شاركت أمس، شابات من قسنطينة وولايات شرقية، في إحياء فعاليات الطبعة الثالثة من تظاهرة " يوم الملاية"، التي ينظمها متحف الفنون والتعابير الثقافية قصر الحاج أحمد باي، و قد تميزت الطبعة بإدراج الحايك ضمن البرنامج الاحتفالي التراثي، و عرفت ككل المواسم الماضية تنظيم جولة في شوارع أزقة وسط المدينة للتذكير بهذين الزيين اللذين شكلا جزءا مهما من إطلالة نساء الشرق قبل عقود.

لينة دلول

اختير للتظاهرة شعار "  احكي يا قسنطينة.. ملاية وحايك تراث ورواية"، وقد عرفت تفاعلا كبيرا من قبل مواطنين اعتبروا المناسبة مهمة لإحياء التراث و الحفاظ عليه، ولدفع الحركية الثقافية في المدينة من خلال تكريس مهرجانات و فعاليات قارية تعتبر بمثابة عناصر استقطاب سياحي.
الاستعراض الذي ميزته مشاركة فرق هدوة وعيساوة شبانية، إلى جانب ارتداء شابات للقطيفة، أو القندورة القسنطينية التقليدية، انطلق من بوابة قصر الباي، مرورا بحي القصبة العريق و جسر سيدي مسيد، ثم حي سيد جليس ورحبة الصوف عودة إلى القصر، وقد عرفت الجولة تفاعلا منقطعا من قبل رجال ونساء على حد سواء، حيث أضفت الأجواء بهجة على مساء المدينة وصنعت الفعالية الحدث بامتياز.    
وحسب مديرة متحف الفنون و التعابير الشعبية قصر الحاج أحمد باي، مريم قبايلة، فإن الهدف من تنظيم طبعة ثالثة لتظاهرة، هو إبراز المكانة الرمزية لهذين الزيين التقليدين، وفتح دولاب التراث الثري الذي تتمتع به قسنطينة أم الحواضر.

وقد استهلت التظاهرة، بارتداء  "الملايا" و"الحايك" من طرف  نساء وأطفال، مع رفع العلم الوطني باليد اليمنى، وحمل قفة مصنوعة من الحلفاء  باليد اليسرى، والخروج من قصر "الحاج أحمد باي"، رفقة شباب يرتدون الزي التقليدي الخاص برجال قسنطينة،  وكانت ساحة سيدي جليس نقطة توقف في مسار الجولة، حيث قدمت فرقة موسيقية شبانية استعراضا هناك كما تم التقاط صور تذكارية.
وكانت المحطة الأخيرة من الجولة في قصر الحاج أحمد باي، أين نظمت جلسة نقاش حول اللباسين، مع برمجة " قعدة قهوة العصر"، التي تحدثت عنها بإسهاب الأستاذة حليمة علي خوجة، مشيرة إلى أنه تقليد راسخ في الثقافة المحلية وطقس مكرس، يعتبر مهما جدا لإبراز البعد الثقافي العميق لقسنطينة، و الذي تظهر تفاصيله في " سينية  النحاس و "مرش ماء الزهر"، و الحلويات التقليدية المتنوعة.
من جانبها قالت مديرة المتحف، بأن الهدف من هذه التظاهرة السنوية  هو " تسليط الضوء على تراث المدينة الزاخر، بداية بالملاية ومن ثم الحايك والقندورة"، وأضافت " إنهما جزء من الخلفية الاجتماعية و التاريخية للمنطقة و للشرق عموما، ويعدان رمزا من رموز مقاومة الاستعمار، وهدفنا من إحيائهما هو إعادة اكتشاف جزء من تراثنا غير وحمايته، وقد تمت دعوة الحرفيين و الفنانين للمساهمة في خياطة الملاية والحايك".
 متابعة بالقول، "قمنا بإلباس الأطفال الملاية من أجل تعريفهم بهذه القطعة التراثية، وترسيخها في ذاكرتهم لينقلوها بدورهم إلى الأجيال  التي بعدهم".  
 وأكدت المتحدثة، بأن موضة ارتداء الحايك أعيد إحيائها في السنوات الأخيرة، وأن الطلب على هذا الرداء يتزايد يوماً بعد يوم، وبالأخص من قبل العرائس اللواتي يرتدينه في حفل الزواج وتحديدا عند خروجهن من المنزل كنوع من التكريم لثقافتهن الجزائرية.
وأشارت المتحدثة، إلى أن ما يميز الملاية القسنطينية عن العنابية والسطايفة و القالمية و التبسية، هي طريقة ارتدائها بحيث أن لكل منطقة ملاية خاصة بها، كما تختلف طريقة خياطتها من ولاية لأخرى، مؤكدة في ذات السياق، بأن الملاية دخلت إلى الجزائر في القرن 11 مع الفاطميين، وقامت الجزائريات بإضافة رتوشات صغيرة عليها بما يتماشى و الثقافة المحلية.
وقالت قبايلية، بأنه سيتم توزيع مطويات تتضمن بحثا معمقا عن تاريخ الملاية وخصوصيتها في كل منطقة من مناطق التراب الوطني، ستقدم بـ 3 لغات.
والملاية حسبها، لباس الحياء الذي اشتهرت به المرأة القسنطينية منذ القدم يتكون من قماش أسود يضاف إليه غطاء للوجه يعرف بـ "العجار" يكون أبيضا جميلا مطرزا أو مشبكا بطريقة الشبيكة الجزائرية وأيضا ساترا، و يحمل بُعدا ثقافيا كبيرا.
وقد ظلّ لوقت قريب جزءا مهما من الحياة اليومية للنساء، حيث تستمد الملاية حضورها الآن من لاهتمام الموسع بالتراث، في وقت تراجع بل وانتهى تقريبا استخدامها كلباس، نظرا لعزوف الجيل الجديد عن ارتدائها وتوقف خياطين عن تصميمها لنقص الطلب عليها وصعوبة الحصول على القماش الذي تصنع منه.
 وللملاية تاريخا يتجاوز كونها قطعة قماش ساتر، فقد ساهمت بشكل كبير وكبير جدا في تأمين الاتصالات بين المجاهدين ونقل الأموال والمئونة بل وقد اتخذها بعض المجاهدين كزي للتمويه والتخفي كما كان الفدائيون يرتدون الحايك للإفلات من قبضة جنود الاستعمار.  ولهذه القطع التراثية قصص، حيث يروى عن الملاية مثلا، أنها لباس ارتدته نساء قسنطينة حزنا على وفاة الباي صالح الذي حكم المدينة لمدة قصيرة من 1771 إلى 1792، إلا أن فترة حكمه كانت مزدهرة. وتختلف الملاية في الشرق من مدينة لأخرى، فنجد  النساء في سطيف مثلا يتخذن عجارا طويلا على عكس العجار في قسنطينة، الذي يستر الوجه فقط.
وليس هذا هو الاختلاف الوحيد فقط بين الملايتين، فالخياطة تختلف قليلا ففي سطيف يكون شكل الملاية على شكل الجبة السطايفية أو ما يعرف بـ"البنوار السطايفي" أما في الطارف فللملاية قصة أخرى، حيث نلمس بعض الصمود تجاه رياح التغيير، ولكن المفارقة أن المرأة الطارفية لا تأخذ معها بسبب لونها الأسود.

ل.د

الرجوع إلى الأعلى