زاد الإقبال على اقتناء الأواني الفخارية التي يتم تصنيعها يدويا باعتماد طرق تقليدية ومواد طبيعية دون الحاجة لأية مضافات من شأنها أن تضر بالصحة، وذلك مع انتشار ثقافة الغذاء الصحي والعلاج الذاتي لدى الفرد الجزائري بالعودة للطبيعة، وهو ما وجد فيه الحرفيون فرصة لزيادة الإنتاج وتنويع العرض.

وقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، تعج بصور الأواني الفخارية الطبيعية التي يعرضها حرفيون وأصحاب محلات بيع الفخار، وكذا «مؤثرات» وطبيبات ومختصات في التغذية ومعالجو الطب البديل، حيث يشاركون أطباقهم الصحية التي يتم عرضها في صحون فخارية بألوان تميل إلى الحمرة أو السواد.
وترفق الصور بمعلومات تبين فوائد وأهمية هذه الآنية وما يمكن تحصيله من نتائج جيدة للصحة جراء الاستعمال الدائم لها، مع التخلص كليا من استخدام بقية الأواني المصنوعة من المعدن أو الفخار الذي تضاف له مواد مضرة، فمثلا هناك من ينصح بشرب الماء في القلة الفخارية كونها تجعل من الماء قلويا يساعد في تحسين صحة الجسد وتحوله من وسط حامضي إلى وسط قلوي يقوي مناعة الجسم.
حرفيون جمعهم حب الصنعة
تقول باق حدة صاحبة 33 ربيعا، والمنحدرة من ولاية المدية، أنها فتحت عينيها وسط محيط يداعب صغاره وكباره عجائن الطين والصلصال ليشكلوا بأناملهم الفنية أوان فخارية طبيعية، الأمر الذي غرس في داخلها حب الصنعة فبدأت في تعلمها وهي في سن السابعة، ومع تقدمها في العمر أتقنت جميع أسرارها وخباياها ما أهلها لتصنيع مختلف الأشكال والأنواع الفخارية.
وفي سنة 2016، أقدمت حدة على خطوة غيرت مجرى حياتها وجعلتها تحترف المهنة، حيث اكتشفت أن المجتمع الجزائري يهتم كثيرا بالأواني الفخارية المصنوعة بشكل طبيعي لكونها لا تضر بالصحة كما أنها تباع بأسعار مقبولة، فسعر «الطاجين» يقدر بـ 500 دج والقصعة التي تستخدم في العجين تباع بسعر 1000 دينار، و هكذا بدأت في عرض أعمالها على حسابها الشخصي وكذا على الصفحات والمجموعات التي تهتم بالصحة والتغذية الطبيعية و تضم أشخاصا من مختلف الولايات، قائلة أنها تلقى إقبالا واهتماما كبيرا منهم فلطالما أعجبوا بما تعرضه عليهم من أعمال.
محدثتنا قالت، أنها في البداية كانت تختص في صناعة طاجين «المطلوع» و»البغرير» بمختلف أحجامهما وأشكالهما إلى جانب القصعة، وتبيعهما لأصحاب المحلات الذين يخبزون المطلوع و يبيعونه، ثم وسعت نشاطها إلى صناعة أوان أخرى.
أما نجاة غربي، وهي حرفية من العاصمة تبلغ من العمر 41 سنة، فقالت لنا إنها انطلقت في تعلم أسرار الصنعة سنة 2003 عند التحاقها بورشة من أجل تعلم فن الرسم، لكن مداعبتها للطين في حصة الفخار جعلتها تعشق الحرفة، خصوصا أنها ساعدتها على حد قولها في التخلص من التوتر والأفكار السلبية ومن آلام المفاصل.
إقبال على الفخار الطبيعي

وقد واصلت نجاة تعليمها بورشة «باشا» مدة 4 سنوات لتلتحق بعدها بقطاع التكوين المهني أين تحصلت على ديبلوم في صناعة الفخار بعد سنتين، الأمر الذي فتح لها أبواب تكوين المبتدئين في عديد من الولايات.  
وتضيف المتحدثة، أنه مع انتشار ثقافة الغذاء الصحي في الوسط الجزائري، أصبح هناك إقبال كبير على اقتناء الأواني الفخارية الطبيعية بجميع أنواعها من القلة والصحون والطناجر والقدرة والسخان، قائلة إن صناعة الفخار تعرف طلبا يوميا لا يتوقف، لكن العائق الوحيد الذي من الممكن أن يواجهه صاحب الصنعة الذي لا يملك ورشة مجهزة، هو عدم توفر الجو المعتدل في جميع مواسم السنة والذي يساعد في تجفيف المصنوعات بشكل طبيعي.
وتساعد الورشة المجهزة بمكيف هوائي في تجفيف الأواني في فصل الصيف والحفاظ على درجة حرارة معتدلة داخل الغرفة دون الحاجة لإخراج الأواني إلى الخارج وتعريضها لأشعة الشمس الحارقة التي من الممكن أن تتسبب في كسرها، أو حين يطول تجفيفها بسبب البرد الشديد في فصل الشتاء لهذا يلزم الاعتماد على مسخن في الغرفة، مثلما تبرز الحرفية.
ويُسجل طلب كثيف على أواني الفخار الطبيعي لكن تبقى المشكلة في التوصيل، بحسب الحرفية، حيث تصل طلبات حتى من ولاية تمنراست ومناطق أخرى في الجنوب على غرار المنيعة وغرداية وورقلة والأغواط والجلفة، لكن مع بعد المسافة تجد مشكلة في تلبية مثل هذه الطلبيات، وتتعامل مع محلات لبيع الأواني الفخارية في عدة ولايات منها المنيعة وميلة ومسيلة.
ويؤكد الحرفيون أن انتشار الثقافة الغذائية في المجتمع الجزائري ساهم بشكل كبير في البحث عن صناع الفخار والتعريف بهم، إلى جانب زيادة الطلب عليه من مختلف الولايات الجزائرية، خصوصا من أطباء ومختصين في التغذية، مشيرين إلى أنهم قدموا عدة دورات في صناعة الفخار لأشخاص يدرسون الطب والصيدلة أو ينشطون في هذه المجالات، إيمانا منهم بأهمية هذه المادة للصحة الجسدية والنفسية للإنسان، كما يسجل إقبال كبير على تعلم صناعة الأواني الفخارية من مختلف الفئات العمرية، ويفضل كثير من الأولياء جعل أبنائهم يتعاملون مع الطين لاكتشاف وتطوير مهاراتهم.
الطين والصلصال لتكوين العجين
وعلمنا من السيدة حدة، أن ليس كل الأواني تستخدم من نفس المادة فبعضها يصنع من عجينة الطين الصافي مثل الطاجين نظرا لكونه يكتسب صلابته ومتانته بعد وضعه فوق النار، حيث تأتي بالطين من الأراضي القريبة منها، فيما تتحصل على الصلصال من أصحاب الأراضي الزراعية ببجاية والبويرة والذين يبيعونها كيلوغراما من التربة بسعر 40 أو 50 دينارا حسب النوع، لتستخدمه في تشكيل قلال الماء وطناجر الطبخ فتكون بذلك صلبة مقاومة لتسرب المياه، كما تُستخدم مادة» التفون» التي يتم الحصول عليها من القطع الفخارية المنكسرة، فيتم هرسها وغربتلها ثم تخلط مع العجين.وبعد تجفيف الأواني في الظل وفي جو معتدل يتم إدخالها في فرن تقليدي مصنوع من الطين في داخله موقد من حطب وبعد حرقها تصبح جاهزة للاستعمال، ويتم بيع هذه القطع وهي على شكلها الطبيعي فيما يفضلها آخرون مزينة بزخارف ورسوم يدوية باستعمال قطعة من حجرة طبيعية تعرف بـ» النقرة» أو «التمغرة»، وتستعمل بعد إذابتها في الماء، أو طلائها بالجبس التي يتم الحصول عليه من الوديان ثم يطبخ على النار ويهرس جيدا ويمزج مع الماء، قبل أن تُطلى به القصعة من الخارج بعد إخراجها من الفرن. في ذات السياق، تقول حياة أن ليس كل أنواع التربة صالحة لصنع الفخار فبعضها سهل للانكسار، لهذا قبل البدء في تحضير طلبية ما، وأكثر المناطق التي تتميز بأنواع جيدة توجد بقرية سيدي بختي بتيارت ومعروف لدى الأهالي استخدامها في تشكيل الطاجين الطبيعي، وكذا بتمنراست وبمنطقة ذراع الميزان وبوغني بولاية تيزي وزو.

وتمر صناعة الفخار عبر عدة مراحل، فبعد إحضار الطين ينقع في الماء مدة يومين أو ثلاثة، ثم يصفى بالغربال ويوضع في حوض إلى أن يترسب في الأسفل ويصعد الماء إلى أعلى فيتم نزعه، ثم يترك الطين إلى أن تتبخر بقية الماء ويتحول إلى عجين يوضع في كيس ويمرر بآلة تفرغه من الهواء.
بعد ذلك، يُعاد وضع الطين بالكيس مجددا، ثم يشكل بالأيدي أو باستعمال الدولاب الكهربائي الذي يسرع العملية، ليترك في ما بعد ليجف بشكل طبيعي على الهواء الطلق في مدة تتراوح بين أربعة وخمسة أيام، ثم يدخل الفرن الكهربائي الذي تصل درجة حرارته إلى 980 درجة مئوية وبهذا يصبح جاهزا للبيع والاستعمال.
تراجع للمبيعات في فصل الصيف
أما الأواني التي تستخدم في الطبخ، فتوضع في فرن أو فوق النار، وتصنع بإضافة «التفون» إلى الطين، ليتم عجن الخليط ثم يترك ليتخمر مدة أسبوع وبعدها يشكل ويجف ثم يطهى، لكي يتحمل درجات الحرارة العالية والنار.وتقول حدة، إن ما ساعدها في ترويج عملها أيضا، هي المعارض التي كانت تشارك فيها داخل وخارج ولايتها على غرار الجلفة وتيزي وزو والجزائر العاصمة والبليدة، فيما ستشارك قريبا بسيدي بلعباس، حيث تعرض بعضا من أعمالها عل الزوار الذين يعجبون بأعمالها فيقتنون منها ويأخذون معلوماتها ليظلوا على اتصال بها، فبعد استعمال الأواني وتجريبها والتأكد من متانتها يعيدون الاتصال بها من أجل الحصول على أوان أخرى تقوم بإرسالها لهم في المواصلات بالنسبة للولايات البعيدة.
كما أكدت حياة أيضا، أن المعارض التي شاركت بها في جميع الولايات تقريبا، قد شكلت جسرا قويا بينها وبين الزبائن، وساعدتها في التعريف بنفسها وبحرفتها منذ أول معرض شاركت به سنة 2008.

وتقول حدة، إن بيع الفخار يتراجع في موسم الصيف نظرا لارتفاع درجة الحرارة حيث يقل الطبخ في الأواني الفخارية خاصة الطاجين، فيما يكثر الطلب على قلل الماء والكؤوس، لكن الطلب يبقى متواصلا بشرط أن يأخذوا الآنية في شهر أكتوبر تحضيرا لقدوم البرد، ناهيك عن أن كل الأسر الجزائرية تستغل فصل الصيف للراحة وأخذ العطل والسفر.
لكن على عكس شهر رمضان الذي عرف هو الآخر إقبالا كبيرا على الأواني الفخارية، يتم اقتناء كل أنواع الفخار، إلى جانب احتفالية يناير، ويزيد الطلب على «طاجين النمرة» من الولايات الشرقية بعد أن كانوا يستوردونه من الدول المجاورة كتونس والمغرب وهو مصنوع من المعدن أو مادة «التور» حيث يستخدم في إعداد طبق «لفتات» أو «الشواط»، ويكون على شكل نصف دائرة أو مسطح، وكذا المقلات المستعملة في طبخ «الشكشوكة».
* أخصائية التغذية الدكتورة كريمة سعودي
الفخار يحتفظ بالقيمة الغذائية للطعام

أشادت مختصة التغذية العلاجية الدكتورة كريمة سعودي، كثيرا بفوائد الفخار وأهميته للصحة النفسية والعضوية لجسم الإنسان، باعتبار أن كلاهما مخلوق من طين، ما يعني بالضرورة أن هذه التربة تحتوي جميع المعادن التي يحتاجها البشر، لهذا فهي تنصح بشكل دائم مرضاها في العيادة أو متابعيها على صفحتها في موقع فيسبوك باستخدام الأواني الفخارية الطبيعية وكذا الخشبية، من أجل وقاية الجسد من أية أمراض مع مساعدته على الاستشفاء الذاتي بالعودة إلى الطبيعة.
ودعت الدكتورة سعودي، إلى تجنب استعمال الفخار المطلي بالزجاج المذوب أو بمادة «الكريستالين» المسرطنة وغير الصحية، قائلة إن الفخار الحقيقي الذي تنصح به دائما، يصنع من تربة الأرض باعتماد طريقة الأجداد التقليدية، بحيث يمر قبل استخدامه على فرن تتعدى درجته المئوية 900، حتى يحافظ على قوامه وصلابته، دون أن يتم طلاؤه بأية مادة من اجل تزيينه.
وتؤكد المتحدثة، أن الفخار يحافظ على جودة الطعام وقيمته الغذائية أثناء الطبخ، دون حدوث أية تفاعلات كيميائية بينهما، على عكس الأواني المصنوعة من مادتي «التيفال» و»الألمنيوم» والتي تتفاعل جزيئاتها مع الأكل المطبوخ بها، مضيفة أن الآنية الفخارية لطالما استخدمت في القدم للاحتفاظ بالطعام ساخنا من جهة، وكذا لتخزين الدهان واللبن تحت الأرض، حتى يتم استعماله في ما بعد سواء في تصنيع الجبن أو غيره، كما أن الفخار يعيد للماء حيويته على عكس القارورات البلاستيكية التي تفقده قيمته، لكن يجب الانتباه للون الفخار فالجيد يميل نحو الأحمر وليس الأصفر، وكذا التأكد بأنه أصلي ولم يتم خلطه بالآجر.
رميساء جبيل

الرجوع إلى الأعلى