يقول أهل عنابة، أن  من لم يزر «الكور» القلب النابض للمدينة، لم يزر بونة، وهو تعبير يشير إلى أهمية هذا الفضاء الفسيح من الناحية السياحية  لما يتميز به من موقع وخدمات، حيث تعد الساحة فسحة للراحة والمتعة تقصدها العائلات و يحبها السياح، خاصة ليلا عندما تتزين بالأضواء ويكثر مرتادوها، لأجل الاستمتاع بالنسيم القادم من البحر و بتنوع أذواق المثلجات التي تقدمها محلات وأكشاك قريبة.

  ربورتاج: حسين دريدح

لا يزال «الكور» محافظا على عراقته، وشاهدا على أحداث تاريخية هامة مرت عليه، فهو نقطة تجمع ولقاء للأحبة، تضرب فيه المواعيد وتستحضر الذكريات، على طاولات القهوة والشاي، وقد عادت إليه الحيوية خلال موسم الاصطياف الحالي، بعد ثلاث سنوات من الغلق واكتفاء المقاهي بالبيع المحمول، نتيجة منع التجمع جراء انتشار فيروس كورونا، فالمكان الذي يجمع بين الخضرة و الاتساع والطراز المعماري الجميل، انتعش من جديد حسب ما وقفت عليه النصر، وذلك بفضل الاستقطاب الذي عرفته عنابة طيلة موسم الاصطياف، إذ يشهد حركية كبيرة مع تمديد العطلة المدرسية، و تستمر السهرات فيه إلى ساعة متأخرة من الليل.
بدأت ساحة الثورة أو الساحة الوطنية أو الكور، تعرف تجددا وتغيرا بفضل إعادة تهيئة الأكشاك والمقاهي، و الاستثمار في الديكور والجانب الجمالي، وتجهيز المقاهي بوسائل عصرية و تنويع العرض فيما يخص قوائم الطعام و الشراب.
«الكور» محجوز للنساء مساء
قضينا يوما كاملا في المكان، وهو أمر سمح لنا بإعادة اكتشافه خصوصا وأنه فقد الكثير من خصوصيته خلال الجائحة، فالحركية عادت قوية جدا والاستقطاب كبير أيضا، علما أن لكل فترة من فترات اليوم زوارها، فالصباح لأبناء المدينة خاصة كبار السن والمتقاعدين، الذين يجتمعون للدردشة و تصفح الجرائد وتحليل الأخبار، كما تعد الساحة كذلك نقطة انطلاق للموظفين والمسافرين عبر القطار بفضل قربها من محطة السكة الحديدية.
فئة ثانية تقصد الساحة ابتداء من الساعة الحادية عشرة صباحا، وهم السياح و زوار المدينة الذين يصلون في إطار الرحلات المنظمة، و يتوقفون في الساحة لتناول المشروبات و أخذ صور تذكارية، كما يتواجد فيها كذلك نزلاء الفنادق القريبة، و يصل الإقبال إلى ذروته  بداية من الساعة الثانية زوالا مع قدوم إطارات وموظفين لشرب القهوة بعد وجبة الغداء، تم تتراجع الحركية مجددا شيئا فشيئا إلى غاية الساعة الرابعة     التي تعرف أكبر توافد للمواطنين على اختلافهم وذلك إلى غاية الساعة السابعة مساء، وهي فترة ذات خصوصية، يكون فيها العنصر النسوي الأكثر حضورا، إذ تحتل النساء 80 بالمائة من الطاولات و الكراسي سواء داخل المقاهي أو في الفضاء العمومي، وهن بالعموم سائحات و مصطافات و نساء من عنابة اعتدن الجلوس مساء في «الكور» لاحتساء القهوة و مقابلة الصديقات و زميلات العمل، حيث يتجاذبن أطراف الحديث وهن يتناولن المثلجات و الطيبات.
تحدثنا إلى بعضهن، لمعرفة أسباب إقبالهن المتزايد على ساحة الثورة فأكدن، بأن هذا الفضاء العمومي هو المكان المفتوح الوحيد الذي يتوفر على جميع المتطلبات سواء الأمن أو ألعاب الأطفال، إلى جانب الخصوصية الطبيعية والعمرانية للموقع، وقربه من جميع المرافق، كما أنه فضاء عائلي محترم و لا مشكلة في جلوس المرأة فيه، وقالت إحداهن  « سبب اختياري لهذا المكان هو قربه من المحلات التجارية المتخصصة في ببيع المستلزمات النسائية من ملابس ومستحضرات تجميل وإكسسوارات و غيرها، إذ تقصده النساء عادة للراحة بعد جولة تسوق طويلة، كما أنها ساحة  فسيحة تغطيها الأشجار وهو ما يمنح الإنسان  شعورا بالسعادة»، أضف إلى ذلك، فإن الساحة هي عنوان لألذ أنواع المثلجات « كريبوني» التي تقدم في مقهى الدب القطبي، وهي وصفة متوارثة أبا عن جد من سنة 1963، حيث يملك صاحب المقهى مخبرا شهيرا لإعدادها في وسط المدينة و بيعها في ساحة الثورة. من جهتهم، ذكر أصحاب الأكشاك القريبة بأنهم، استقبلوا خلال موسم الاصطياف زبائن كثرا جلهم من المصطافين والسياح، خاصة المغتربين و الأجانب كالليبيين، والتونسيين وغيرهم من العرب، ما أنعش نشاطهم الذي عرف ركودا طيلة ثلاث سنوات كاملة، مشيرين إلى قيامهم بتحسين مستوى الخدمات، خاصة مع تزايد المنافسة و دخول الفنادق القريبة على الخط تنويع الخدمات، من خلال إنجاز أكشاك عصرية، وكذا شراء متعامل خاص لكشك وسط الساحة، وتحويله إلى نقطة عصرية لبيع علامة معروفة من المثلجات و الحلويات.

ترقب نشاط أكبر مع فتح المحطة البحرية
وينتظر أن تنتعش الحركية أكثر في ساحة الثورة، مع  افتتاح المحطة البحرية خلال موسم الاصطياف المقبل، حيث انتهت بها الأشغال، ودخلت طور التجهيز، كما تعرف المنطقة أيضا مشاريع مختلفة ترافقها تعديلات على حركة السير إلى جانب تهيئة الأرصفة، وتوسيع أماكن ركن المركبات، وفتح حظيرة داخل المحطة البحرية، ما سيعيد للمكان روحه  في انتظار تجسيد مشروع «شرفات الميناء»، والمركز التجاري « المول» المحاذيين للكور.
و لا تعد الساحة فضاءا مميزا للفسحة والتلاقي فقط، بل هي القلب النابض لعنابة، بالنظر إلى موقعها الاستراتيجي الذي يتوسط مرافق عمومية و خدماتية هامة، على غرار  مقر البلدية و البنوك و مركز البريد و اتصالات الجزائر و المحكمة و مقر الولاية و دار المالية و محطة القطار و حافلات النقل الحضري، وغيرها من المرافق، التي يحتاجها المواطن يوميا.
  أفراح ومهرجانات و خصوصية في الأعياد الدينية
كما زاد من حيوية «الكور» في الفترة الأخيرة، تنظيم جلسات ثقافية وفنية، وغيرها من الأنشطة، كالأمسيات الشعرية والأدبية، معارض للكتاب، ونشاطات توعوية و تحسيسية من مختلف المجالات منها الطبية، وحتى عرض مباريات كرة القدم، كما تعتبر ساحة الثورة الوجهة الأولى والمفضلة للعنابيين، للتعبير عن فرحتهم بالمناسبات الوطنية والدينية والاحتفال بانتصارات المنتخب الوطني، حيث تقام فيها الأفراح برفع الرايات الوطنية وتنظيم السهرات الفنية .
ويعيش « الكور» دائما أجواء استثنائية لما يتعلق الأمر بالفريق الوطني أين تغلق جميع الطرق المؤدية إليه، بخروج العائلات والأطفال في حشود تملئ الساحة احتفالا بفوز المنتخب الوطني. كما تحتضن ساحة الثورة مهرجانات ومنافسات، و جعلها نقطة انطلاق منافسات رياضية منها سباقات الدرجات الهوائية، كما يجد فيها الأطفال الفضاء المفضل، للاعب والاحتفال بالمناسبات الدينية كعيدي الفطر والأضحى.
مسار سياحي يمتد إلى المدينة القديمة
أدرجت ساحة الثورة مؤخرا، ضمن  مسار  سياحي، رسمه عدد من الناشطين في الحقل الثقافي إلى جانب جمعيات تعنى بالسياحة والآثار في عنابة، حيث أصبحت الوفود السياحية الوطنية والأجنبية، تتوقف عند هذه النقطة للتعرف على تاريخ المكان و التمتع بعمرانه، إذ تعد الساحة امتدادا للمدينة العتيقة « بلاص دارم»، التي رممت أجزاء منها مؤخرا، لتروي تاريخا يرتبط بالفينيقيين و الأتراك، و الاحتلال الفرنسي الذي حاول  طمس العمران القديم، من خلال تشييد الساحة و إحاطتها بتصميم عمراني كولونيالي يختزل عمر وتاريخ المدينة ككل.
ويعود تاريخ إنجاز الساحة إلى سنوات 1800، و قد أطلق عليها اسم «الساحة الوطنية» بداية من شهر أفريل 1907، تم تحولت إلى ساحة «برتقنا» إلى غاية عام 1962، نسبة لاسم «رئيس بلدية» عنابة سابقا   « جوروم برتقنا «، و بعد الاستقلال أصبحت تسمى ساحة الثورة إلى يومنا هذا، لأنها شهدت عدة أحداث وعرفت تنفيذ عمليات ضد المستعمر حسب رواية كتاب ومؤرخين.          ح/د

الرجوع إلى الأعلى