يتزايد معدل استهلاك المياه المعدنية في فصل الصيف، و يتزايد معه خطر تأثير شرب مياه تصنف بأنها «معدنية» من عبوات بلاستيكية تتعرض لأشعة الشمس الحارقة لفترات طويلة، ما يعتبره أخصائيون خطرا كبيرا على الصحة و تفاعلا كيميائيا يسبب السرطان، نتيجة تأثير أشعة الشمس على المواد الكيميائية التي تتكون منها القارورات البلاستيكية، فتفرز مادة «الديوكسين» الخطيرة، التي تظهر في عينات الأنسجة المسببة لسرطان الثدي.

  إيمان زياري

بدأ فصل الحرارة، و بدأت مشاهد العبوات الشفافة المكدسة أمام أبواب المحلات التجارية تتزايد، بعضها مغطاة بغلاف شفاف و يتم وضعها بالمساحات التابعة للمحلات، و بعض العبوات يعرضها التجار خارج المحلات، على الأرصفة، و تحت أشعة الشمس، لأيام، إن لم نقل لأشهر، و تغطيها كميات كبيرة من الغبار، دون أن يبالي المستهلك و لا التاجر، بتأثير كل ذلك على الصحة.
من أبسط محل أو كشك للتبغ، إلى أكبر مركز تجاري قد يصادفك، يتشابه الديكور هذه الأيام، حيث توجد أكوام من قارورات البلاستيك معروضة للبيع، و قد تكون غاية بعض التجار أبعد من العرض و البيع، و هي الإشهار و الترويج لمنتج يروي الظمأ في أجواء جد حارة، في حين لم يجد تجار مكانا داخل محله لتخزين تلك العبوات، بسبب تكديسه بضائع أخرى، لكن جميع هؤلاء التجار لا يبالون بأن ما يقومون به سلوكا خاطئا و مضرا بصحة المستهلكين.
اقتربنا من بعض الزبائن داخل مركز تجاري، و سألناهم إذا كانوا يعلمون بأن استهلاك  مياه تعرضت لأشعة الشمس يشكل خطرا على صحتهم ، فرد الكثيرون بالسلب، و ذكر القليلون خطورة الأمر، معترفين بأنهم غير قادرين على تغيير هذه الممارسات، في ظل تواصل استهلاك هذه المياه.
تجار يعترفون .. و مواطنون يتغاضون
لم تكن أجوبة بعض تجار المواد الغذائية بالجملة بحي الحلايمية ببومرداس نفس أجوبة المواطنين الذين تحدثنا إليهم، فعلى الرغم من وقوفنا على كميات هائلة من المياه مكدسة خارج المستودعات و معرضة بشكل مباشر لأشعة الشمس، إلا أن الباعة قالوا أنها «مياه محمية»، حسب تعبيرهم، بفضل قطع ألواح و بلاستيك باللون الوردي، يتم لفها حول المربع الضخم الذي يضم قارورات المياه، كما أكدوا أن كل هذه المياه لا تبقى طويلا أمام مستودعاتهم، فهي تباع خلال أيام قليلة أو ساعات، لتجار التجزئة، ثم يتم إحضار سلع جديدة.
في المقابل اعترف بعض التجار بأنهم يعلمون خطورة الأمر، إلا  أن  ضيق محلاتهم يجعلهم يكدسون العبوات خارجها، دون مراعاة أدنى الشروط  التي من شأنها أن تحافظ على المياه صالحة للاستهلاك و لو بعد أشهر، في حين ذكر أحد التجار أن «الخطأ من المصدر» ، على حد تعبيره، فالكثير من الشركات  المنتجة أكد أنها لا تراعي شروط التخزين، و تعرض المياه للحرارة و الشمس معا، و قد يزيد الأمر سوءا بسبب ظروف النقل على متن شاحنات غير مغطاة، و لا تحتوي على أجهزة التبريد، كما أكد المتحدث.

* المديرة الجهوية للتجارة لناحية البليدة السيّدة سامية عبابسة
تلاعب كبير بصحة المستهلك و الوزارة تتعامل مع المخالفين بصرامة
أكدت المديرة الجهوية للتجارة لناحية البليدة، السيدة سامية عبابسة، أن تجار المياه المعدنية و المشروبات الغازية يرتكبون  تجاوزات كبيرة، خاصة في فصل الصيف، مما يفرض رقابة صارمة تنطلق من المصانع، و النقل عبر الطرقات، قبل وصولها إلى المحلات.
و أكدت السيدة عبابسة أن صحة المستهلك أصبحت محل تلاعب كبير من طرف معظم التجار، في ظل ما اعتبرته تجاوزات خطيرة، خاصة في ما يتعلق بالمواد الغذائية سريعة التلف بشكل عام، و المياه المعدنية الموضبة   في    قارورات بلاستيكية، تزامنا و الارتفاع الكبير في درجات الحرارة بشكل خاص، و أضافت  المسؤولة أن وزير التجارة أصدر تعليمات وزارية صارمة بهذا الخصوص، تشرف على تنفيذها مصالح قمع الغش لناحية البليدة عبر 6 ولايات.
و استنادا إلى تقرير حول الإجراءات المتخذة في إطار محاربة ظاهرة عرض المياه المعدنية و المشروبات الغازية، تلقته المديرية، تبين أن تعريض القارورات البلاستيكية لأشعة الشمس، يفقدها الخصائص و النوعية الجوهرية، مما يشكل خطرا على صحة و أمن المستهلك، حيث سجلت مصالح الرقابة عبر ناحية البليدة لوحدها خلال شهر ماي الفارط، 1707 تدخلات، 1368 منها على مستوى تجار التجزئة،و 21 تدخلا على مستوى تجار الجملة، و 318 تدخلا بالنسبة لمقدمي الخدمات.
و قد أسفرت التدخلات عن رفع 54 مخالفة مع تحرير محاضر رسمية، إضافة إلى حجز و إتلاف 1610.55 لتر من المياه المعدنية، خاصة على مستوى ولايتي الجلفة و عين الدفلى، تقدر تكلفتها الإجمالية بـ271034.00 دج، مع قرار بغلق 12 محلا تجاريا.
كما كشف التقرير عن تعيين فرق رقابة مختصة للتدخل على مستوى الطرقات، بالتنسيق مع مصالح الأمن و الدرك الوطني من أجل السهر على تنفيذ الإجراءات المتعلقة بنقل المواد الغذائية و المشروبات، خاصة على متن مقطورات الشاحنات دون توفرها على التجهيزات التي تضمن سلامة المنتجات، وعدم مراعاة شروط النقل و القواعد الصحية التي تضمن سلامتها إلى حين وصولها إلى المستهلك.
من جانب آخر، أكدت السيدة عبابسة، أن عمليات المراقبة لا تقتصر على مستوى التجار و كذا عبر الطرقات، بل تمتد إلى الوحدات الإنتاجية للمياه المعدنية، المشروبات الغازية و العصائر، و ذلك من أجل التحقق من شروط التخزين و الحفظ بالمستودعات، مع القيام باقتطاع عينات لإجراء التحاليل المخبرية الضرورية، للتأكد من سلامة المنتجات.
* أخصائية التداوي بالغذاء الدكتورة آسيا آغا
المياه المعدنية الموجودة بالأسواق تشكل خطرا كبيرا
قالت أخصائية التداوي بالغذاء، الدكتورة آسيا آغا، أن جل المياه  المعدنية المعروضة بالأسواق غير صالحة للشرب، مؤكدة أنها عبارة عن مواد فاسدة غير صالحة للاستهلاك، نتيجة تلفها، بفعل تعرضها لأشعة الشمس لفترات طويلة.
و تحذر الأخصائية من خطورة هذه المياه على صحة الإنسان، و ذلك بسبب تعريضها لأشعة الشمس بشكل مباشر، فتؤثر على خصائصها الكيميائية، حالها حال مختلف المواد الغذائية التي تترك خارج المحلات، خاصة المشروبات، و أوضحت أن تعريض العبوات البلاستيكية المعبأة لأشعة الشمس، يؤثر عليها و يتسبب في تغيير خصائصها الكيميائية.
و أكدت الدكتورة آغا بأن تفاعل مكونات البلاستيك بفعل الحرارة، يغير نسب بعض العناصر الكيميائية المشكلة للمياه المعدنية المحفوظة فيها، كتغير نسبة الحموضة مثلا و الكالسيوم، مشيرة إلى أن استهلاك هذه المياه، يؤثر بشكل مباشر على الصحة، فقد كشفت الدراسات أن شرب المياه المعدنية المعبأة في عبوات بلاستيكية تعرضت لأشعة الشمس، يؤدي إلى الإصابة بمرض سرطان الثدي بالنسبة للنساء و الرجال، على حد سواء.

كما تحذر المتحدثة من شرب المياه التي تبقى طويلا داخل السيارات، معرضة لأشعة الشمس، خاصة إذا كانت آثار تلفها بادية عليها، كتغير لون القارورة أو وجود كمية من الغبار داخلها، أو كتل الكلس الأبيض.
في المقابل تدعو الدكتورة آغا إلى العودة إلى طريقة الأجداد في حفظ مياه الشرب داخل أوعية طينية، فعالة في تنقية المياه من جميع الشوائب، أو شرب مياه الحنفية،  بعد استعمال جهاز تصفية، و هي أكثر أمنا على صحة الفرد من مياه تشكل خطرا كبيرا على سلامته.
و في ظل جهل أو لامبالاة أغلب المستهلكين و التجار على حد سواء، بكل تلك المخاطر الصحية، يتواصل مسلسل التلاعب بالصحة العمومية، بين مستهتر لا يهمه سوى الربح، و بين متغاض ينسيه العطش نتائج ذلك.
إ.ز

الرجوع إلى الأعلى