فلا يمكنني أيضا الجزم بهذا الموضوع، على اعتبار أن فريق العمل يركز أولا على إعداد النموذج المطلوب بشكل نهائي، ولذلك فالأولوية بالنسبة لنا هي تطوير الجهاز بإمكانيات و قطع غيار جزائرية، لنجعل من التصنيع ممكنا خصوصا إذا ما توفرت النية لفعل ذلك طبعا، علما أن خبراءنا مستعدون للتكفل بجانب تكوين الموارد البشرية.
ـ هل هو نموذج مستحدث أم أنه تصميم معروف يعتمد على تكنولوجيا  أجنبية؟
ـ  هو نموذج معروف مستوحى من تصاميم شركات موجودة في الخارج    «ان اكس بي» و «فيس كيل»، ونحن نحاول تصنيعه بالرجوع إلى الإمكانيات و القواعد الموجودة في بلادنا، حيث  نعمل عليه بالتنسيق مع الأطباء لكي نطور تصميما يتماشى مع المعايير التي يحتاجونها في الجزائر.
ـ ما الفرق بينه و بين النماذج التي يعلن شباب و مبتكرون عن تطويرها في كل مرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي و في الإعلام؟
ـ  فعلا كثيرا ما يتداول رواد مواقع التواصل منشورات و أخبارا تتحدث عن إنجاز شخص أو مجموعة أشخاص لجهاز تنفس اصطناعي، لكن وجب التوضيح بأنها مجرد تصاميم معروفة  و متوفرة على الأنترنت، لكن إمكانية تطويرها فعليا أمر صعب و هو جانب لا يتطرقون إليه عادة، لأن هذه النماذج الخاصة بشركات تصميم عالمية على غرار مرسيدس  تستوجب توفر قطع غيار دقيقة و هي قطع لا نملكها في الجزائر، و حتى و إن أردنا تصنيعها في بلادنا مثلا،  فإن الأمر يستلزم تكنولوجيات دقيقة و مترابطة تعتمد على الروبوتات.  
ـ ما تقديركم للتكلفة المبدئية لجهازكم ؟
 ـ لا يمكنني أن أقدم رقما معينا، لأن الخبراء الذين يطورون الجهاز حاليا يعملون بالاعتماد على إمكانياتهم الخاصة، ولذلك ليس بمقدوري حاليا أن أتحدث عن ميزانية أو تكلفة مبدئية، ربما عندما ننهي المشروع قد نقترح النموذج و نقترحه معه تكلفة الإنجاز.
ـ أعلنتم أيضا عن تطويركم لتطبيقات هاتفية للكشف عن الإصابة بالفيروس ما مدى نجاعتها؟
 ـ  برمجنا تطبيق استمارة معلومات «سؤال جواب»، يشخص  الأعراض عن طريق الأنترنت، وهي أسئلة اتفقنا عليها مع وزارة الصحة، و أشرف أطباء على إعداد الخوارزمية الخاصة بها، علما أنه ليس كشفا نهائيا بل تتبعا للمراحل التي يمر بها الإنسان و مقاربة للأعراض، لتحديد مدى حاجته إلى التنقل إلى المستشفى وهذا لا يلغي أهمية الفحص أو التواصل مع المختصين عبر الرقم الأخضر.
 هناك أيضا تطبيق آخر لا يزال قيد التصميم، و هو تطبيق يتتبع الأشخاص الذين يتواصل معهم الإنسان، ومع مرور الوقت إذا ما حدد أعراض المرض عند أحدهم، فإنه يحذره من الأمر عن طريق رسالة قصيرة تطلب منه التوجه للفحص، علما أن التقنية تعتمد على إحصائيات  دقيقة للتتبع و غير ذلك.
ـ ما الذي استخلصتموه من تجربتكم خلال الأسبوعين الأخيرين وهل يمكن أن تكون هذه بادرة للتأسيس لصناعة شبه طبية أو لتكنولوجيا محلية رائدة؟
ـ  ما عشناه خلال الأسبوعين الماضيين، كشف لنا عن طاقات جزائرية كبيرة، و عرفنا بكفاءات هامة سواء تعلق الأمر بدكاترة أو خبراء و حتى اليد العالمة المسؤولة عن التوزيع في الميدان، وهو ما بين وجود طاقات يمكن استغلالها فعليا مع مرور الوقت، لكن لابد من التوضيح بأن هدفنا كان  متركزا على محاربة الوباء، بمعنى أننا لم نخطط لأبعد من المرحلة الحالية ولذلك لا يمكننا تصور استراتيجية مستقبلية أو التنبؤ بالقادم.
 مع ذلك ستكون بادرة مشجعة إن استطعنا مستقبلا تطوير نشاط استغلال مشاريعنا بما في ذلك التطبيقات و جهاز التنفس و حتى الكمامات و المعقمات و ما أنتجناه في مجال الإعلام الالي و البرمجة، وهو أمر مرهون بمدى جاهزية السلطات للاستثمار في هذه المكاسب، في حال توفر الإمكانيات.

الرجوع إلى الأعلى