تعيش السيدة صباح سميرة، وهي أرملة تعيل ابنا معاقا و ثلاث فتيات، ظروفا اجتماعية قاهرة بعدما حرمتها الحياة من كل شيء و لم تترك لها سوى قوة الإيمان و الصبر في انتظار فرج قريب، يخرجها من الكوخ الذي دفنت فيه لسنوات، رفقة أبنائها الذين تدهورت حالتهم الصحية، لأنهم يعيشون فوق قنوات الصرف الصحي بحي سيساوي بقسنطينة.
روائح لا يمكن لبشر تحملها، نفايات، قذارة ، جرذان و حشرات، تحيط بكوخ صباح الذي يوجد أسفل منحدر تصب فيه قنوات الصرف الصحي بالتوسع الفوضوي بوضياف العلوي، على بعد أمتار قليلة من خط السكة الحديدية الذي يجتاز حي سيساوي، وصولنا إليه كان صعبا جدا و خطيرا، فالكوخ معلق على حافة المنحدر بني على قاعدة قصديرية، يمتد جزء منها ليربط بين ضفتي واد ملوث تصب فيه مياه الصرف، وأي خطوة غير محسوبة قد تنتهي بمستخدم هذا الممر أسفل الوادي الذي تحول لونه إلى الأسود من فرط القذارة، وهو منظر قد يعد مقبولا ، مقارنة بالرائحة المنبعثة من المكان وهي رائحة العفن التي تسببت في إصابة الأرملة وبناتها الثلاث بالحساسية و الأمراض الصدرية.

إلى الآن لم تكتمل الصورة المأساوية، فبمجرد أن ينتهي الممر المتآكل والصدئ، تجد نفسك أمام باب حديدي لكوخ معلق، يتأرجح ساكنوه على حبال المعاناة و الأمل في الترحيل الذي طال انتظاره، خصوصا وأن صباح تملك ملفا اجتماعيا يزيد عمره عن 25 سنة، لم يتم البت فيه إلى غاية اليوم، رغم أن العديد من لجان السكن زارتها خلال الأربع سنوات الأخيرة، مع ذلك تضطر في كل مرة للانتظار أو الطعن أو تدعيم الملف دون نتيجة تذكر، رغم أن وضعها كارثي و يعتبر تخليصها منه أولوية حيوية، خصوصا وأنها أرملة فقدت زوجها قبل خمس سنوات، وهي مسؤولة عن إعالة ابن معاق ذهنيا في 24 من عمره ، بالإضافة إلى ثلاث فتيات تحدين ظروفهن ونجحن في الالتحاق بالجامعة.
عائلة من أربعة أفراد تعيش على مليون سنتيم
وضعية محدثتنا جد حرجة، فالمنزل أو بالأحرى الكوخ الذي تسكنه متداعيا، سقفه من الصفيح و شرائط البلاستيك و جدرانه بدائية، يتكون من غرفتين يستحيل فتح نوافذهما صيفا بسبب رائحة العفن و الحشرات، أما شتاء فالمكان يتحول إلى بركة يستحيل العيش فيها، مع ذلك فإن الأرملة و أبناءها يتحملون الوضع لغياب البدائل و يضطرون شهريا لدفع مبلغ 8 آلاف دج لصاحب الكوخ كثمن للإيجار، بالرغم من أن المنحة التي تركها زوجها لا تتعدى 11 ألف دج، تنفقها على الإيجار و الطعام، علما بأن صاحب الكوخ يزودها بالمياه عن طريق صنبور من منزله، كما منحها خط كهرباء من محوله الخاص.
خلال تواجدنا في الكوخ، لاحظنا بأنه مفتوح على مصراعيه و جدرانه لا يمكن أن توفر لا الحماية و لا الخصوصية لساكنيه، وقد أوضحت لنا الأرملة بأن الجرذان تعيش مع العائلة تقريبا ، وكثيرا ما تقتحم الغرفة التي ينامون فيها ما يؤثر سلبا على نفسية بناتها، ويسبب نوبات هلع و هستيريا لوليد الذي يعاني من إعاقة ذهنية، بالإضافة إلى مرض الكساح الذي لازمه منذ الصغر و جعله يتحرك  بصعوبة، و قد سقط مؤخرا وهو يحاول الوقوف و أصيب بكسر في أحد ساقيه، ما فرض عبئا ماليا إضافيا على العائلة، بسبب غلاء الأدوية و صعوبة نقله دوريا إلى المستشفى من أجل الكشف.
رغم ظروفها القاهرة و غير الإنسانية، و افتقار كوخها لأدنى ضروريات العيش بما في ذلك الأفرشة و الأغطية بسبب الفقر و العوز، إلا أن السيدة صباح نجحت في تربية و تعليم بناتها و إدخالهن الجامعة، لكنها لم تتمكن بالمقابل من حمايتهن من المرض، فقد أصبن بالحساسية و بعض الأمراض التنفسية و الصدرية بسبب قنوات الصرف الصحي التي يعيشن فوقها، الأمر الذي ضاعف من مشاكل العائلة المادية بسبب تكاليف العلاج و الأدوية التي تضاف الى تكاليف التمدرس و العيش، أما اللباس والأثاث فهي كماليات بالنسبة للأرملة و أبنائها.
وتناشد صباح السلطات الولائية التدخل العاجل لانتشالها من المكب الذي تسكنه، خصوصا وأنها تنتظر الترحيل منذ سنة1992، إذ وضعت عددا من ملفات طلب السكن الاجتماعي، لكنها إلى غاية اليوم لم تحظ بأية التفاتة جادة تسمح لها بالعيش بكرامة هي و أبنائها، مشيرة إلى أنها إنسانة بسيطة لا تجيد الدفاع حتى عن حقوقها، كما أن ظروف ابنها الصحية تحول دون تنقلها المستمر إلى مقر الولاية أو الدائرة لمعرفة مستجدات الترحيل، فمن المستحيل أن تتركه بمفرده   و اصطحابه معها عبئا لا يمكنها تحمله.                             
هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى