حيـــاة صعبــة بقـرى صالـح دراجـــــي
تُعرف ضواحي صالح دراجي التابعة إداريا لبلدية الخروب بولاية قسنطينة، بجودة إنتاج الحبوب خاصَّة القمح والشعير وتربية المواشي، والفلاحة عموما، غير أنَّ مجموع المشاتي المترامية بالحي على غرار «فيرمة» حماني وبن تليس وبن قانة، تشهد نقصا واضحا في المنشآت والخدمات، وتحديدا الغاز الطبيعي وشبكة تصريف المياه القذرة وتعبيد الطريق.
روبورتاج: فاتح خرفوشي
وتوارث قاطنو المشاتي المذكورة، خاصة حماني وبن تليس، الأراضي عن أجدادهم، كما ورثوا عنهم الاهتمام بالأرض وتربية الأغنام والأبقار وبعض الزراعات المعاشية، وهذا منذ القرن الماضي، ولكنَّ عدم توفُّر ضروريات العيش الكريم حال دون استقرار السكان بالشكل المطلوب، حيث هجر معظمهم هذه المناطق وبقيت قاحلة، فيما يقوم البعض الآخر بكرائها في أحسن الأحوال ، غير أنَّ العائلات وعددها حوالي 15 بفيرمة حماني ونفس العدد تقريبا في كل من بن تليس وبن قانة، مُجتمعتَين، تريد تهيئة المشاتي للاستقرار وتمدرس أبنائها بالشكل المطلوب، والاستمرار في خلق الثروة.
«فرود» بـ 500 دج لجلب قارورات الغاز
بدءا بالخدمات الموضوعة على رأس قائمة  الاحتياجات بفيرمة حماني وبن تليس، فإنَّ الغاز الطبيعي يعدُّ ذا أهمية قصوى نظرا للبرد القارس بالمنطقة، خريفا و شتاء، ما يجعل العيش داخل أكواخ قديمة ودون تدفئة صعبا ، وحسب جمال، و هو أحد سكان فيرمة حماني، فإنَّ مؤسسة «سونلغاز» قامت بزيارة لهم للنظر في إمكانية تجسيد مشروع مدَّ الغاز للجهة، لكنَّها اصطدمت بمشكل عدم وجود شبكة الصرف الصحي، في حين لا تبعد أقرب نقطة مزوَّدة بهذه المادة عن المشاتي الثلاث ، سوى ببضعة عشرات من الأمتار ، على مستوى قرية «سنصال» أو عين الغدى.
من جهة أخرى، تضطرُّ العائلات لاقتناء غاز البوتان من وسط مدينة الخروب، وتحديدا من إحدى المحطات التي تبعد عنها بعدة كيلومترات، وأمام سوء الأحوال الجوية واهتراء أجزاء بالطريق المؤدية إلى المكان، يستحيل إيجاد ناقل في ظروف مماثلة، وإن وجد، فإنَّ كلفة نقل بضعة قارورات لن تقلَّ عن 500 دج، وهو مبلغ باهظ يطالب السكان بإزالة عبئه عنهم، من خلال تحديد شركة «نفطال»، ليوم أو اثنين بالأسبوع،  لإيصال  قارورات غاز البوتان إلى القرى والمشاتي المذكورة.
«عليلو».. طفل أرغم على ترك مقاعد الدراسة
إلى جانب انعدام الغاز الطبيعي بمزرعة حماني وبن تليس، فإنّ العائلات تضطر لتصريف المياه القذرة من البيوت في الطبيعة، لعدم وجود شبكة مياه الصرف الصحي، حيث تمتدُّ الأنابيب القادمة من المنازل نحو العراء، وتنتشر الروائح الكريهة بمجرد الاقتراب منها، وهو ما يتهدُّد صحة الساكنين بالأوبئة والأمراض خاصة الأطفال الصغار، دون نسيان الحيوانات الأليفة التي ترعى بالقرب من القاذورات.
وذكر ساكنو المشاتي المذكورة، أنهم قاموا بمراسلة رئيس المجلس الشعبي البلدي، بوراس بوبكر الصديق، وكذا بالالتقاء برئيس الدائرة مرارا، ومؤخرا جلس أحد المواطنين إلى طاولة رئيس المجلس الشعبي الولائي، حسب تصريحاته، دون إجابة، ليتمَّ إبراق مراسلة إلى والي الولاية،
عبد السميع سعيدون، للحديث عن مشاكل مزرعة حمَّاني وبن تليس وبن قانة، وتزويدها في القريب العاجل بخدمة الغاز الطبيعي ومدِّ قنوات الصرف الصحّي، وتعبيد أجزاء من الطريق المهترئة نحو التجمعات الثلاثة.
وانعكست الظروف الصعبة على حياة أطفال المنطقة، خاصة، وتحديدا المتمدرسين، فقد صادفنا في الطريق طفلا لم يتجاوز الـ 13 عاما، يدعى «عليلو»، حيث أخبرنا بلهجة شاب جاوز العقد الثاني من العمر، أنه ترك مقاعد الدراسة في سنٍّ مبكرة بسبب الفقر وبُعْد المدارس و كذلك صعوبة التنقل إليها بصالح دراجي والخروب، مؤكّدا أنَّه يعمل في رعي البقر، ولديه قطعة أرض يغرسها من حين لآخر وفق موسم الفلاحة، بصلا، أو بما جادت به البسيطة، كزراعة معاشية لتوفير بعض الحاجيات لعائلته.
مزرعة حماني.. مثوى الشهيد صالح دراجي
لا يعلم الكثيرون برمزية مزرعة حماني وبن تليس بولاية قسنطينة إبَّان الثَّورة التحريرية، حيث كانت مركزا منيعا وحصنا من حصون مجاهدي الجهة، الذين كبَّدوا المستعمر الغاشم خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، وصدِّوا اعتداءاتهم المتكرّرة على المواطنين العُزَّل القاطنين بالجهة والمشاتي المبعثرة هنا وهناك، ويحكي لنا مرافقنا كيف كان الشهيد صالح درَّاجي، الذي تحمل المنطقة اليوم اسمه، يأتي رفقة ثلَّةٍ من المجاهدين إلى منازل عائلته، للأكل والنوم، والاحتماء حتى من المستدمر.
وقادنا مرافقونا إلى بيت يضم غرفا مهترئة بفعل الزمن، مشيرين إلى أنَّها كانت مكان تجمع المجاهدين وقت ثورة التحرير، وحتى الاسطبلات كانت تستعمل للتمويه وإخفاء الأسلحة، وابتعاد مجاهدي الجهة عن أعين العسكر الذين قاموا وقتها بعمليات تفتيش مفاجئة، ومنهم الشهيد صالح دراجي، الذي سقط في ميدان الشرف بعد معركة حامية وغير متكافئة الطرفين، ضدَّ العتاد الحربي الثقيل ومئات الجنود الفرنسيين، حيث نُقل من إحدى الجبال المجاورة، ووضع جثمانه الطاهر بحوش حمَّاني، أين ألقت عليه عائلته النظرة الأخيرة قبل تشييعه.
المكلف بالتهيئة ببلدية الخروب سليم أوشتاتي
فتحنا المسالك وأودعنا طلب فيرمة حماني بمديرية الطاقة
حاولنا التقرب من مسؤولي المجلس الشعبي البلدي بالخروب، لمعرفة مدى تسجيل برامج تخصُّ المزارع المذكورة، ورفع الغبن عن الساَّكنة، حيث أجابنا المكلَّف بالتهيئة والتعمير والفلاحة، سليم أوشتاتي، بعد إطّلاعه على ملفات المشاتي الثلاث، رفقة مختلف المصالح المعنيّة، بأنَّ مزرعة حماني استفادت من البناء الريفي وفتح المسالك، والكهرباء الريفية، فيما قدِّم ملف لربطها بالغاز لمديرية الطاقة والمناجم، مع الأخذ بعين الاعتبار تعداد الساكنة والمخطَّط الخاص بالمنازل، لإجراء دراسة وتجسيد المشروع في القريب العاجل، على أنْ يسبقه إنجاز شبكة الصرف الصحي غير المشيدة في الوقت الراهن.
أما فيما يتعلق بمزرعتي بن تليس وبن قانة، فردَّ أوشتاتي بشأنها «الأولى تضمُّ ساكنا واحدا وأبناءه، استفادوا من العمليات العادية في فتح المسالك والكهرباء الريفية، ونعلم بعدم وجود شبكة تصريف المياه القذرة والغاز»، ليضيف بأن هذا الأمر مرتبط أساسا بتعداد قاطني التجمُّعات.                  ف.خ

الرجوع إلى الأعلى