تجتهد جمعيات ونواد سياحية قسنطينية، لترقية السياحة الداخلية، ويتعلق الأمر بشباب من هواة المغامرة وحب الاستكشاف، اتفقوا مؤخرا، على تنشيط الحركة السياحية أكثر في المدينة و خارجها، من خلال الترويج للغابات و الجبال و الطبيعة المتفردة، عبر ألبوم صور لأجمل الجولات الداخلية وأكثر مغامرات التخييم الجماعي روعة، كمحاولة لمغازلة مشاعر عشاق الطبيعة و استقطابهم بشكل أكبر.

مواقع التواصل في خدمة السياحة
تعمل هذه الجمعيات على برمجة رحلات سياحية منتظمة تطبيقا لمخطط مسبق، يستهدف شرائح اجتماعية مختلفة بما في ذلك العائلات، من أجل التعريف بالحظيرة البيئية الطبيعية الخلابة التي تزخر بها العديد من ولايات الوطن  وهي عملية تعتمد بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، بالنظر إلى سرعة انتشار المعلومات والصور عبرها واتساع رقعة تأثيرها، حيث يستخدمون وسائل تصوير متطورة لالتقاط صور احترافية تبرز جمال الطبيعة و روعة المناطق السياحية  التي تشملها الرحلات، مع  الاستعانة بمرشدين سياحيين مدربين، فضلا عن تبني فكرة الرحلات السياحية المتبادلة بين جمعيات من مختلف ولايات الوطن، بما يسمح باكتشاف مناطق أكثر.

* يحي خير الله ممثل  نادي درب السياح
أشرفنا على 20 رحلة لفائدة الأجانب خلال أشهر
حسب يحيى خير الله، ممثل نادي درب السياح، فإن مخطط العمل الذي تسير وفقه المجموعة، قائم على برمجة ثلاث رحلات سياحية كل شهر، بمعدل رحلة كل أسبوع، اثنتان داخل مدينة قسنطينة و واحدة خارجها، مع تخصيص الأسبوع الرابع من كل شهر، لتقييم برنامج العمل و وضع مخطط  جديد لزيارة أماكن سياحية مختلفة خلال الشهر الموالي، و العمل على تكوين الأعضاء الجدد في النادي في مجال الإرشاد السياحي و كيفية التعامل مع الزوار.
وقال محدثنا، إن مجموعته أشرفت على تأطير حوالي 20 رحلة سياحية خلال الثمانية أشهر الماضية، لفائدة سياح من مختلف البلدان على غرار تونس والولايات المتحدة الأمريكية، و ذلك بالتنسيق مع بعض الوكالات السياحية التي تستعين بخدمات النادي في مجال التوجيه والإرشاد السياحي.

و أوضح، بأن مسار الرحلات عادة ما يكون مضبوطا مسبقا، وفق رغبة السياح الذين يفضلون زيارة أماكن معينة أما إذا كان التواصل مباشرا مع الجمعية دون وساطة الوكالات، فإن المسار يختلف و يشمل ما يطلبه السياح إلى جانب جولات أوسع للتعريف بالمدينة، علما أن لكل مسار هدفا محددا، علما أن  زوار مدينة قسنطينة، غالبا ما يفضلون استكشاف أهم المعالم السياحية المشهورة كقصر أحمد باي و نصب الأموات و منطقة تيديس الأثرية.

* بلال تنيو رئيس نادي المغامرات السياحية بقسنطينة
نعتمد كثيرا على السياحة الجبلية
من جانبه، قال بلال تنيو، رئيس نادي المغامرات السياحية بقسنطينة، بأن ناديه يركز كثيرا على السياحة الجبلية، بغية التعريف بالمناطق الطبيعية المعزولة، فمنذ تأسيسه سنة 2015، عرف تنظيم أكثر من 500 رحلة سياحية إلى مختلف جهات الوطن، بما في ذلك رحلات نحو مناطق لم تكن معروفة مثل «غابة تيزغبان» بأولاد عطية، و التي يطلق عليها اسم الغابة «الملونة»، و شلالات «واد البارد» بسطيف و بحيرة «تامزقيدة» بأعالي جبال ميلة، و غابة «دراع الناقة» بقسنطينة، وبفضل الترويج لهذه الوجهات زاد الإقبال عليها بشكل كبير.
وأضاف المتحدث، بأن الاهتمام بهذه الوجهات كثيرا ما يستوجب برمجة أكثر من رحلة واحدة إليها، نظرا لاستحقاقها لذلك، ورغبة الكثيرين في زيارتها، إلى جانب الاهتمام بوجهات أخرى لا تزال مجهولة و تستحق الاستكشاف، حيث نظم النادي مطلع الشهر الجاري ست رحلات، من بينها ثلاث رحلات نحو الصحراء، وأخرى  باتجاه المناطق التي تشتهر بكثافة الثلوج، علما أن أي برنامج رحلات لا يضبط إلا بعد التأكد من حالة الطقس لضمان سلامة المشاركين في المغامرة، مع التنسيق بشكل مستمر بين النادي و مديرية السياحة وحماية الغابات خلال المناسبات والتظاهرات الوطنية، مثل اليوم الوطني للمناطق الرطبة، و اليوم الوطني للتشجير، حيث تشمل النشاطات في هذه الحالة  إقامة معارض للصور والتجهيزات بهدف إبراز ما يقوم به أعضاء النادي من أعمال والتعريف بمختلف الأماكن التي وصلوا إليها كنوع من الترويج والتبادل السياحي.
تزايد الإقبال على التخييم الجماعي

و قال محدثنا، إن ثقافة السياحة غير مرتبطة بأوقات معينة أو فصل معين، ويخطئ من يعتقد أن القيام برحلات سياحية يقتصر فقط على فصل الصيف، لأنّ لكل فصل ما يلاءمه من وجهات وأنشطة، فالربيع و الخريف هما أفضل فصلين حسبه، لاستكشاف الغابات، بينما يعد الصيف فرصة للاستمتاع بالشواطئ و الوديان، أما الشتاء فمناسب كثيرا للسياحة الجبلية و الصحراوية، و ممارسة المشي لمسافات طويلة و التخييم الجماعي، الذي زاد الاهتمام به كثيرا في السنوات الأخيرة، وذلك بفضل النشاط المكثف للجمعيات التي تنسق فيما بينها بشكل واسع وعلى مستوى وطني من أجل تعزيز المشاركة و المساهمة في إنجاح المبادرات من هذا النوع، خاصة في ظل التسهيلات المقدمة من طرف السلطات الأمنية فيما يتعلق بالحصول على التراخيص.
كما أن نشاط التخييم يكون أيضا، خلال مبادرات غرس الأشجار، وعادة ما تكون مشاركة كبيرة من قبل هواة ومحبي هذا النشاط، خاصة في ظل توفر الأمن وإمكانية اقتناء الوسائل المناسبة، على الرغم من صعوبة الأمر بالنسبة للمبتدئين من ناحية الاستعداد الجيد، عن طريق جلب وسائل التخييم المناسبة واختيار المكان الملائم، حيث يفضل هنا الابتعاد عن المناطق التي تشهد رياحا قوية، و تتوفر على ما يكفي من الخشب المخصص لإشعال النيران.
الجائحة خدمت السياحة الداخلية
ممثلو الجمعيات السياحية، قالوا إن الجائحة خدمت كثيرا السياحة الداخلية و ساعدت على انتعاشها، حيث تحولت  الوجهات الداخلية إلى بديل مناسب للعائلات على وجه الخصوص، و هو ما ضاعف من نشاط الجمعيات والنوادي السياحية، إلى جانب تكثيف الوكالات السياحية لبرامجها، من خلال تقديم عروض مغرية للراغبين في زيارة مناطق مختلفة من الوطن، وهو نشاط كان  يقتصر في السابق على الجمعيات.
وحسب بلال، فإن هذه المنافسة انتهت بشكل غير مقبول بعدما قدمت وكالات سياحية، شكوى لوزارة السياحة من أجل وقف منح الترخيص بتنظيم الرحلات للجمعيات، بحجة تحصيل فوائد ربحية جراء النشاط السياحي، و قد نجحت هذه الوكالات إلى  حد ما كما عبر، في تقليص نشاط النوادي خاصة بعدما فرضت مدريات السياحة، شرط إلغاء تكاليف الرحلات التي تبرمجها الجمعيات، رغم أنها مبالغ رمزية تساعد الجمعيات على الاستمرار في العمل.
غياب النظافة العائق الأكبر
و يرى بلال تنيو، أن أكبر عائق أمام تطوير السياحة الداخلية في بلادنا، هو نقص النظافة و تراجع ثقافة الاهتمام بالبيئة  لدى العائلات والأفراد على حد سواء، فكثير من المناطق السياحية تشهد حالة من الإهمال وانتشارا للأوساخ و المخلفات التي يتركها الزوار، و من هذا المنطلق يجب حسبه تغيير هذه السلوكيات التي لا تخدم قطاع السياحة، زيادة على بذل مجهود أكبر فيما يخص الاهتمام بالمناطق السياحية  بما في ذلك غابات جبل الوحش بقسنطينة.

* مدير ديوان السياحة بقسنطينة رشيد يايسي
الأفكار موجودة لكن النجاح يستوجب الاستثمار والتنظيم
أكد مدير ديوان السياحة بقسنطينة، رشيد يايسي، أن الأفكار و الاستراتيجيات لتطوير السياحة الداخلية موجودة و واعدة جدا، لكن تفعيلها و تحقيق النتائج المطلوبة، يستوجب مخطط عمل تشاركيا مسبقا، يحسن مناخ الاستثمار و يقدم التسهيلات المناسبة لأصحاب المشاريع، خاصة فيما يتعلق بتشييد الفنادق، لأنّ العدد الموجود حاليا غير كاف، وهو مطلب مهم  يكمله العمل على تحسين نوعية الاستقبال وتكوين المرشدين السياحيين.  و رغم توفر الإرادة على مستوى الديوان، إلا أن ترجمة هذه المقترحات ميدانيا، تتجاوز إمكانيات المؤسسة حسبه، لأنها جزء من العملية، التي يتوقف نجاحها على إشراك جميع الأطراف، بما في ذلك المجتمع المدني و السلطات و المؤسسات التنفيذية، علما أن النهوض بالسياحة الداخلية لا يحتاج كما قال، إلى فنادق فخمة من فئة خمسة نجوم، بل يتطلب التوجه نحو تشييد الفنادق ذات الطابع الحضري، و تحديد أسعار معقولة تتماشى مع القدرة المالية لذوي الدخل المتوسط، باعتبارهم الشريحة الأكثر اهتماما بهذا النوع من السياحية، وهو ما يسمح بزيادة الاستقطاب.
فايز إسلام قيدوم
       

الرجوع إلى الأعلى