يتعرض الكثير من الأشخاص عندما يكتشفون لأول مرة إصابتهم بالسرطان، لصدمة قوية و انهيار عصبي، و يلجأون إلى الانطواء والعزلة و يرفضون العلاج، وقد يستمر معهم الخوف و القلق و الاضطرابات النفسية لفترة طويلة، لأن السرطان يعني الموت بالنسبة للعديد منهم، بالرغم من تقدم وسائل العلاج و الأدوية التي جعلت السرطان مرضا لا يختلف في الكثير من الأحيان، عن باقي الأمراض الأخرى، خصوصا عندما يتم تشخيصه مبكرا.
تعد مرحلة إطلاع المريض بأنه مصاب بالسرطان، من أصعب المراحل بالنسبة إليه وإلى عائلته، و أكد مختصون في ملتقى نظمته جمعية البدر عن بعد، حول التكفل النفسي والاجتماعي بالمصابين بالسرطان، بأن صدمة المريض عندما يكتشف حقيقة مرضه و انفعالاته القوية و تعرضه لانهيار عصبي، تعود إلى غياب استشارات تتعلق بإعلان المرض، يمكن أن تكون مرجعية يعتمد عليها الأطباء و النفسانيون، أثناء إعلان نوع المرض للمصاب.
في غياب هذا النوع من الاستشارات يضطر بعض الأطباء لكشف المرض للمصابين بطريقة غير مدروسة تزيد من معاناتهم النفسية، ولا تساعدهم في العلاج.
في نفس السياق قالت السيدة زهية للنصر، أن طريقة إعلامها بإصابتها بسرطان الثدي من طرف طبيبة، بعد اطلاعها على نتائج التحاليل المخبرية والأشعة، جعلتها تصاب بصدمة لم تتحملها، مضيفة بأن الطبيبة أخبرتها بالأمر مباشرة دون أية مقدمات، بشكل عنيف، فكانت واقفة و سقطت على الأرض وشرعت في الصراخ، لكن بعد مواصلة التحاليل و متابعة العلاج عند أخصائي في طب الأورام عاد إليها الأمل في الشفاء، فقد أكد لها هذا الطبيب بأنها بعد أن تتابع العلاج الكيميائي و العلاج بالأشعة و تخضع لعملية جراحية ستعود إلى حياتها الطبيعة، و بإيمانها القوي وتشجيع الأهل ومحيط العمل، استطاعت التغلب على المرض.
و شددت المتحدثة بأن طريقة إعلان المرض في المرة الأولى، أصابتها بصدمة عنيفة ، داعية إلى حضور الأخصائي النفساني عندما يخبر الطبيب المريض بإصابته بالسرطان، ليتكفل به نفسيا، أو على الأقل تكون هناك مقدمات، حتى يستطيع المريض تقبل الأمر، فالإعلان عن هذا المرض بطريقة لا تكاد تختلف عن الإعلان عن أي مرض آخر، يصيب دون شك، حسبها، أي شخص بصدمة قوية، وقد يؤثر بشكل كبير على العلاج و حياته النفسية والجسمية.
و تشاطر السيدة آمال، المصابة هي الأخرى بسرطان الثدي، السيدة زهية نفس الرأي، في ما يتعلق بالإعلان عن المرض، مشيرة إلى أنها أصيبت بصدمة عنيفة وانهارت عصبيا، عندما قال لهاالطبيب دون مقدمات أنها تعاني من هذا الداء.
و أضافت بأنها استطاعت تدريجيا استرجاع قواها النفسية، بعد مرحلة عصيبة مرت بها، و لا تحصر السيدة آمال التكفل بالمصابين بالسرطان في الجانب النفسي فقط، بل تحدثت عن أهمية التكفل الاجتماعي، إذ يحتاج المريض لفحوصات بالأشعة و أخرى مخبرية معمقة ومتعددة، و لايستطيع أي موظف أو عاطل عن العمل، دفع تكاليف هذه الفحوصات غير المتوفرة في المستشفيات في أغلب الأحيان، كما أن هذه الفحوصات غير معوضة من طرف مصالح التأمين الاجتماعي، إلى جانب غياب المصالح الاستشفائية المختصة في علاج السرطان في كافة الولايات، و بالتالي فإن بعد المسافة و ارتفاع تكاليف الفحص و  العلاج عوامل أخرى تزيد من معاناة المريض وتؤثر على مستوى العلاج.
أما محمد المصاب بسرطان الدم، فقال  بأن تعامل الطبيب في بعض الأحيان مع المريض يكون قاتلا، مشيرا إلى أن طبيبة أخبرته بأنه مصاب بالسرطان بكل برودة في مكتبها، و كأنها تخبره بأنه يعاني من مرض عادي آخر، مضيفا بأن حياته تحولت إلى جحيم، قبل أن يستطيع أن يستجمع قواه تدريجيا.
و قالت سيدة أخرى أنها ذهبت عند طبيبة فأخبرتها بأن ابنها مصاب بالمرض الخبيث، دون أن تتريث لتتأكد من نتائج الفحوصات، فصدمتها، لكنها علمت  لاحقا أنها أخطأت في التشخيص،فهو مصاب بمرض آخر.
هذه نماذج من تصرفات غير المدروسة و غير المسؤولة لبعض الأطباء الذين يعلنون عن المرض دون مراعاة الحالة النفسية للمريض فيزيدون من معاناته، بدل التخفيف عنه ، ما جعل مختصون يشددون على المرافقة النفسية للمريض منذ الإعلان عن إصابته، إلى غاية اللحظات الأخيرة من حياته، و يجب أن تشمل المرافقة النفسية المقربين منهم من أفراد عائلتهم.
و يلح مختصون على ضرورة وضع استشارات خاصة، تتحول إلى مرجعية  بالجزائر يعتمد عليها الأطباء و الأخصائيون النفسانيون عند إطلاع المرضى بحقيقة مرضهم.
المتاعب النفسية تبدأ في مرحلة الفحوصات
قال الطبيب الأخصائي في الأورام أحمد بوجلة، أن متاعب المريض النفسية تبدأ مع الفحوصات، حيث يكون المريض خائفا من نتائج التحاليل، مؤكدا بأن إعلان المرض صعب بالنسبة للطبيب، ويجب مراعاة الجانب النفسي دائما، ومدى تقبل المريض للعلاج، مضيفا بأن المريض يجب أن يتمتع بالقوة الكافية لتقبل المرض والعلاج في نفس الوقت، مشددا بأن من يتقبل المرض فرص الشفاء كبيرة بالنسبة إليه، عكس الشخص الذي لا يتقبله.
و أوضح نفس المتحدث بأن المرافقة النفسية لا تتعلق باللحظة الأولى من إعلان المرض فقط، بل يجب أن تكون مستمرة، فالمريض قد يشفى من المرض و يصاب بانتكاسة، وهنا أيضا يتطلب الأمر مرافقة نفسية.
و أكد بأن الطبيب من واجبه أن يزرع الأمل و يبقيه حيا عند المصاب، كما ركز على الجانب المادي الذي يبقى هو الآخر مهما بالسنبة للمريض، الذي يحتاج إلى فحوصات عديدة، كما قد يحتاج إلى فحوصات ثانوية، وكل ذلك يتطلب توفر موارد مالية للمريض، و ختم حديثه للنصر، بالقول بأن الجانبين النفسي والاجتماعي لهما أثر مباشر على نتائج العلاج.
على الطبيب اختيار الظرف و الوقت المناسب لإعلان المرض
أكد في ذات السياق الدكتور محمد شكالي، الأخصائي في الأمراض العقلية و المدير الفرعي بوزارة الصحة والسكان، أن على الطبيب اختيار الظرف والتوقيت المناسب لإعلان المرض للمصاب، و يجب أن يصاحب إعلان المرض الإعلان عن وسائل العلاج وزرع الأمل لدى المريض، حتى لا ينهار نفسيا وعصبيا، مضيفا بأن السرطان هو زلزال بالنسبة للمصاب، يعني الموت، وغياب العلاج، وكلها مفاهيم خاطئة، حسبه، فالأدوية متوفرة حاليا لعلاج السرطان، ما يمكن المريض من الشفاء تماما من المرض، داعيا إلى ضرورة مراعاة شخصية المريض أثناء إعلان المرض.
و يمكن، حسبه،  تأجيل الإعلان لمدة معينة، فالطبيب ليس ملزما بالإعلان عنه بعد اكتشافه مباشرة، كما أن الإعلان يجب أن يكون في مكان آمن، عندما يكون المصاب مرتاحا نفسيا.
وتحدث الدكتور شكالي عن أشخاص أعلموا بإصابتهم بالسرطان، ليتبين لاحقا أن هناك خطأ في التشخيص، و قال هذا الخطأ تبقى آثاره النفسية إلى مدى بعيد، وقد لا تزول، كما يدعو إلى الأخذ بعين الاعتبار خيارات المريض، و ترك الوقت له لتقبل العلاج، مضيفا بأن السرطان يتم ربطه دائما بالموت، بالرغم من أن عديد المرضى كانوا يعانون من أعراض خطيرة واستطاعوا التعايش مع المرض.
و ذكر المتحدث أن من بين ردود الفعل التي رافقت اكتشاف السرطان، الإحباط، القلق، النزاعات مع محيط العمل، و الشارع والمحيط العائلي، الاهتمام بالذات بصفة مفرطة، مثل التوجه يوميا إلى الأطباء، وكذا الصعوبات في الاندماج في المحيط العائلي والمهني.
وبخصوص طريقة الإعلان عن المرض، قال الدكتور شكالي، بأنه لا يوجد قالب معين لذلك، لكن يجب توفر استشارة خاصة تكون نموذجا للأطباء والأخصائيين النفسانيين، كما هو معمول به في دول متقدمة.
تقنيات حديثة لعلاج الصدمة
الأخصائية في علم النفس العيادي ليلى حصاص بومغار، أكدت أن تقنيات التكفل النفسي تطورت، ولم تعد ترتكز على الاستماع والمساندة النفسية فقط، فهناك تقنيات حديثة لعلاج الصدمة، منها تقنية الحرية الانفعالية التي أثبتت فعاليتها في معالجة الصدمة، إلى جانب تقنية تسيير القلق والانفعالات التي تعتمد على الاسترخاء.
و أوضحت بأن التقنيات الحديثة تأخذ بعين الاعتبار كل جوانب شخصية المريض الفكرية، السلوكية، الانفعالية والجسمانية، مشيرة بأن المرافقة النفسية تبدأ من يوم الإعلان عن المرض، إلى غاية وفاته.
وركزت المتحدثة على أهمية المرافقة النفسية خلال فترة العلاج، فقد ينجر عن العلاج و العمليات الجراحية بتر عضو من أعضاء الجسم، وهنا يحتاج المريض إلى مرافقة نفسية خاصة، كما يحتاج المصاب للعلاج النفسي في حال الانتكاسة أي  عودة المرض بعد الشفاء، كما تحدثت عن مرافقة المريض خلال مرحلة العلاج الكيميائي التي تعد صعبة جدا بالنسبة للمريض لما يصاحبها من آلام، و كذا أثناء العلاج بالأشعة، و ما يصاحب المريض من شعور غريب أثناء تواجده في عالم مغلق لم يتعود عليه.
و شددت الأخصائية في علم النفس العيادي على عمل الطبيب مع الأخصائي النفساني ضمن فريق منسجم، مشددة على التربية النفسية الطبية، و ضرورة إعطاء المعلومة الكاملة للمريض، و تحضيره لما هو قادم،  كما تحدثت عن تقنيات نفسية للتكفل بالآلام، منها التنويم المغناطيسي.
تقوية المناعة النفسية لتقوية المناعة البيولوجية
كما تحدثت النفسانية عن دراسات علمية حديثة توصلت إلى نتائج مفادها أن تقوية المناعة النفسية، تؤدي إلى تقوية المناعة البيولوجية، و  العوامل النفسية من مسببات الإصابة بالسرطان، كما أنها عامل في العلاج، وفي نفس الوقت تؤثر الهشاشة النفسية و كبت الانفعالات على المناعة النفسية و البيولوجية، داعية إلى تقوية المناعتين لمواجهة المرض، وفي السياق ذاته تحدثت بومغار عن جماعة الحوار، و فضاءات اللقاء والتبادل والحوار التي تسمح بإرساء علاقات بين المرضى، فهذا الفضاء هو مجال رائع للتواصل و تحرير الكلمة.
مسار التكفل بالمصاب بالسرطان مكلف و متعب
قال نائب رئيس جمعية البدر لمساعدة مرضى السرطان ياسين تركمان، بأن مسار التكفل بالمصاب بالسرطان مكلف و متعب، سواء من ناحية العلاج أو التكفل النفسي والاجتماعي، مشيرة إلى أن كل مريض بالسرطان مهما كان مستواه المادي، يصبح عاجزا عن تلبية كل تكاليف العلاج.
و قدم نفس المتحدث تجربة جمعية البدر في مجال التكفل النفسي و الاجتماعي، ففي الجانب الاجتماعي الجمعية متعاقدة مع مراكز للأشعة والتحاليل المخبرية، فيستفيد  المرضى من تخفيضات هامة، كما توفر الجمعية الإيواء للمصابين بالسرطان بمدينة البليدة بدار الإحسان سنويا لما يقارب ألف شخص سنويا، من 40 ولاية.
كما يستفيد المقيمون من الإطعام و النقل المجاني نحو مراكز مكافحة السرطان، إلى جانب ذلك توفر الجمعية أخصائيين نفسانيين للتكفل بالمقيمين، بالإضافة إلى قاعة للحلاقة والتجميل، وقاعة للرياضة، وقاعة للأشغال المختلفة، وقسم لمحو الأمية، إلى جانب تنظيم رحلات ترفيهية لمناطق سياحية مختلفة.
و أكد المتحدث بأن جمعية البدر للمرضى بدار الإحسان، توفر للمرضى جوا عائليا، و تزرع في نفوسهم الأمل و الإيمان بمستقبل سعيد لا يعكره المرض.
نورالدين. ع