يُعد بيع التين الشوكي أو « الهندي»، من الأنشطة الموسمية التي يمارسها كثير من شباب بلديات وقرى ميلة، وهو أيضا مصدر رزق عائلات تستثمر في حب الناس لهذه الفاكهة اللذيذة، كما يتحدى بطالون أشواكها لتوفير مدخول مناسب يقيهم حاجة السؤال.

* مكي بوغابة

تتبعنا مسار إنتاج و بيع الفاكهة خلال جولة استطلاعية، للوقوف على مدى وفرة المحصول و أسعاره هذه السنة، فاتضح لنا، بأن بلديات الشيقارة و حمالة و ترعي الباينان، تعتبر  أكثر المناطق وفرة، وهي بلديات تعيش عزلة دائمة على مدار السنة، لكنها تنتعش نسبيا خلال موسم الجني، وذلك بفعل الحركية القوية للكثير من الشباب الذين يقصدونها لأجل الحصول على منتوج يعيدون بيعه عبر الطرقات وفي الأسواق، كما أن هناك من المواطنين من يفضلون التنقل إلى غاية حقول التين الشوكي التي تملكها بعض العائلات، لأجل اختيار ما يريدونه من تين وانتقاء حباته الطازجة وفق ما يمليه عليهم المزاج.
«القناوة» لمواجهة الأشواك
عند وصولنا إلى مدينة ميلة، وبالتحديد أمام السوق الأسبوعي كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا، التقينا هناك بشخص يدعى عمار ينحدر من بلدية الشيقارة، التي تبعد عن مقر الولاية بحوالي 30 كيلومترا شرقا، حيث تعد الشيقارة ، من بين أكثر المناطق التي تنمو فيها هذه الفاكهة الشوكية، وقد علمنا منه، بأنه يمتهن قطف وبيع فاكهة «الهندي» منذ الصغر، نظرا لامتلاك عائلته للكثير من الأشجار، وهي واحدة من بين الكثير من العائلات التي تعتمد بشكل كبير على مردود محصول التين سنويا، لذلك تعتني جيدا بأشجاره التي تعتبر كذلك، مصدر رزق لعدد كبير من الشباب و حتى الأطفال و النساء خلال الصيف، رغم صعوبة المهمة وما تتطلبه من جهد كبير، لقطف المنتوج وإيصاله إلى الأسواق و من ثم بيعه.
وأضاف عمار، بأن عملية قطف ثمار «الهندي» جد صعبة لكنه اعتاد على ذلك، لأنه نشاط يتكرر كل موسم، ناهيك عن  أن المحصول يعد من المداخيل الرئيسية لعائلته، حيث تحقق بفضله أرباحا معقولة كل صائفة، وذلك يشارك الجميع في العملية بما في ذلك الأطفال والنساء، خصوصا ما تعلق بالجني و تجهيز المنتوج لأجل نقله إلى الأسواق، أو بيعه عن طريق التجزئة، مضيفا، بأن قطف حبات «الهندي» له مخاطر كبيرة على الصحة، خصوصا ما تعلق بوخز الأشواك وتغلغلها داخل الجلد، لذلك يسعى دائما إلى اختيار الوقت المناسب لقطف ما ينضج من الغلة، و يكون ذلك غالبا في الساعات الأولى للصباح، قبل أن تشتد حرارة الشمس و تصبح « الصبارة»، أكثر جفافا وقسوة و أكثر ذرا للأشواك.
وتابع محدثنا قائلا، بأن هذه العملية تتم بواسطة أداة خاصة لقطف الفاكهة و تسمى محليا « القناوة»، وهي أداة يقومون بصنعها من «الدفلة»، و تتمثل في عصا تتفرع منها ثلاثة أغصان على شكل مثلث تساعد كثيرا في الجني، ويضيف الشاب، بأنه بعد قطف الغلة، تأتي مرحلة تجميعها في صناديق توجه نحو الأسواق، وهي عملية يشارك فيها جميع أفراد العائلة، كما يقومون هم أنفسهم ببيع المحصول سواء بشكل مباشر للزبون، أو عن طريق التجزئة لتجار و باعة شباب و مراهقين، إذ تعتبر هذه التجارة الموسمية كما قال، مصدر  دخل للكثير من شباب ميلة، والدليل أن لديهم زبائن دائمين يتصلون بهم سنويا لأجل الحصول على نسبة من المحصول، قصد إعادة بيعه في الأسواق أو على حواف الطرقات.
شح في الإنتـاج و تراجع في النوعية
محدثنا، أكد بأن هذا الموسم جاء شحيحا جدا، مقارنة بالمواسم الماضية، فالهندي، على حد تعبير، غير متوفر بشكل كبير كما عهدناه ولم يعد تلك الفاكهة الشعبية التي يمكن للجميع استهلاكها حتى الشبع، لأن ضعف الإنتاج انعكس على الأسعار، كما أن نوعية الحبة تختلف اختلافا كبيرا من حيث الحجم والذوق، وهذا راجع حسب قوله، إلى قلة الأمطار و الجفاف الذي عرفته المنطقة هذه السنة عكس السنوات الماضية.
تجارة لا تستثني الأطفـال
قابلنا خلال جولتنا، عشرات الباعة الموزعين بين الأسواق الشعبية و النظامية، و على الطرقات، والواضح بأن بيع التين الشوكي تجارة باتت تعرف منافسة من قبل الشباب، بدليل أن كل واحد يحاول التميز و كسب عدد أكبر من الزبائن، لأجل مضاعفة دخله لذلك وجدنا بين الباعة من أعدوا علبا بلاستيكية تضم حبات تين مقشرة وجاهزة للاستهلاك مباشرة، كما أن بينهم من يتزودون بحافظة للطعام بخاصية تبريد، تمكنهم من عرض فاكهة باردة و جاهزة على زبائنهم.
أخبرنا كهل يدعى إبراهيم، قابلناه في السوق اليومي، بأنه يمارس بيع الهندي منذ سنوات طويلة، لأنه يوفر له مدخولا إضافيا لإعانة عائلته، حيث اعتاد على التواصل مع أصحاب الحقول خلال كل شهر جويلية، ليجهزوا له نصيبا من الغلة يشتغل طيلة شهري أوت و سبتمبر في بيعه، لكي يكسب ما يسد به حاجته.
وحسب محدثنا، فإن بيع هذه الفاكهة صعب نوعا ما، لكثرة الأشواك التي تحتوي عليها، فرغم استخدام القفازات، يبقى التعامل معها صعب ولذلك فإنه يفضل في كثير من الأحيان بيعها كما هي، و قليلا جدا ما يجتهد و يعرض على الزبون خدمة تقشيرها مقابل مبلغ إضافي.
 وقال البائع، بأن التين الشوكي الذي تنتجه حقول منطقة الشيقارة يعتبر الأحسن ولائيا، ولذلك فإن هناك من المواطنين من يتنقلون إليها قادمين من بلديات أخرى طلبا لفاكهتها اللذيذة، وهو ما أكده بائع آخر، أخبرنا بأن تين المنطقة يكون أكبر حجما و حباته تكون متماسكة أكثر في العادة، مضيفا، بأنه كغيره من الباعة يعتمد على التجارة الموسمية لتوفير مصاريف أبنائه.
أما الطفل إياد، وهو تلميذ في الطور المتوسط، قابلناه في منطقة الثنية، فأخبرنا، بأنه يقوم ببيع هذه الفاكهة خلال العطلة الصيفية حتى  يساعد عائلته، ويوفر نقودا تكفيه لشراء الأدوات المدرسية و الملابس الجديدة لأجل العودة إلى مقاعد الدراسة، حيث قال، بأنه لا يخجل من ذلك، بل يعتبرها أفضل طريقة لاستثمار العطلة.
تعزز المناعة وتقلل  من الالتهابات و كثيرة الفوائد
و يعتبر الكثير ممن تحدثنا إليهم، بأن فاكهة «الهندي» هي الأفضل صيفا، و أن مذاقها فريد ولا يمكن أن يقارن بأية فاكهة أخرى، ولذلك فإن زبائنها كثر، حيث أن لا شيء يضاهي صحنا جاهزا  باردا منها لتخفيف حر الظهيرة أو ليالي الصيف، هذا إضافة إلى فوائدها الغذائية الكثيرة، حيث أنها مغذية و تساعد على الهضم بشكل أفضل.
وحسب المختص في التغذية عبد القادر لزرق، فإن فاكهة التين الشوكي من أحسن الفواكه الصيفية، حيث تعمل على تقوية المناعة لاحتوائها على مستويات عالية من الفلافونويد والبوليفينول والبيتالين، كما تحتوي على فيتاميني « سي و أو» اللذان يعملان على تعزيز جهاز مناعة الإنسان، بالإضافة إلى زيادة معدلات إنتاج خلايا الدم الحمراء.
 وأضاف الأخصائي، بأن هذه الفاكهة تعمل على تقوية العظام والأسنان و تساعد كذلك، على تنظيم عملية الهضم، ويمكن أن تساعد المستويات الكبيرة من البوتاسيوم الموجودة في التين الشوكي على خفض ضغط الدم، عن طريق إرخاء الأوعية الدموية وتقليل الضغط على نظام القلب و  قائلا، بأن هذه الفاكهة الشوكية، تمنع تصلب الشرايين وأمراض القلب كما أنها تعمل على تقليل الالتهابات خاصة التهاب المفاصل أو النقرس أو إجهاد العضلات وتساعد على إنقاص الوزن، وتحمي مضادات الأكسدة الموجودة في التين الشوكي، الجلد وتقلل من مخاطر الشيخوخة المبكرة وتحسن الرؤية وتمنع التنكس البقعي و تزيد من قوة وظائف الدماغ. و ينصح محدثنا، بتناول هذه الفاكهة قبل الوجبات نظرا لاحتوائها على كم كبير من الألياف.

الرجوع إلى الأعلى