تلجأ بعض العيادات الخاصة بقسنطينة إلى الاستعانة بأطباء من الخارج، و تستقدم جراحين تروّج لكفاءتهم في أوساط مرضى يائسين لا يترددون في دفع تكاليف باهظة لا تقل عن  25 مليون سنتيم كأدنى حد، للخضوع لعمليات يُجرى بعضها في نهاية الأسبوع، لتترك مهمة المتابعة الطبية في أيدي أطباء آخرين غير الذين أشرفوا على العملية، وسط استنكار و تنديد مجلس أخلاقيات المهنة و تأكيد مديرية الصحة و السكان بالولاية عدم استلامها لأي طلب ترخيص بالتعاقد مع عيادات أو أطباء أجانب عدا  عيادة  مختصة في التشخيص  فقط، فيما اعتبر أطباء محليون  الأمر تجاوزا  لأخلاقيات المهنة و عدم احترام للزملاء  لما يترتب عنه من منافسة وصفوها بغير النزيهة، تحرم الكثير من الكفاءات المحلية من حقهم في العمل.
 بعض المرضى المتهافتين على العيادات  الخاصة التي زرناها خلال قيامنا بهذا التحقيق، اعترفوا بأن سبب  اختيارهم لها ، راجع لرغبتهم في إجراء فحوصات طبية و عمليات جراحية على أيدي جراحين من الخارج، لاعتقادهم بأنهم أكثر كفاءة و خبرة من الأطباء المحليين، و ظنا منهم بأن نسبة الأمل  في الشفاء و الحياة أكبر بكثير مثلما أقنعهم المشرفون على تلك العيادات، كما أن نقص الإمكانيات المادية، الذي  حال دون  العلاج بالخارج، جعلهم يكتفون بالعروض المقترحة عليهم داخل الوطن.
و أكد عدد من المرضى خضوعهم لعمليات جراحية للشرايين و كذا العظام و التجميل على أيدي جراحين قدموا من فرنسا،  وفهمنا من خلال كلام بعضهم في البداية بأنهم أجانب، ليتضح لنا بأن أغلبهم جزائريون يمارسون بالخارج، حيث ذكرت إحدى المريضات خضعت لعملية على مستوى عظم الساق، بأنها تفاجأت بعد العملية بعدم متابعة الطبيب الجراح لحالتها منذ اليوم الثاني من العملية، حيث عرفت من الممرضة بأنه عاد إلى فرنسا لمزاولة عمله هناك.
و قال مريض آخر بأن عمليته تمت دون مشاكل، لأن الجراح تابع حالته عن بعد و أخضعه لعدة فحوصات و متابعات عند عودته للجزائر لإجراء عمليات لمرضى آخرين.
و اعترف المرضى الذين تحدثنا إليهم بجهلهم للوضعية القانونية لهؤلاء الجراحين، و كانوا يظنون بأن العيادة لديها ترخيص أو أي شكل من أشكال التعاقد معهم ، يحمي حقوقهم في حال وقوع أخطاء طبية أو مضاعفات بعد العملية، و قالوا أنهم لم يفكروا أبدا في ذلك، لأن أكثر ما كان يهمهم هو وضع حد لمعاناتهم مع المرض.
تكاليف العمليات الجراحية على أيدي المختصين القادمين من الخارج، قال عدد من المرضى بأنها  لا تقل عن 25ألف دج و ذلك حسب كل حالة، مع خفض التكاليف بالنسبة للمرضى الذين تتطلب حالتهم الخضوع إلى عدة عمليات متتالية.
محاولتنا لمعرفة المزيد عن واقع الجراحات و التخصصات التي استدعت الاستعانة بكفاءات من الخارج، قادتنا إلى حقائق مريبة، حيث تأكدنا من خلال تهرّب مسؤولة بعيادة خاصة بأعالي قسنطينة من لقائنا و الإجابة عن أسئلتنا بخصوص الأجانب الذين يعملون  بالمرفق  الذي يشهد إقبالا كبيرا على مختلف الجراحات بما فيها التجميلية، حيث طلبت منا الاتصال بها لتحديد موعد مع صاحب العيادة، غير أنها في كل مرة كانت تتهرّب من اتصالاتنا و سمعناها و هي تقول لمحوّلة المكالمات الهاتفية، «أخبريها بأنني في اجتماع»، و هو ما أكد لنا فرضية تهرّبها منا، و مضاعفة شكوكنا بوجود شيء مريب في الأمر.
و في الوقت الذي أنكر عدد من أصحاب و مسيري العيادات الخاصة، عدم استعانتهم بالأجانب و اعتمادهم على الكفاءات الداخلية فقط، لما يتطلبه ذلك من إجراءات كثيرة و شروط معقدة حسبهم، لم ينف صاحب عيادة بوسط مدينة قسنطينة استعانته بزملاء له بفرنسا لتجسيد عمليات دقيقة و حساسة، مؤكدا بأن الأطباء الذين يتعامل معهم من الخارج هم جزائريون، تابعوا دراسات التخصص بفرنسا و لا زالوا يمارسون مهنتهم هناك، و لديهم خبرة لا تقل عن 15 أو 20 سنة.
و اعتبر ما يقومون به من جراحات على مستوى عيادته نابع عن رغبة في رد الجميل لبلدهم الذي منحهم فرصة التعلّم و التخصص مجانا، و محاولة لتقديم خدمات جيدة لأبناء شعبهم مثلما قال، مؤكدا وجود تعاقد و اتفاقيات بين العيادة و هؤلاء الأطباء الحائزين على شهادات معادلة، قال أن مديرية الصحة على علم بها.
محدثنا أوضح بأن عيادته تستعين بجراحين في تخصصات مهمة منها جراحة الشرايين يجريها جراحون من مدينة ليون الفرنسية و ستراسبورغ، قال أنهم يتمتعون بكفاءة عالية و لديهم مناصب مسؤولية مهمة بالمستشفيات التي يعملون بها، منهم رؤساء عيادات، بالإضافة إلى جراحة العظام التي يجريها طبيب قال أنه تحوّل إلى مرجعية في جراحة العمود الفقري بفرنسا و كذا عمليات خاصة بعلاج السمنة المفرطة من خلال جراحات تجسد على مستوى الجهاز الهضمي.
و برّر موضحا بأن تنقل الطبيب من الخارج يوّفر على المريض عناء السفر و المصاريف الكثيرة التي يتطلبها ذلك، مؤكدا بأن الليلة الواحدة بالمستشفى بالخارج تكلّف المريض على الأقل  2000أورو، لكن داخل الوطن يكاد يكون السعر رمزي مقارنة بتكاليف العلاج بالقارة الأخرى على حد تعبيره.
و قال أن هؤلاء يجرون عملياتهم وفق برامج و مواعيد مضبوطة، حيث يقوم الأطباء بدراسة الملفات الطبية اللازمة التي يطلبونها من المريض بفرنسا مع أطباء من مختلف التخصصات هناك، قبل إخضاع المرضى للعمليات الحساسة، مؤكدا حضور الجراحين إلى عيادتهم على الأقل مرة كل شهر أو شهر و نصف، أما المتابعة فيقوم بها أطباء محليون، قال أنهم استفادوا من خبرة و كفاءة زملائهم القادمين من فرنسا. و عن سعر العملية قال بأن تكاليف بعض العمليات لا تتجاوز 25مليون سنتيم، معلّقا «حياة و صحة المريض ليس لها ثمن، خاصة الحالات المعقدة”.
رئيس مجلس أخلاقيات مهنة الطب لناحية قسنطينة البروفيسور رشيد جنان: جولات سياحية لجراحيـن بالجزائر و عمليات دقيقة تتــم نهايــة الأسبــوع
البروفيسور جنان رئيس مجلس أخلاقيات مهنة الطب قال أن الإشكالية موجودة و تطرّق إليها المجلس عدة مرات على مستوى المجلس الوطني، بعد أن تلقوا معلومات تؤكد لجوء بعض العيادات الخاصة إلى الاستعانة بجراحين أجانب للقيام بعمليات جراحية يجرونها بشكل خاص نهاية الأسبوع.
محدثنا  أوضح بأن المجلس لا تربطه أي علاقة مباشرة بالعيادات الخاصة ، و أن مديرية الصحة هي الجهة المخوّلة بالمراقبة، مضيفا بأن المجلس يتحرّك عند تلقيه شكوى سواء من المريض، الطبيب أو العدالة، مؤكدا عدم تلقيهم لأي شكوى من قبل هؤلاء، و مع ذلك فإن المجلس ندد مرارا بمثل هذه الممارسات التي اعتبرها خرقا للقانون.
و قال أن من يأتون من الخارج يجب أن يكون لديهم ترخيص ممارسة من قبل الوصاية، مؤكدا بأنهم يدخلون التراب الجزائري كسياح  لكنهم يجرون عمليات و يتركون المرضى خلفهم دون متابعة مباشرة لهم، و هو ما اعتبره أمرا غير أخلاقي و غير شرعي، لأن مناصب الشغل ، حسبه، من المفروض أن تكون محمية و من حق الأطباء الجزائريين الممارسين داخل الوطن، ما عدا في بعض التخصصات الدقيقة التي تستدعي الاستعانة بالكفاءات الخارجية، لكن في إطار قانوني واضح و اتفاقيات مسبقة و محددة.
البروفيسـور مصطفـى حسانـي (رئيس أطبـاء بمستشفى ابن باديس): عقدة الأجنبي ساهمت فـي رواج الظـاهـرة
أكد البروفيسور حساني الذي سبق له ترؤس المجلس العلمي بالمستشفى الجامعي بقسنطينة  و قبلها مجلس أخلاقيات مهنة الطب، بأن القانون لا يسمح للجراحين الذين يمارسون في الخارج بإجراء عمليات جراحية خارج المؤسسة التي يعملون بها رسميا، ما عدا في إطار اتفاقيات محددة بين عيادتين في تخصصات غير متوفرة و يتم ذلك بعلم من الوصاية و ضمن إجراءات قانونية دقيقة يكون صندوق الضمان الاجتماعي طرفا فيها باعتباره مساهما في دفع مستحقات هؤلاء، و في حال وقوع خطأ طبي يكون المريض محميا و كذلك الطبيب، غير أن ما يحدث بالعيادات الخاصة من خروقات صارخة للقوانين و أخلاقيات مهنة الطب حسبه، يعرّض المريض للخطر، لأن الجرّاح يجري العملية و يرجع ساعات قليلة بعد ذلك إلى بلده لمزاولة نشاطه الرسمي، تاركا وراءه المريض  الذي قد يتعرّض في أي لحظة لمضاعفات و تعقيدات خطيرة، منتقدا طريقة عمل هؤلاء الذين يقومون بثلاث أو أربع عمليات جراحية في اليوم الواحد و يعودون إلى عملهم بالخارج في اليوم الموالي تاركين وراءهم حالات تواجه مصيرها في ظروف غامضة.
البروفيسور  الذي زاول مهنة الطب طيلة أربعين سنة اعتبر حجة بعض الأطباء برد الجميل من خلال عيادات خاصة تأخذ مستحقاتها كاملة من المريض الذي يضطر للاستدانة و بيع كل ما لديه لأجل توفير تكاليف العملية، بالطرق الملتوية مستشهدا بمثل شعبي «لا يوجد قط يصطاد لوجه الله»، و قال أن الطبيب الذي يأخذ عن كل عملية جراحية ما بين ألف أو ألفين أورو لا يمكنه القول بأنه يفعل ذلك لأجل الجزائر و الجزائريين، مشيدا في سياق ذي صلة بكفاءة و مثابرة البروفيسور قيدوم الذي لا زال يتطوّع لإجراء عمليات مهمة بالمستشفيات العمومية رغم تقدم سنه.
و أكد بأن حتى الاتفاقيات التي تمت بين المستشفى الجامعي و مستشفى غرونوبل و ستراسبورغ كانت تحتم على الجراح الجزائري  تجسيد العملية الجراحية للمريض تحت إشراف الطبيب الأجنبي و ليس العكس، لأن الطبيب المحلي مطالب بمتابعة مريضه بعد العملية، مشيرا إلى الشروط المفروضة على الجراحين و التي قال أنها واضحة في كل دول العالم و تحتم تحديد اسم و مكان المؤسسة الاستشفائية و تفرض اعتمادا رسميا للممارسة فيها دون مكان آخر،  و كل ما يجري خارج العيادة التي توظفه رسميا يعتبر غير شرعي حسبه، مضيفا بنبرة تحسّر»العيب فينا، و اللوم يقع علينا، لأنه لولا انهيار السلم الأخلاقي و المهني و الفراغ الذي يعانيه قطاع الصحة من الكفاءات في الكثير من التخصصات الحساسة و بشكل خاص أمراض القلب و طب الأطفال، ما ترك المجال لهؤلاء للقيام بذلك و بطرق ملتوية و غير قانونية، و أردف بأن جلب أطباء من الخارج في تخصصات تتوّفر الجزائر على كفاءات لامعة فيها يعتبر غير أخلاقي و سوء احترام لزملاء المهنة، و منافسة غير شريفة.
و يرى بأن أصحاب المال استغلوا نافذة ضيقة تسمح بالاستعانة بكفاءات من الخارج في تخصصات معيّنة للتحايل على المرضى اليائسين لأجل تحقيق الأرباح، حيث باتوا  يستعينون بمختصين ليسوا أكثر كفاءة من عديد الجراحين الجزائريين حسبه، و يمنحونهم فرص قضاء عطل مع جني المال و العودة إلى بلد إقامتهم دون مراقبة أو متابعة في حال حدوث مشاكل للمرضى الخاضعين للعمليات .  
مديرية الصحة و السكان: لـم نتلـق أي طلـب ترخيـص بالتعاقـد مـع عيـادات أو  أطبــاء أجــانـب
من جهتها أكدت وداد زويد المسؤولة عن المهن و الهياكل الصحية  بمديرية الصحة و السكان بقسنطينة بأن المديرية أرسلت لكل العيادات الخاصة، نسخة من نموذج العقد المطالبين بتقديمه للوصاية في حال قرروا إبرام اتفاقيات و التعاقد مع عيادات أو أطباء أجانب أو جزائريين يمارسون بالخارج و الذي على ضوئه يتم تقديم ترخيص لهم بتجسيد ذلك في إطار قانوني، غير أن المديرية لم تتلق أي طلب من أي عيادة خاصة بهذا الشأن، ما عدا طبيبة تونسية تعمل بعيادة مختصة في التشخيص و ليس في الجراحة، و هو ما يعني أن نشاط هؤلاء يتم بطريقة غير شرعية، مؤكدة بأنه  في حال تأكد ذلك سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة  في حقهم.                          
مريم/ب

الرجوع إلى الأعلى