تفرض معايير الجمال الحديثة، الجسد الممشوق و الخصر النحيل كقالب للجمال و كشرط للأناقة، وهو قالب يروج له في كل المجالات في الفن والإشهار و الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تقدم المرأة الجميلة على أنها النحيفة ممشوقة القوام، و هو ما حول النحافة إلى هوس بالنسبة لسيدات يسعين إليها بكل الطرق، بما في ذلك  استهلاك مكملات و مواد معينة أو عن طريق إتباع حميات تخسيس عشوائية قد تؤذي صحتهن النفسية والجسدية كما يؤكده المختصون.
معايير تتحكم فيها صناعة الجمال ومنتجاتها
 تعتمد سيدات وفتيات من أعمار مختلفة، على حميات للتخسيس دون استشارة مختصين في الطب أو التغذية و تستهلك أخريات حبوبا و مكملات تساعدهن على فقدان الوزن الزائد وتحسين مظهرهن في وقت قياسي، وكلها منتجات يروج لها على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تجارة ازدهرت في السنوات الأخيرة، تماشيا مع تزايد الهوس بالنحافة و الجسد المنحوت و الخصر النحيل  وما يروج له بشكل كبير في الإعلام المرئي و والمجلات والمواقع الإلكترونية و تكرسه صور العارضات و نجمات التلفزيون و المؤثرات على غرار عائلة «الكرداشيان» الأميركية الشهيرة، التي تقود إمبراطورية للصناعات التجميلية، من مكياج و مستحضرات، فبعد أن حولت  « كيم « التي يتابعها قرابة 330 مليون شخص على أنستغرام،  الجسد الأنثوي الممتلئ إلى موضة في السنوات الماضية و كانت وراء انتعاش جراحة التجميل و النفخ و التكبير، وقدمت المرأة في قالب موحد عبر العالم، عادت و ظهرت مؤخرا بصورة مغايرة تماما بدت نحيلة بعدما أفرغت جسدها من كل ما حقن به سابقا لأجل تكبير مناطق معينة، معلنة بذلك عن تغيير في معيار الجمال، وهو ما اعتبره متابعوها تحولا حقيقيا لأيقونة من أيقونات الموضة و الجمال في العالم.
 خرجة المؤثرة، قلبت مواقع التواصل، حيث تبعتها غالبية نجمات الأنستغرام و فيسبوك و تيك توك،  و تحول الحصول على جسد نحيف إلى هوس، و زاد حجم المحتوى الذي يعنى بهذا الأمر، من وصفات تخسيس و نصائح لفقدان الوزن و تصغير المناطق الأنثوية و غير ذلك، كما سايرت سوق الإعلانات التجارية الرقمية هذا التحول، بحيث تضاعف عدد الإشهارات الخاصة بمكملات التخسيس و شد البطن و التخلص من الخطوط الناجمة عن خسارة الوزن، وغير ذلك، كما زادت نجومية الممرنين و المدربين الرياضيين و بعض المختصين في مجال التغذية ،  و ظهرت موضة التدريب الشخصي و المتابعة الغذائية عن بعد، من خلال برامج ذاتية مدفوعة.
الحميــات القـاسية و العالمية لخسارة الـوزن
فتيات كثيرات بتن يمتنعن عن تناول الطعام لدرجة الإصابة بفقدان الشهية، ظنا منهن أن الحصول على قوام ممشوق وبطن مشدود يعد ضرورة، ويضعهن في خانة الجميلات.

ولا يتوقف الأمر عند هذه الحميات و المواد الأخرى التي تستهلكنها كخل التفاح و منقوع بعض الأعشاب، بل يتعدى ذلك إلى التخلي عن الوجبات الرئيسية وبخاصة فطور الصباح، و يعد هذا الحرمان جزءا من حميات قاسية يتبعنها استنادا إلى ما تروج له مؤثرات على المواقع، أو ما يقرأن عنه في مدونات إلكترونية، حتى أن مؤثرة جزائرية خرجت مؤخرا و تحدثت عن اتباعها لحمية تعتمد على تناول ما تحبه من طعام، ثم الاستفراغ لاحقا  للتخلص منه ما يمكن أن يكون خطيرا على الصحة لتعود لاحقا، و تكشف بأنها خضعت لعملية تكميم للمعدة في بلد أجنبي و نصحت السيدات بعيادة خاصة هناك، و انتهى الأمر بوفاة سيدة جزائرية مغتربة اتبعت نصيحة المؤثرة و خضعت للعملية لكنها تعرضت لمضاعفات أدت إلى وفاتها.
و تنتشر  الكثير من الحميات عبر الوسائط الرقمية كما يقترحها ناشطون على يوتيوب بناء على شهرتها في العالم، غير أن بعضها خطير كما أكده مختصون، على غرار حمية الصيام العكسي  التي تحولت إلى موضة شائعة مؤخرا، و الحمية « الكيتونية» الشهيرة، التي بين خبراء تغذية تابعون لمشافي « بريغهام أند ووميز» الأميركية قبل أيام، بأن لها تبعات خطيرة على الصحة  خاصة وأنها حمية تعتمد على تناول كميات كبيرة من الدهون و كميات أقل من الكربوهيدرات و البروتين    ما يؤدي إلى خلل في عمليات الاستقلاب الطبيعية في الجسم و يؤثر على عمل الأمعاء الدقيقة. وينسحب الأمر كذلك على بعض الحميات المعروفة والتي يكثر اتباعها بما في ذلك «  حمية خل التفاح و حمية شانغري ـ لا، و حمية التطهير و المضغ و كرات القطن» وغيرها.وأكدت دراسات أخرى في هذا المجال، أن الفتيات لاسيما في سن المراهقة يعتبرن من أكثر الفئات التي تصيبها مشكلة إدمان النحافة.

ومن أعراض النحافة  عند المراهقات   كما تذكر الانخفاض الشديد في الوزن و تساقط الشعر و انخفاض النبض  ودرجة الحرارة وجفاف الجلد‏، كما قد يؤدي الأمر إلى الاضطرابات الهرمونية و انقطاع الدورة الشهرية  واضطرابات الجهاز الهضمي  و تسوس الأسنان  و آلام الحلق نتيجة للقيء المتكرر‏.
* أخصـائي التغـذية لزرق محمد عبد القـــادر
النحافة قد تكـون مؤشـرا مرضيــا

أكد أخصائي  التغذية لزرق محمد عبد القادر،  بأن النحافة تعد من أكبر المشاكل الصحية في العالم، لذلك  على الجميع التمييز بين الرشاقة والنحافة، مشيرا إلى أن للنحافة تأثيرات سلبية خطيرة، لأنها تنبه إلى كون الجسم ضعيفا ولا يحصل على حاجته من العناصر الغذائية.
وأضاف المتحدث، أن  النحافة الشديدة  قد تؤدي إلى العديد من المشكلات الصحية، كالإصابة بضعف في المناعة و  الأنيميا و هشاشة العظام و فقر الدم و تساقط الشعر و الدوخة،  بالإضافة إلى عدم مقدرة الشخص على القيام بالأعمال الاعتيادية اليومية، ومن ثم يصبح عرضة للإصابة بالميكروبات المختلفة.
وأشار الأخصائي، إلى أن الشخص النحيف غالبا ما يعاني من نقص في المناعة، يتسبب في انتقال الأمراض إلى جسمه وإصابته بالعدوى سريعًا، لذلك يجب حسبه تناول الأغذية الكافية التي تعمل على تقوية المناعة وحفظ الجسم من انتقال الأمراض إليه،  مضيفا، أن الجسم النحيف يعاني من سهولة تكسر العظام بسبب نقص الكالسيوم وعدم وجود العضلة القادرة على تحمل ثقل الجسم لذلك يعتمد على العظام وهي ضعيفة بسبب النحافة.
وأكد المختص، أن هناك  نحافة غير متعمدة، يفقد بسببها الجسم الوزن لأسباب خارجية مثل الإصابة بالأمراض أو لعوامل وراثية، أما  النحافة المتعمدة لفقد كتلة كبيرة من الوزن عن طريق الحمية العشوائية دون ممارسة رياضة معينة، فتضر بكتلة الجسم التي تصبح أقل من المعدل الطبيعي.

و يرى من جهته، المختص في الصحة العمومية أمحمد كواش، أن المرأة تواجه منذ القدم تصورا جماليا قاسيا  و رغم اختلاف الأنماط التي تحدد الجمال بين الحضارات والثقافات المختلفة، فإن البحث عن الرشاقة بقي مستمرا ويتخطى الأجيال.
وذكر المتحدث، أن انتشار السمنة رافق زيادة الاهتمام العام بكل ما يمكنه أن يسبب خسارة الوزن، مثل الحميات و العقاقير سواء المرخصة أو غير المرخصة وعمليات التجميل، محذرا في ذات السياق من استخدام الشخص لأي دواء من دون استشارة الطبيب أو وصفة طبية، لأن لكل دواء آثار جانبية و موانع استعمال.
وأكد ‬المختص،‮ ‬أن‮ ‬هناك جيلا‮ ‬جديدا‮ ‬من‮ ‬المراهقات‮ ‬يجازفن‮ ‬بصحتهن‮ ‬وحياتهن‮ ‬نتيجة‮ ‬امتناعهن‮ ‬عن‮ ‬تناول‮ ‬المواد‮ ‬الغذائية‮ ‬الضرورية‮، لبناء  ‬أجسادهن‮ ‬وديمومة‮ ‬صحتهن‮ ‬انسياقا‮ ‬وراء‮ ‬الهوس‮ ‬بالنحافة‮ ‬التي‮ ‬يسمونها‮ «الرشاقة‮». ‬
 ويضيف كواش، أن  هذا الهوس هو وليد اضطراب نفسي أخذ ينتشر بين الفتيات،  محملاً  مجلات الموضة و المواقع الحديثة مسؤولية ذلك، بسبب الإصرار على تصوير المرأة في هذا الإطار، ما زرع في عقول المراهقات فكرة أن النحافة هي الطريق الأسرع إلى الجمال و ما يتبعه، أو على الأقل عامل مساعد ومهم من أجل  الوصول إلى الجسد المثالي .
ولفت، إلى أن هناك فتيات يكرهن أو على الأقل لا يحببن مظهرهن حتى لو كانت أجسامهن في الحقيقة جميلة وصحية،  والسبب يرجع إلى انخفاض الثقة في النفس وزيادة الضغط الذي تفرزه مواقع التواصل.
لينة دلول

الرجوع إلى الأعلى