يهدد خطر الموت رضع المتسولين السوريين بطرقات قسنطينة، أين يترك هؤلاء صغارهم حديثي الولادة في منتصف الطريق، وسط تذمر السائقين الذين يتفاجأون بوجود عربات رضع، مما يصيبهم بهلع، فيسرعون للضغط على المكبح أو القيام بمناورات خطيرة لتفادي دهسهم.
فطرقات قسنطينة الرئيسية تشهد منذ فترة، مظاهر و سلوكات غريبة، لم يسبق تسجيلها أوساط المتسولين الجزائريين، الذين يكتفون بالوقوف أمام أبواب المساجد أو محطات المسافرين و بالشوارع، دون تعريض أنفسهم للخطر، مثلما هو حال المتسولين السوريين الذين يجازفون بأرواح أطفال في عمر الزهور تتراوح أعمارهم بين شهر و خمس سنوات فما فوق، يقفون ساعات الذروة في طرقات تشهد حركة مرور كثيفة و متشابكة أو على حواف الأشرطة الفاصلة بين مسلكين دون مبالاة بصغارهم الذين لا يقدرون بعد الخطر، حيث لا يتوانون عن اللعب و الجري بين السيارات، أو يلهثون وراء بعض المركبات التي ينجحون في استجداء عطف سائقيها، دون الانتباه للسيارات القادمة من الخلف.
مثل هذه المشاهد، باتت جزء لا يتجزأ من ديكور عدد من الطرقات و بشكل خاص بمفترقات طرق المنطقة الصناعية على الجهتين العليا و السفلى، بالإضافة إلى الطريق الرئيسي بحي الدقسي و كذا منحدر الجامعة- جنان الزيتون، أين تقف عشرات العائلات السورية طيلة اليوم، لطلب الصدقات دون كلل أو ملل، حيث حوّل الكثيرون منهم حواجز الطرقات، خاصة العشبية إلى أماكن استرخاء، يجلسون فيها كلما شعروا بالتعب، أو شعروا بالجوع، فهم يأكلون و يتركون وراءهم الأوساخ بما فيها حفاظات الرضع، مما يشوّه محيط المدينة التي تستعد لاستقبال تظاهرة مهمة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، التي ستنطلق بعد أسبوع.
و من الصور المثيرة للقلق أيضا، تلك التي يشهدها الطريق الوطني 5 رقم بالقرب من ملعب الشهيد حملاوي، أين يمرح عدد من أطفال المتسوّلين بالصعود و النزول بسرعة كبيرة على حاجز اسمنتي مائل يفصل بين المسالك المتقاطعة على مستوى هذا الطريق الوطني الرابط بين حي الصفصاف و محطة المسافرين الشرقية.
و كثيرا ما ينصح السائقون هؤلاء بالابتعاد، من الطريق خوفا عليهم من الأذى لكن دون جدوى، حيث يتعمّد هؤلاء السير بين أرتال السيارات، رغم ما تعرفه المدينة هذه الأيام من ازدحام مروري، جرّاء الأشغال و الورشات المفتوحة في كل مكان، الشيء الذي ساهم  في مضاعفة قلق و توتر السائقين أو هذا ما يظهر من خلال ردود أفعال التي يطبعها التذمر الكبير في أوساط الكثير من السائقين.

يلهثن وراء السيارات و يتركن عربات رضعهن على بعد أمتار منهن

و من التصرّفات التي تكررها بعض المتسوّلات اللائي تجرّن عادة عربات رضعهن بين مئات السيارات، لهثهن وراء صدقات المحسنين على متن سيارات يضطر سائقوها لمواصلة السير، لتجنب غضب باقي السائقين المتلهفين لتجاوز نقاط الازدحام الكبيرة و بشكل خاص وسط المدينة، حيث تترك الأمهات رضعهن في عرباتهم بمفردهن و تبتعدن لمسافات طويلة قد تتجاوز 100متر مثلما وقفنا عليه شخصيا أمام خط الترامواي أسفل حي ميموزا و مدخل المنطقة الصناعية بالما، أين حاولنا التحدث إلى إحدى المتسولات السوريات التي لحقت بسيارتنا طلبا للصدقة، لكن ما إن سألناها إذا كانت تعي خطورة ترك رضيعها في منتصف الطريق، خاصة في الفترة الصباحية أين يكون الناس في سباق مع الوقت للوصول إلى أماكن عملهم، فتظاهرت بعدم فهمها ما قلنا و واصلت ترديد عبارة «ساعدونا إحنا إخوانكن من سوريا» و هي ترينا ورقة منسوخة عن جواز سفرها و الذي يحمل صور خمسة أبنائها الصغار و الذي لمحنا بعضهم في الطريق المؤدي إلى حي خميستي أمام قصر الثقافة مالك حداد.
و قال عدد من السائقين الذين أبدوا تذمرا كبيرا من الظاهرة و تساءلوا عن تأخر السلطات في اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حد لها، حيث أسر أحد المواطنين، أنه كاد يدهس طفلة على معبر صغير بين الجامعة و جنان الزيتون حيث كانت جالسة على حافة الرصيف و رجليها ممدتين، لولا تنبه زوجته التي كانت تجلس بالمقعد الخلفي.
و ذكر آخر بأن طفل كان يبيع المناديل الورقية و اصطدم بسيارته و لحسن الحظ أن الحادث كان خفيفا، لأنه كان يقود سيارته بسرعة منخفضة، مردفا بأنه لم يعد يتعاطف معهم، بل يرى في سلوكاتهم، نوعا من الابتزاز  على حد تعبيره.
و أشار آخر إلى تقليد المتسولين الذين يطلق عليهم اسم «بني عداس» لطريقة استجداء عطف مستعملي الطرقات السريعة و الرئيسية، و الظاهرة مسجلة بشكل ملفت بالطريق الرابط بين حي بوالصوف و زواغي سليمان.  
و في  صورة مشابهة و لا تقل خطوة عن الأولى يقوم أحد المتسولين بحي الدقسي بدفع كرسي متحرّك لشاب معاق بين السيارات المتجهة نحو سيدي مبروك العلوي أو واد الحد، و هو ما يعيق في كثير من الأحيان الحركة، لاضطرار السائقين إلى تخفيض السرعة، حتى لا يعرّضون حياة هؤلاء للخطر.
مريم/ ب

الرجوع إلى الأعلى