سكـــان عنابــة يطالبــون بتدخــل عاجــل لإنقــاذ "عــروس الساحــات"

ساحة الثورة الفضاء الوحيد الذي لا يزال يحافظ على عراقة مدينة عنابة ويعبر على « أناقة بونة « . الساحة بدأت تفقد بريقها شيئا فشيئا ، بسبب الإهمال الذي طال أكثر الفضاءات إستقطابا للزوار خاصة في الصيف.  ساحة الثورة أو ما يصطلح على تسميتها ب « الكور» هي المعلم الأبرز في عروس الشطآن .عاصرت جميع الأحداث والفعاليات التي تبرز بين الفينة والأخرى .
إحتضنت أفراح وأحزان الجزائر. غداة الثورة التحريرية المظفرة ، كانت شاهدة على إحتفالات الجزائريين بالإستقلال . وصولا إلى الإحتفالات المميزة التي شهدها « الكور» في إنتصارات المنتخب الوطني، إلى جانب العديد من الفعاليات والتظاهرات.
القلب النابض للمدينة الذي صمم وفق هندسة جمالية رائعة ، جمعت بين خضرة الأشجار والنباتات . طراز معماري جميل وجذاب .هي أجمل الساحات وأقدمها وأكثرها صلة بالتاريخ والعراقة كما يردد العنانبة .  يعود تاريخ إنجاز « الكور» إلى سنوات 1800 و أطلق عليها إسم «الساحة الوطنية « بداية من شهر أفريل 1907 . ثم  تحولت إلى ساحة «برتقنا» إلى غاية عام 1962 ، نسبة إلى اسم رئيس بلدية عنابة « بون» سابقا  «جوروم برتقنا «. بعد الإستقلال و إلى غاية يومنا هذا أصبحت تسمى بساحة الثورة . شهدت عدة أحداث إبان الثورة التحريرية وكذا تنفيذ عمليات ضد المستعمر، حسب روايات و شهادات كتاب ومؤرخين.

موقع يتوسط كامل المرافق والإدارات ويطل على الميناء

ساحة الثورة لا تعد فضاء مميزا للترفيه و التنزه والمواعيد والتلاقي فقط، فموقعها إستراتيجي يتوسط مرافق عمومية و خدماتية هامة ، وحتى ترفيهية . قربها من مقر البلدية ، والبنوك ، ومركز البريد، وإتصالات الجزائر، والمحكمة، ومقر الولاية، ودار المالية، ومحطة القطار، وحافلات النقل الحضري ،والفنادق ، وغيرها من المرافق... يشعرالزائر بالراحة لقضاء حاجياته بسرعة وبدون بذل أي جهد.
« الكور» يقع بأسفل  المدينة العتيقة « بلاص دارم»، التي تنفرد بأعمدتها المنحوتة على الرخام . لتفتح بذلك ممرات للترجل، بين البنايات العتيقة، التي يتوسطها المسرح الجهوي ،الذي دشّن سنة 1836 وأعيد بناؤه سنة1954 . يجاوره نزل الشرق الذي يعود تاريخ بنائه إلى سنة 1888 وهو قيد الترميم حاليا من قبل مالكيه . إلى جانب المعلم البارز الذي كان يأخذ مساحة معتبرة من ساحة الثورة وهو « الكاتدرائية « التي شيدها المسيحيون إبان الحكم الفرنسي وثم تهديمها بعد الإستقلال . تحولت الآن إلى أكشاك ومقاه مهملة قبالة محكمة عنابة.  

« الكور» موعد يومي لكل العنانبة والزوار

ساحة الثورة فضاء له خصوصية تجذب زوار مدينة عنابة، بحثا عن الترفيه ، والترويح عن النفس، وسط خضرة الأشجار ونسمات البحر  الذي يبعد عنها بأمتار. إلى جانب التصميم المعماري الذي يحيط به، ويكتمل الجلوس فيها بما تقدمه المقاهي من مختلف المشروبات و المثلجات . كما تعد فضاء للقاء الأصدقاء والعائلات .  يجد فيها الأطفال فرصا للعب ، والتعرف على بعض أنواع الحيوانات التي تعرض خاصة في الأعياد . كبار السن خاصة المتقاعدين منهم يجددون يوميا وكل صباح متعة شرب القهوة وتصفح الجرائد  اليومية . بات هذا المكان جزءا من عادات سكان عنابة ، ممن ترسخ المكان في ذاكرتهم. وأهم ما يميز ساحة الثورة أنها تحتوي على أغلب الأمور الضرورية التي يحتاجها الزائر.

يحتضن الأفراح والمهرجانات وله خصوصية في الأعياد الدينية

تعتبر ساحة الثورة الوجهة الأول والمفضلة للعنابيين، للتعبير عن فرحتهم بالمناسبات الوطنية والدينية والإحتفال بإنتصارات المنتخب الوطني.  حيث تقام فيها الأفراح برفع الرايات الوطنية وتنظيم السهرات الفنية .وكذلك في الإحتجاجات المهنية والإجتماعية . يعيش « الكور» دائما أجواء إستثنائية عندما يتعلق الأمر بالفريق الوطني حيث تغلق جميع الطرق المؤدية إليه ، بخروج العائلات والأطفال في حشود تملأ الساحة إحتفالا بفوز المنتخب الوطني . كان الحدث بارزا أكثر خلال تأهل رفقاء عنتر يحي، على حساب منتخب مصر في المباراة الفاصلة في أم درمان لنهائيات كأس العالم. كما تحتضن ساحة الثورة مهرجانات ومنافسات، كان آخرها جعلها نقطة إنطلاق سباقات البطولة العربية للدراجات الهوائية .الأطفال يجدون فيها الفضاء المفضل، للعب والإحتفال بالمناسبات الدينية كعيدي الفطر والأضحى.
نكهة سهرات رمضان مميزة
ويصنع « الكور» أحلى السهرات الرمضانية كل عام . إذ يشهد إقبالا واسعا للعائلات التي تفضل الجلوس في هذه الساحة المحاذية للميناء لإرتشاف كؤوس القهوة والشاي و تناول مختلف أنواع المثلجات، خاصة (الكريبوني) ، الذي يتميز بصناعته مقهى « الدب القطبي» المعروفة باسم صاحبها المرحوم « بالرابح» والتي تعدت شهرته حدود عنابة والجزائر ككل. و يقضي أهالي بونة ساعات طويلة في «الكور» من أجل التمتع بنسمات البحر، هروبا من لفح الحرارة و الرطوبة بالمنازل صيفا . تزينه الفوانيس والمصابيح بمختلف أشكالها وألوانها . ما يوحي للزائر أنه في فضاء من نوع خاص. ويفضل زوار ساحة الثورة، خاصة من المغتربين  السهر هناك حتى وقت السحور في ظل  توفر عامل الأمن .

الترخيص لأصحاب الأكشاك للقيام بالتوسعة شوه وجه « الكور «

رغم هذه المميزات ، إلا ان كثيرا من رواد الساحة وزوارها العابرين منزعجون ليس فقط من تدهور الأرضية والترصيف والزبالة ، ولكن هم منزعجون أيضا من رداءة الخدمات المقدمة في المقاهي وحوانيت بيع المثلجات ، سواء من حيث الإستقبال أومن نوعية الخدمة المقدمة . إهمال ملحوظ يدفع إلى التساؤل عن أسباب عزوف مالكيها عن تجديدها وتحسين الخدمات ؟ . هل يتطلب مثلا تغيير الكراسي وتجديدها وتنظيف الطاولات أو شراء أخرى جديدة أموال قارون ؟ . ثم لماذا لا تعطى عناية أخرى للأشجار المحيطة بها من صقل ورعاية ؟ . أموركثيرة بحاجة إلى تدخل المسؤولين لتحسين الوضع . كلها ستسهم في توفير راحة المواطنين والزوار والمصطافين . «إجتهاد «مصالح البلدية في منح تراخيص لأصحاب الأكشاك للقيام بتوسعتها ،تسببت في تشويه المنظر الجمالي ل» الكور» لعدم مطابقة الأشغال للمعايير المعمول بها في تزيين واجهاتها.  أصبح منظرها مقرفا . تمنى الجميع لو بقيت على حالها ولم تمسها التوسعة.  
يعاب على المسؤولين عدم وضع مرحاض عمومي بأحد زوايا ساحة الثورة . يضطر العديد من الزوار إلى البحث عن مرحاض في المقاهي الموجودة بالمدينة القديمة .  وأصبحت حركة السير بها أيضا هاجسا كبيرا لزوار هذا الفضاء.

رفع أسعار المشروبات والمثلجات يصدم الزوار والمصطافين

رغم تدني الخدمات بمقاهي ساحة الثورة ، إلا إن أصحاب هذه القاعات والأكشاك رفعوا أسعار المشروبات والمثلجات بشكل مفاجئ صدم المصطافين وزوار المدينة . خلف هذا الإجراء إستياء كبيرا لدى الزبائن .  الأسعار إرتفعت تقريبا  بنحو 40 بالمائة.
مقاهي ساحة الثورة طبقت أسعارا جديدة  بعد عيد الفطر المبارك مباشرة . حيث إرتفع سعر القهوة والشاي من 30 إلى 50 دج . كما إرتفعت أسعار العصائر من 80 إلى 150 دج . فيما بلغت الزيادة بالنسبة للمثلجات 50 دج . هذا الإرتفاع الملحوظ في الأسعار لقي إستياء لدى مرتادي هذه المقاهي لأنه غير مبرر حسب الزبائن مقارنة مع نوع الخدمة المقدمة . سيما أن هذه الأسعارالمطبقة في الساحة مرتفعة مع ما هو مطبق في المقاهي المجاورة ( في المدينة القديمة وغيرها ) . في ذات السياق أوضح عمي أحمد في لقائه بالنصر في ساحة الثورة: « أنا لم أفهم سر هذه الزيادة المبالغ فيها . أمر يستدعي تدخل المصالح المعنية لأن هذا الفضاء يقصده جميع العنابيين خاصة المتقاعدين والعائلات «. وأضاف مواطن آخر: « الأجدر بأصحاب المقاهي خفض الأسعار وليس رفعها ، لأنهم يستغلون أكشاك تابعة للبلدية ويدفعون ثمن كراء رمزي . في حين يتحدث أصحاب المقاهي عن إرتفاع سعر البن والشاي وغيرهما من المنبهات والمنشطات والمشروبات .
في حديثنا مع صاحب مقهى عن سبب رفع الأسعار والتوقف عن تقديم القوة والشاي صباحا ، قال :» الزيادة في الأسعار كانت نتيجة إرتفاع بعض المواد الأولية، إضافة إلى رفع أجور العمال. بالنسبة للتوقف عن تقديم القهوة ، نحن نفضل بيع المشروبات والمثلجات لأنها تحقق لنا أرباحا أكبر ولا تكلفنا أي جهد في إعدادها «.
للإستفسار عن هذا الأمر إقتربنا من مصالح مديرية التجارة، حيث أكد لنا مصدر مسؤول بمصالح الممارسات التجارية وقمع الغش، بأن هذه الممارسات مرفوضة وغير قانونية . السجل التجاري الذي يحوز عليه أصحاب مقاهي ساحة الثورة، يسمح ببيع جميع المشروبات والمرطبات بدون إستثناء . في حال تغيير طبيعة المواد المقدمة يتطلب تغيير، رقم النشاط المصرح به لدى مصالح المركز الوطني لسجل التجاري.

الشرطة تطهر «الكور» من المنحرفين والسراق

 إستجابت مصالح الشرطة بولاية عنابة منذ فترة لطلب مصالح بلدية عنابة، والمجتمع المدني، بتطهير ساحة الثورة من مظاهر الإنحرافات والفساد كتعاطي المشروبات الكحولية أمام المارة ، بسبب ما نتج عن ذلك من تشويه للمحيط والوجه العام للمدينة . سيما وأن « الكور» يستقطب الآلاف من الزوار القادمين من مختلف الولايات ، وكانت لجنة البيئة والمحيط بالمجلس الشعبي البلدي قد رفعت تقريرا لرئاسة المجلس تتحدث فيه عن تزايد مخيف لمثل هذه المظاهر بمختلف الساحات العمومية الواقعة بإقليم بلدية عنابة على رأسها ساحة الثورة التي باتت مقصدا للفتيات المنحرفات ، بألبسة خادشة للحياء وتصرفات طائشة تسببت في هجران الساحة من قبل العائلات التي كانت ترتادها.
 دفع ذلك مصالح البلدية إلى طلب تدخل رسمي من مصالح الشرطة داعية إياها إلى مساعدتها في محاربة هذه الظاهرة المقلقة التي شوهت المنظر العام بوسط المدينة . طبقا للتحفظات المرفوعة من قبل لجنة البيئة والمحيط . حققت دوريات الشرطة نتائج ملموسة في محاربة المظاهر الخادشة للحياء بالأماكن العامة.

إلغاء مشروع الترامواي يحرم ساحة الثورة من التهيئة

قضية إلغاء أو تجميد مشروع ترامواي عنابة ألقت بظلالها على ساحة الثورة وحرمتها من مشروع التهيئة التي كانت ستستفيد منه في إطار تغيير الوجه الجمالي ل» الكور»، تماشيا مع مرور خط سكة الترامواي عبر القلب النابض للمدينة، ليصبح في أبهى حلة . الدراسة تضمنت إعادة الإعتبار لبلاط الأرضية ، و غرس الأشجار، وتهديم الأكشاك التي تتوسط الساحة المقابلة لمحكمة عنابة، وإستبدالها بنافورة وفضاء لجلوس الزوار. وإستنادا لتصريح سابق لمديرة النقل لولاية عنابة ، تم رصد مبلغ مالي ضخم لإعادة تهيئة ساحة الثورة ، وفقا لتوصيات الوزارة لتفادي الأخطاء التي تم الوقوع فيها بولايات أخرى . لذلك فقد تقررإنجاز مشاريع تهيئة مرافقة لمسار الترامواي، وكان من المنتظر إسناد عملية تهيئة « الكور « حسب ذات المصدر، لشركات مختصة في التهيئة الخارجية، بهدف ضمان النوعية والسرعة في الإنجاز، ليبقى «الكور» يراوح مكانه ويذهب مشروع تهيئته بذهاب مشروع الترامواي.
فشل إستنساخ  كور مماثل بالبوني و آخر بحي سيدي عاشور
تجربة إنجاز «الكور» بوسط مدينة عنابة، تجربة فريدة يصعب إستنساخها فيما يبدو لتلائمها مع الهندسة المعمارية للمكان وموقعها الإستراتيجي القريب من البحر وغيرها من الميزات . السلطات قامت بتشييد « كور» مماثل وسط مدينة البوني إستغرق إنجازه 7 سنوات ولم يفتتح لحد الآن، و هو بعيد عن مواصفات ساحة الثورة من جميع النواحي.
 نفس التجربة كررت بحي بوخضرة 3 ، مقابل القطب الجامعي البوني و حي سيدي عاشور. أشغال التبليط إنتهت والأشجار والمساحات الخضراء لم تزرع . و يعاب على المهندسين المعماريين ومكاتب الدراسات إنجاز تجمعات سكنية دون إعطاء الإهتمام الكافي لفضاءات الفسحة والترفيه، فتتحول هذه الأقطاب العمرانية إلى مراقد للنوم فقط . ما يجعل الأحياء الجديدة دون روح ، ودون واجهة عمرانية تعبّر عن الأصالة والحداثة.        

روبورتاج / حسين دريدح

الرجوع إلى الأعلى