تقدم بثينة، وهي شابة تحترف تجليد المذكرات و الكتب، تذكرة سفر إلى الزمن الجميل، بفضل الجانب الفني المتقن و الراقي لأغلفتها التي تحاكي العصور الذهبية من خلال طبيعة التصاميم، فتشعر وأنت تحمل بين يديك أحد الكتب التي تجلدها، أنك امتلكت مؤلفا من العصر الفيكتوري أو كتابا ناجيا من مكتبة بغداد، ذلك لأن الفنتازيا في  أعمالها تتفجر خيالا اختارت له عنوان «سبارك ستور ديزاد».

إيناس كبير

تبدع الفنانة في تجليد دفاتر المذكرات ثم تخيطها بدقة حتى تصمد لأطول مدة ممكنة، فضلا عن اهتمامها بالتفاصيل الجمالية التي تجذب، بما في ذلك التغليف بطريقة مميزة، إذ تضع الكتاب في علبة و ترش على السطح رذاذا بني اللون، ثم تزينه بملصقات تحمل رسومات لأدوات عتيقة مثل المذياع، فضلا عن استخدام قصاصات من ورق الجرائد المائل إلى الاصفرار، وتعيد تغليف القطعة ككل بالورق ثم تربطها بخيط وتختمه بالشمع المصمم على شكل زهرة.
طاولة تفوح برائحة النوستالجيا
يغطي طاولة عملها غطاء صُنع من خيط أبيض مصفر، يتوزع عليه ورق بني عتيق يبدو كأنه مخطوط قديم، إلى جانبه قطع من الجلد وأربطة مختلفة الأحجام، تجاورها خيوط خشنة نوعا ما.
و تقول صاحبة المشروع، إنها تعلمت التجليد الفني بالاستعانة بفنانين ومصممين ينشرون أعمالهم على «يوتيوب» وقد تعرفت على الكثير من أساليب هذا الفن، ثم تعمقت أكثر في البحث حول المجال وإتقان أساسياته خصوصا من ناحية الأدوات اللازمة في مختلف مراحل تصميم المذكرة، لكنها اصطدمت بعدم توفرها في السوق، فحاولت البحث عن أخرى قريبة منها فد تفي بالغرض.
تهتم بثينة، بكل ما هو عتيق ويحمل رائحة الماضي، وهو شغف ولد منذ الصغير، حيث كانت دائما محبة لصناعة أشيائها بنفسها من منطلق عشقها للرسم والتصميم والكتابة، وهو ما جعلها تنتبه لهذه المذكرات وتتمنى امتلاك واحدة، إذ أخبرتنا بأن عدم توفرها دفعها لصناعة أول نموذج بالاعتماد على مواهبها، ولأنه لقي إعجابا من المقربين منها و الأصدقاء فقد فكرت في أن تطلق مشروعا في المجال، وأن تختص في صناعة « كراريس الذكريات و المذكرات»، التي تحظى بشعبية عند جيل التسعينيات كما عبرت.
جس حضور الماضي في الأذهان
قررت الشابة في بداياتها تجنب مغامرة الإعلان عن المشروع، لأنها أرادت أن تسير بخطى بسيطة وثابتة، خاصة وأن الفكرة ولدت خلال زمن الجائحة، وهو ما ضاعف المخاوف من احتمال الفشل و عدم تقبل المنتج نظرا لاختلافه و كونه غير مألوف أو رائج.
بعد مدة علمت ببرمجة معرض للكتاب بولايتها المدية، فجمعت عينات عن أعمالها الجاهزة، وقررت عرضها على دور النشر المشاركة، لجس نبض الناشرين و الزوار كذلك، خصوصا وأن هذا الفن جديد في الجزائر، وعندما عرفت بأنها لاقت تفاعلا إيجابيا أنشأت صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت في استقبال طلبات أصدقائها والمقربين منها وهكذا بدأ المشروع يعلن عن نفسه بشكل تدريجي و بوتيرة وصفتها بالجيدة.
التجليد الفني يضيف قيمة جمالية للكتب
وبحسب صاحبة مشروع «سبارك ستور ديزاد»، فإن التجليد الفني للمذكرات يضفي سحرا خاصا عليها، لا يمكن للزبون مقاومته، وأرجعت ذلك إلى تمتعه بقيمة جمالية ومعنوية تأسر العين والقلب.
ورغم الجهد والوقت الذي يتطلبه تحضير الكتب، تُقبل محدثتنا على العمل بكل متعة، وتقول إن تصميم المذكرة الواحدة يأخذ منها خمسة أيام إلى أسبوع كامل أحيانا، موضحة بأن كل مرحلة تحتاج إلى تركيز وجهد كبيرين خصوصا أثناء ثني الورق وثقبه، لأن قوامه يصبح سميكا بعد تلوينه بالقهوة لهذا ترفض قبول الطلبات المستعجلة.
وتمر عملية إنتاج المذكرات كما شرحت لنا، بمجموعة من المراحل تكون كلها يدوية، بداية من تحضير الورق ثم ثقب الجلد وقصه، بعدها تنتقل إلى جمع الأوراق وخياطتها، لتنتهي بتغليفها بالجلد وتزيينه بأربطة متينة لإضفاء الطابع العتيق عليه.
وحسبها، فإنه يوجد عدد لا متناه من الأنواع التي تميز المذكرات، فمنها ما يكون متينا جدا كأغلفة المجلدات القديمة أو بسيطا، ويختلف التصميم حسب الحجم والألوان المطلوبة.
ويعد عدم توفر بعض المواد التي تستخدمها صاحبة المشروع في صناعة هذا النوع من المذكرات مشكلة حقيقية وعقبة أمام تطوير العمل كما قالت ناهيك عن ندرة الأدوات الضرورية لإتمام بعض المراحل وهو ما يضاعف سعرها، وقد أخبرتنا بأنها تضطر لطلبها عبر مواقع أجنبية تجارية، ناهيك عن اقتصار حجم الورق على النوعية (A4) ما لا يتناسب مع أحجام الكثير من المذكرات.
 وأضافت، بأن إيجاد نوعية الجلود الجيدة مهمة صعبة، و تشكل عبئا إضافيا خلال التحضير للعمل، موضحة أنها تفضل النوعية الممتازة حتى تضمن ديمومتها وصمود التجليد لأطول مدة ممكنة، فضلا عن سهولة العمل عليه.
وتحدد بثينة، أسعار المذكرات انطلاقا من نوعية الجلود المستخدمة، وعدد الصفحات، وعناصر أخرى تجعل سعر المذكرة يتراوح بين 1000دج إلى 3500 دج.
منتجات تلامس القلب
«مذكرات تنعش الروح، وتريح النفس»، «حققتم حلما من أحلامي»، «منتجات مذهلة ورهيبة لأصحاب الذوق العالي والراقي والمميز، الذي يحمل في تفاصيله حبا وحياة»، تعليقات مليئة بالامتنان، وكلمات نابعة من القلب رصدتها النصر، على حساب «الإنستغرام» الخاص بالمتجر الإلكتروني «سبارك ستور ديزاد».
كما لاحظنا بأن صاحبته تعتمد على التصوير الإبداعي في تقديم المذكرات و الكتب مركزة على إظهار تفاصيلها الدقيقة، عبر فيديوهات تنتجها أثناء عملية تزيين الغلاف أو العلبة التي توضع المذكرة بداخلها، وعن استعمالات هذه المنتجات، توضح بثينة، بأن معظم زبائنها يستعملونها في الكتابة والتفريغ العاطفي، خصوصا وأن مظهرها يمنح شعورا محفزا             ويساعد على ذلك، كما يقدمونها كهدايا تذكارية يخلدون فيها عبارات تجمع الأصدقاء والأحباء، فيشعر صاحبها بأنها تنتمي إليه.
تقول الشابة، بأن زبائن آخرين يطلبون منها مذكرات حسب الذوق تُرسم على غلافها صورا لشخصيات و أبطال خارقين، أما عن جمهور هذه المنتجات، فهو حسبها واسع من كلا الجنسين ومن مختلف الأعمار.

الرجوع إلى الأعلى