التسممات الغذائية..كابوس أعراس الجزائريين في الصيف
تسجل المصالح الاستعجالية عبر مختلف المؤسسات الاستشفائية بالجزائر في السنوات الأخيرة ارتفاعا محسوسا في حالات التسمم الغذائي، خاصة الجماعي منه الناتج عن تناول طعام واحد في ولائم الأعراس، ما تحوّل إلى كابوس يرعب مواطنين باتوا يلجأون إلى تفادي حضورها أو الإمتناع عن تناول الطعام بحجة الصيام، وسط تنديد واسع لأخصائيي الصحة و جمعيات حماية المستهلك بانعدام شروط الحفظ و النظافة.

«تسمم جماعي لـ 60 شخصا في وليمة عرس»

«تسمم أزيد من 200 شخص تناولوا الكسكس في عرس”...، عناوين حمراء تطبع الصفحات الأولى من الجرائد، تزيد و تبرز مع كل صيف، إذ تعرف الظاهرة تزايدا كبيرا على عكس السنوات الماضية، فبعد حالات التسمم المعزولة و النادرة التي كنا قليلا ما نسمع عنها، ارتفعت الحالات و باتت جماعية بأرقام تحوّلت إلى “بعبع” يرعب كل من لديه وليمة عرس عليه حضورها.

«قصعة لحلال” بؤرة تسمم العشرات في الأعراس

فأعراس الجزائريين التي تقترن اقترانا وثيقا بالوليمة أو ما يعرف بـ”قصعة لحلال”، تحوّلت إلى أكبر هاجس لدى المدعوين، و حتى منظمي العرس، بسبب ارتفاع حالات التسمم الجماعي في مثل هذه المناسبات، و التي ترتبط من جانب آخر بفصل الصيف الذي يشهد ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة خاصة في السنوات الأخيرة، ما يعرض مختلف أنواع المأكولات للتلف بسبب نمو البكتيريا و المأكولات.
تقربنا من بعض الحالات التي سبق و أن أصيبت بتسمم غذائي في عرس معين، فقابلنا “مهدي” البالغ من العمر 26 سنة، حيث حدثنا عن يوم يصف بالمشؤوم قال بأنه عاشه الصائفة الماضية عندما نقل إلى المستشفى في موكب جماعي مع عشرات آخرين تناولوا جميعهم طبق “الكفتة” في عرس أحد أصدقائه، ما أصابهم بالغثيان و الإسهال و الدوار، حيث قال بأن عدد الإصابات تجاوزت الـ35 حالة بسبب لحم مفروم فاسد أكد بأن رائحته كانت كريهة، ما دفعه للتوقف عن تناولها بعد الملعقة الأولى و التي كانت وحدها كفيلة لتعريضه للتسمم.
و تروي “فريدة” أم لـ3 أطفال حكايتها مع تسمم في عرس قريبتها هي و أطفالها و أعداد كبيرة من المدعوين، الذين تقول بأنهم تناولوا دجاجا متعفنا، لم يتفطنوا في البداية لأنه طبخ و ملأ بالتوابل التي قضت على الرائحة الكريهة، فيما حافظت على السموم التي تسببت في نقلهم جميعا على جناح السرعة للمستشفى.

ارتفاع درجات الحرارة تكبد أصحاب الأعراس خسائر بالملايين

الخسارة و إن كانت كارثة يخافها الكثيرون من منظمي الأعراس بسبب كثرة المصاريف، إذ يرفضون رمي بعض المأكولات التي بدأت تفسد لأنها غالية الثمن، و يرغمون الطباخ على طبخها للمدعوين دون وعي بما قد ينتج عن ذلك، فهي هاجس لدى عائلات أخرى ترفض تعريض حياة مدعويها للخطر مهما كان حجم الخسارة.
قابلنا السيدة “ليلى” التي أقامت وليمة منذ نحو سنتين، فروت لنا حكايتها مع الدجاج الفساد، حيث أكدت أنها قامت برمي 60 دجاجة ليلة العرس، بعد أن كانت اشترتها قبل نحو شهر و حضرتها لوليمة زفاف ابنها، غير أن طريقة الحفظ غير السليمة أفسدت الدجاج، و على الرغم من محاولة بعض الأقارب و أفراد العائلة دفعها إلى استعمالها، إلا أنها رفضت المجازفة بأرواح الناس، و اشترت دجاجا جديدا بـمبلغ 2 مليون سنتيم، رمي مبلغ مماثل له في المزبلة، و لم يكن سببا في غضب سيدة تحرس على سلامة مدعويها مثلما تحرص على سلامة نفسها و أفراد عائلتها كما قالت.
و يحدثنا “معمر” رجل آخر، رمي 20 كلغ من اللحم المفروم الفاسد صبيحة الوليمة، و اشترى مثيلتها خوفا على الناس، في سلوك لا يكون دائما نفسه لدى كل من ينظم عرسا بحكم الحالات المرتفعة لتسممات الأعراس لدينا.

مدعوون يعتذرون وآخرون يصومون حتى لا يأكلون طعام الأعراس

طعام ولائم الأفراح الجزائرية و إن كان يسيل لعاب الكثيرين من عشاق الأكل، خاصة الدسم منه و الحلو، فقد بات ليس كذلك لدى الكثيرين، ممن تحوّل لديهم إلى كابوس و هاجس يؤرقهم خوفا من الإصابة بتسمم غذائي، إذ نسجل حالات كثيرة لأفراد يعتذرون عن الذهاب للأعراس بسبب هذا الخوف كما تقول الحاجة “خالتي شريفة” التي تؤكد أنها لا تذهب إلا لأعراس الأقربون، و ذلك بعد تعرضها لتسمم غذائي في احدى ولائم جيرانها.
و في مقابل هذا، نجد آخرون يعتمدون طريقة مغايرة لوقاية أنفسهم من التسمم مثلما يقول السيد “أحمد”، فهو كثيرا ما يتحجج بالصيام و إن حضر العرس، و ذلك حتى لا يتناول الطعام خاصة إذا ما كان باديا له أنه ليس جيدا، أو اشتم فيه رائحة، في وقت يعود كثيرون إلى بيوتهم في حالة كارثية بقيئ و اسهال بسبب طعام اسال لعابهم أو أكلوه مجاملة لمن دعاهم مثلما وقع للسيد “عمار” في وليمة جيرانهم.

الدكتورة ربوح بالمركز الوطني لمكافحة التسممات

انعدام شروط الحفظ و النظافة وراء ارتفاع حالات التسمم بالجزائر

ترجع الدكتورة ربوح طبيبة بالمركز الوطني لمكافة التسممات، ارتفاع حالات التسمم في أفراح الجزائريين إلى انعدام شروط الحفظ و النظافة بالدرجة الأولى، حيث تعتبر بأن شروط حفظ الأطعمة لا يكون وفق المعايير المطلوبة، و يتم تعريضها للحرارة التي تتسبب في نمو البكتيريا التي تفسد الطعام و تعرض كل من يتناوله لتسمم غذائي.
و تضيف المختصة في حديثها معنا بأن أفراح قاعات الحفلات خاصة يترك فيها الكثير من الطعام دون حفظ داخل الثلاجة، خاصة اللحوم و كذا السلطات رغم احتوائها على مكونات تفسد بسرعة، كما أنه يتم اهمال وضع بعض الأطعمة في الثلاجة و تركها للحرارة ضنا بأنها لا تفسد، ما يقع مع مادة الكسكس التي تحضر بالزبدة و الماء و الملح، ما يعرضها للتلف و إصابة كل من يتناولها بأضرار.كما تشير الدكتورة ربوح من جانب آخر إلى استخدام بعض المواد الغذائية الفاسدة في تحضير الطعام، كالطماطم مثلا أو الكاشير، و هو ما يعاني منه أيضا مرتادي محلات الفاست فود، مؤكدة بأنها أخطار تهدد صحة المواطن و تعرضه لأكبر خطر ممكن يتمثل في الجفاف الذي قد يعرض للموت.و تنصح المختصة كل من يحس بأعراض التسمم بعد تناول الأطعمة، إلى محاولة اخراج هذا الطعام عبر التقيؤ، باعتبار أن عدم خروج الأكل الفاسد يستدعي اجراء عملية غسيل معدة قد تتأخر بسبب المسافة بين البيت و المستشفى، مشددة في ذات السياق على ضرورة تكثيف الرقابة لحماية أرواح المواطنين.و إن كانت بعض العائلات باتت تفضللبرمجة ولائم أفراحها في الفصول الأكثر برودة لتفادي التسممات الجماعية و تلف الأطعمة، فإن حياة الكثيرين ما تزال عرضة للخطر نتيجة غياب الوعي، أو غفلة قد يدفع ثمنها أرواح أشخاص أو تتسبب في كارثة تبقى وصمة عار أو ذكرى أليمة في يوم كان حريا أن يبقى ذكرى جميلة لا تنسى في أذهان كل من يحضره.               إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى