يقول ، عالم النفس الإكلينيكي كورتني وارن ، «عندما يمر الناس بالأزمات أو يواجهون ضغوطات كبيرة، فإن أول ما يتغير من سلوكياتهم هو السلوكيات المتعلقة بتناول الطعام»، وهو بالفعل ما لاحظناه خلال بداية جائحة كورونا، و بداية الحجر الصحي، إذ لجأ السواد الأعظم من الناس للطهي و الإكثار من تناول الأطعمة الدسمة، لكن بمرور الأشهر أخذت الأمور منحنى مغايرا، إذ تخلى الكثيرون عن نمط الغذاء القديم، و اكتسبوا عادات جديدة فرضتها الضرورة الصحية، و ذلك بعدما اهتدوا إلى أن الغذاء يحقق الوقاية، و أن ما نتناوله، من شأنه أن يضعف مناعتنا أو يقويها.
الإغلاق ينجح أين فشلت الحميات
 في بداية الجائحة، قدمت منظمة الصحة العالمية لائحة بأهم شروط الوقاية من الفيروس،  تضمنت ضبط النظام الغذائي و التخلي عن السكريات و التقليل من الدهون و الطحين الأبيض، و هي خطوة لطالما كانت أساسية في كل الحميات التقليدية التي يحاول الكثيرون إتباعها، لكنهم يعجزون في أغلب الأحيان، بسبب إغراءات المطاعم و محلات الوجبات السريعة، و إدمان السكر، لكن ظروف الحجر الصحي و إجراءات الإغلاق التي اتخذتها الحكومة الجزائرية خلال الأشهر الماضية، بما في ذلك تعليق نشاط المطاعم، ساعد الكثيرين على تنظيم عاداتهم الغذائية و إتباع نمط صحي بعدما اضطروا للعودة إلى الوجبات المنزلية.
اهتمام متزايد بمواد تعزيز المناعة و  «البيو»
بين استطلاع للآراء أجرته النصر، بوضوح، تزايد الاهتمام بالأكل الصحي الطبيعي ، أو ما يعرف ب «البيو»، فالكثير ممن سألناهم قالوا بأنهم عوضوا المنتجات الصناعية بمنتجات طبيعية، خصوصا ما تعلق بالحليب و القمح الكامل و السكر الأسمر، وأشار آخرون إلى أن اهتمامهم زاد بكل ما من شأنه تعزيز المناعة، بما في ذلك حبوب الطلع، العسل الطبيعي و مستخلصات الزعتر و النعناع و الشيح و الزنجبيل.
و أكد جل من تحدثنا إليهم أن المهمة لم تكن سهلة، و أن أعراض الابتعاد عن السكر كانت واضحة، و تمثلت عموما في التوتر و الاكتئاب ، إلا أنهم لاحظوا تغيرات إيجابية في أدائهم الوظيفي ونشاطهم الحيوي، مشيرين إلى أن الجائحة  لخصت في هذه الحالة مقولة « رب ضارة نافعة»، فمنهم من خسروا من  7 كيلوغرام إلى ما يزيد عن 10 كيلوغرامات من الوزن الزائد.
الفواكه بدل الحلويات والتقليل من الخبز
قال كمال قهواجي، وهو موظف، حاولت استغلال فترة الإغلاق و الحجر لتطليق الأكل في خارج البيت، وذلك لسببين أولهما تفادي التجمعات و العودة للأكل المنزلي، الأكثر ملاءمة للصحة، من حيث المكونات و شروط الحفظ و التحضير، وهو قرار يعود إلى شهر مارس الماضي، تضمن تعويض السكريات و الحلويات بالفواكه و الخضر، و تناول السلطات، بدلا من مأكولات المطاعم، ناهيك عن التخلي عن الخبز و تعويضه بالرغيف المحضر منزليا، و اكتشفت بمرور الوقت بأن الخبز الأبيض سام، و أن باقي الأنواع التي يفترض أنها صحية، كخبز الشعير مثلا، غير مناسبة و لا تحضر في المخابز بشكل سليم، ولا تخلو من الغش في المكونات.
محدثنا أضاف، أن اهتمامه زاد بمنتجات تعزيز المناعة، بما في ذلك حبوب الطلع التي يستخدمها كبديل للسكر في تحضير العصائر الطبيعية، كما أنه بات حريصا على تناول كمية مناسبة من العكبر  «البروبوليس « كذلك، وهو ما ساعده على مراقبة وزنه، رغم قلة النشاط.
أطعمة دون إضافات و خبز القمح الكامل
أما الكاتب و الصحفي  نجم الدين سيدي عثمان، فأخبرنا أنه بدأ الاهتمام بموضوع النظام الغذائي قبل سنتين،  حيث اكتشف أن ما نأكله سيء و يستفز الأمراض، لذلك قرر التركيز على الأطعمة» البيو» أو الخالية من الإضافات الصناعية، كما توقف عن تناول الخبز الأبيض و عوضه بكسرة القمح الكامل، و توقف عن تناول الزيوت، إلا أنه فقد البوصلة مع بداية الحجر، ما تسبب له في زيادة الوزن.
و أضاف أنه قرر بعد ذلك رفع التحدي من أجل حماية صحته و تقوية مناعته، فقرر التوقف نهائيا عن تناول السكر، فلاحظ خلال 20يوما الأولى، تحسنا في ضغط دمه، و استقرار معدل السكري في دمه عند مستوى 0.8 غرام، بعدما كان 1 غرام، ناهيك عن مكاسب صحية أخرى، تشمل النوم بشكل أفضل و تحسن مزاجه و بصره و قدرته على التركيز أكثر في العمل.  
«اكتسبنا ثقافة غذائية عائلية منذ بداية الجائحة»
أما سمير بن ساعد، محاسب من قسنطينة، فقال لنا، بأن فكرة مراقبة نظامه الغذائي، جاءت التزاما منه بنصائح  منظمة الصحة العالمية الخاصة بطرق تعزيز المناعة، ما دفعه لإعادة ترتيب محتويات مائدته اليومية، حيث بدأ بالامتناع عن الأكل السريع و قلل كمية السكريات، فتبعه بعد ذلك أفراد أسرته، إذ قرروا التخلي عن الحليب كوجبة صباحية، و عوضوه بالبيض، وهو برنامج اعتمدوه طيلة ستة أشهر تقريبا.و أشار أنهم لم يستهلكوا خلالها ما يزيد عن كيلوغرام واحد من السكر، وعلق   « اكتسبنا ثقافة غذائية عائلية صحية، عن نفسي حققت فائدة مزدوجة، فقد خفضت إنفاقي على الحلويات و فقدت 7كيلوغرامات من وزني، دون تمارين رياضية، كما لاحظت زيادة في نشاطي و تخلصت من الشعور بالخمول و التعب الذي كان  يقيد حركتي» .
rالمختصــة في التغذيــة فريـدة عواطـي
التغذية أساسية في تحديد أداء الجهاز المناعي
أوضحت المختصة في التغذية فريدة عواطي، بأن جسم الإنسان يتكيف مع كل شيء دخيل عليه، حسب طبيعته، لذلك فإن مواجهة الأمراض والفيروسات، تستدعي دائما تغيير نمط الغذاء، و ذلك لتعزيز جهاز المناعة، و تحديد مستوى أدائه، فالأكل الذي نتناوله، حسبها، هو جزء من آلية الدفاع و العلاج على حد سواء، بدليل أن ما نأكله قد يسبب لنا اضطرابات في المعدة، كالإسهال أو الإمساك، وهو نفسه ما يساعد على التخلص من هذه المشاكل.  وترى المتحدثة، بأن الجائحة قد تكون نائبة أريد لنا بها خير، لأنها ساعدت على عودة الاهتمام بالمناعة و بالنظام الغذائي، كما دفعت الكثيرين الى التخلي عن الوجبات السريعة و الجاهزة، لصالح الأكل الصحي، وهو ما من شأنه أن يعيد لنا، كما قالت، مناعتنا الطبيعية التي أضعناها بسبب نوعية ما أصبحنا نأكله خارج البيت، مؤكدة بأنها تشرف وحدها على أزيد من 300 شخص، بينهم مرضى و أصحاء من مختلف الفئات العمرية، خصوصا  بين 25 إلى 40 سنة.   ولتقوية جهاز المناعة، تنصح المختصة بالابتعاد عن السكر و الزيوت المهدرجة  و الفرينة و المشروبات و المواد الحافظة و المنكهات، و كل ما يصنف ضمن خانة الأكل الميت الخالي من الفيتامينات و المعادن، مع الإكثار من المواد التي تضاعف سيولة الدم، كالبوتاسيوم، الموجود في البقوليات و المكسرات، و تناول كأس من الحليب الرائب ليلا.                                                                 هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى