مرسط مدينة في ثوب قرية لا مكان فيها لمعالم التمدن
تبدو بلدية مرسط الحدودية وكأنها هاربة من زمن غابر لا مكان فيه لمعالم التمدن رغم كونها بلدة قديمة وتاريخية يعود تاريخ نشأتها كمدينة إلى أكثر من قرن ، فمشاهد التدهور و انعدام التهيئة جعلتها في صورة قرية بائسة وشبه مهجورة، يقاوم سكانها للتغلب على الجفاف وظروف الحياة الصعبة في منطقة تفتقر لأبسط متطلبات الحياة .
تعد بلدية مرسط من بين أقدم بلديات ولاية تبسة والشرق الجزائري، إذ يعود إنشاؤها إلى 131 عاما خلت، أين قام المستعمر الفرنسي سنة 1884 باستحداثها كبلدية تحت مسمى- بلدية مرسط المختلطة – التى ينضوي تحتها جزء من سكان بلديات الشمال التبسي، فضلا عن مسكيانة بولاية أم البواقي حاليا، والزائر لمرسط لأول مرة يخالها بلدية حديثة النشأة، ولا يتصور أنها عريقة وموغلة في القدم، وذلك لانعدام التهيئة الحضرية بها، وافتقارها لعدد من المرافق، وقلة ساكنيها مقارنة ببلديات أخرى جاءت بعدها.
 ويراهن سكانها على كل ما هو آت لإسعاف مدينتهم وإخراجها من حالة الترهل والشيخوخة إلى فضاء التنمية المستدامة، بالرغم من إقرارهم أن قطار التنمية لا يقاس بتاريخ الإنشاء وأن العبرة بما تم إنجازه من بنى تحتية وما تجسد على أرض الواقع.
تقع بلدة مرسط – 30 كلم إلى الشمال من تبسة – ولا يفصلها عن الحدود التونسية سوى 32 كلم، فيما يقدر تعداد سكانها بأزيد من 17 ألف ساكن يعيشون في مناطق شاسعة بمساحة إجمالية تقارب 296 كلم مربع، وبهذه البلدية شواهد وآثار رومانية وتاريخية مهمة، وذاكرتها حبلى بعدة زوايا كزاويتي سيدي عبد الله وسيدي خالد وهما الزاويتان اللتان ساهمتا في تكوين النشء الذي تصدى للإستعمار الفرنسي إبان ثورة التحرير.
وتحتفظ ذاكرة سكان المنطقة بمعارك طاحنة ومواجهات مفتوحة لعل، أشهرها معركتي الحوض و المزوزية، وأنجبت هذه البلدية علماء كالعلامة الطيب باشا الذي سبق له أن شغل قاضي القضاة بتونس، كما ينتسب لها أبطال أشاوس على غرار هوام الشافعي وعشي خليل و مناصرية الحفناوي و عبايدية محمد بن خريف.
 وتشير المصادر المتواترة إلى أن كلمة – مرسط – اشتقت من كلمة مرصد بالنظر لموقعها الذي يسمح لها بمراقبة ورصد تحركات الأعداء وقد أسست عام 557 م على يد الرومان وتم فتحها من طرف أبي مهاجر بن أبي دينار بعد ذلك.
العطش يطارد السكان
يرتب سكان هذه البلدية مشكلتي المياه والكهرباء على رأس انشغالاتهم اليومية، ويؤكدون أن رحلة معاناتهم مع  عنصر الحياة قد طال أمدها نتيجة التذبذب الحاصل في توزيع المياه، وقد انعكست تلك الحالة على الكمية الموجهة إليهم وإلى مواشيهم بالمناطق الريفية، ويلتمس السكان من الجهات المعنية اتخاذ تدابير إستعجالية لمعالجة هذا الإشكال وربط مختلف المشاتي بالكهرباء الريفية لتطوير القطاع وخلق التنمية، ويضم رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية مرسط مصطفى بكاي من جهته صوته لأصوات المواطنين للإسراع في ربط تلك الفضاءات ودراسة ملفات الامتياز المودعة لدى مصالح مديرية الفلاحة.
وفي رده على الانشغال المتعلق بالمياه اعترف مدير الري بتراجع الكميات الموجهة للمواطنين، مرجعا ذلك إلى مواسم الجفاف المتتالية التي أطبقت على الجهة وغور المياه الجوفية التي تبقى المصدر الوحيد الممون للبلدية في غياب السدود، بحيث انخفض منسوب 3 آبار ولم تعد طاقتها تنتج أكثر من 20 لترا في الثانية، كما لم يغير دخول 3 آبار آخرى بطاقة 10 لتر في الثانية حسب المصدر ذاته من المعادلة، ليتم الاستنجاد بمياه سد عين الدالية بسوق أهراس لتموين مرسط وعدد من البلديات، غير أن الحصة الموجهة لتبسة وما جاورها والتي لا تتعدى 7000 لتر في الثانية باتت لا تفي بالغرض، ووعد والي تبسة علي بوقرة أثناء زيارته لمرسط برفع مقترح مضاعفة الحصة الموجهة للولاية عموميا إلى الجهات المركزية، و سيتدعم القطاع ببئر عميقة أنجزت ببلدية بئر الذهب المجاورة وببئرين جديدين سيتم تسجيلهما في البرنامج الجديد، كما تراهن السلطات المحلية على الشبكة الداخلية الناقلة للمياه التي تم تنصيبها وهو ما سيقلل من حجم التسربات وضياع المياه.
أما بالنسبة للكهرباء فقد استفادت البلدية من بعض المراكز المحسنة لنوعية التوتر في إطار تحسين الخدمة الموجهة للزبائن، كما تم إحصاء جميع المناطق الريفية التي تفتقر للكهرباء وعددها 11 منطقة بحاجة للربط بشبكة الكهرباء، كتجمع الفوارة والمارة وغار الطين وغيرها، وفي المقابل تم كذلك ربط أغلب مساكن المدينة بشبكة الغاز الطبيعي باستثناء بعض المساكن المتناثرة هنا وهناك والتي أرسلت بشأنها البلدية مراسلة لمديرية الطاقة والمناجم.
صراع مع الطبيعة لتطوير الفلاحة
يبقى المشهد الفلاحي بهذه البلدية تسيطر عليه زراعة الحبوب المرتبطة بالعوامل المناخية، وتتوقع الدراسات المستقبلية أن تكون مرسط قطبا فلاحيا في أفق عام 2030، وتحصي المصالح المعنية  بهذه البلدية 15919 هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، وتقارب المساحة الغابية 5500 هكتار، فيما لا تتعدى المساحة المخصصة للرعي 3500 هكتار، وتتوفر البلدية على 107 جرارات و27 حاصدة، ورغم الجفاف وعوامل التصحر فإن هذه البلدية ذات الطابع الفلاحي قد حققت نتائج جيدة في هذا الإطار.
 ويطالب الفلاحون بتكثيف عمليات الدعم الموجهة إليهم وربط مشاتيهم بالكهرباء الريفية، وفي المقابل تؤكد مديرية المصالح الفلاحية أنها سجلت دعم 477 فلاحا في إطار برامج الدعم الموجهة لهذه الفئة من أصل 900 فلاح مسجل ينشطون في تربية الماشية وتربية الدواجن التي يوجد بها 50 مدجنة، وشملت هذه الإعانات حفر الآبار وتجهيزها وانجاز شبكات الري والسقي و غراسة الزيتون في محيطات تصل إلى 10 هكتارات لكل فلاح، وانتهت تلك العمليات بحفر 170 بئرا عميقة على مستوى الدائرة و167 حوضا مائيا وغراسة 362 هكتارا من الزيتون منها 150 هكتارا قابلة للإنتاج، فيما تطورت شعبة النحل التي استفادت هي الأخرى من دعم مهم وقد بلغ عددها 4700 خلية ببلديتي مرسط وبئر الذهب، كما تم فتح 5 كلم من المسالك الريفية التي تضاف إلى 20 كلم تم فتحها في وقت سابق، واستفاد القطاع من عمليتين للتموين بالطاقة الكهربائية لعدد من المناطق والعملية في طور الدراسة بالتنسيق مع سونلغاز.
تحقيق حول قاعات العلاج المغلقة
أمر والي تبسة من جهته منذ أيام في أعقاب زيارته الميدانية لدائرة مرسط بربط قاعات العلاج التي لم تسلم لمديرية الصحة والسكان بالكهرباء، كما دعا إلى إحصاء المغلق منها وتحديد أسباب ذلك للعمل على فتحها والاستفادة منها، مع العلم أن القطاع الصحي بهذه البلدية يتوفر على مؤسسة استشفائية بطاقة 90 سريرا، بحيث عوض المستشفى القديم الذي تم الاستغناء عنه وتحويله إلى مصلحة للاستعجالات، وتجرى بالمؤسسة الاستشفائية الجديدة العديد من العمليات كجراحة الاعصاب والجراحة العامة وجراحة الأنف والحنجرة وجراحة العظام، أما قاعات العلاج فهي حسب المير متوفرة بالتجمعات السكانية بعين العوينات و الخشين و الطريشة والفوارة و19 جوان وسيدي شعبان، فيما بلغت نسبة إنجاز قاعتي سيدي شعبان وأولاد مهنية 90 بالمائة، أما قطاع التربية فيضم 20 مدرسة ابتدائية و3 متوسطات وثانوية وحيدة، كما سيتدعم القطاع مع بداية الدخول المدرسي الجديد بعدد من الأقسام التوسعية، ويبقى الإشكال في النقل حسب رئيس البلدية الذي أكد أن بلديته تتوفر على 4 حافلات لنقل تلاميذ المناطق النائية لمرسط على غرار لخشين،عين العوينات، الطوالبية، سيدي شعبان و الطريشة، ويأمل محدثنا تدعيم البلدية بحافلات أخرى بالنظر لقدم الحافلات المستعملة حاليا.
وتنعدم بهذه البلدية مؤسسات اقتصادية كبرى وهو ما يصعب من مداخيلها، في حين تتوفر على محجرتين للحصى بالطريشة، كما استفادت من محلات تجارية مختلفة بالبلدية تم توزيعها على مستغليها، و تدعمت بسوق مغطاة، وقد  وزعت تلك الفضاءات على التجار، ومن المرتقب استفادة البلدية من مشروع لانجاز مركب رياضي جواري وآخر لترميم دار الشباب، بالإضافة إلى تسجيل عملية لانجاز مسبح لفائدة سكانها، بينما وضع ترميم الطريق الولائي الرابط بين مرسط وحدود أم البواقي مرورا بالبلالة كأولوية، في الوقت الذي استهلكت فيه البلدية حوالي 60 بالمائة من اجمالي 54 عملية من المشاريع استفادت بها في مختلف البرامج حسب مدير التخطيط.
مدينة دون أرصفة ولا طرقات
وضع رئيس المجلس الشعبي البلدي تهيئة أحياء مرسط كأولوية في جدول اهتمامات مجلسه، بحيث لا زالت التهيئة مقتصرة على أجزاء من حي المستقبل بينما يبقى المواطنون بـ 7 أحياء أخرى ينتظرون ويعانون بأحيائهم التي تفتقر للأرصفة المبلطة وللطريق المعبد، ووضع المير بالمقابل تحسين الطريق الرابط بين بلدية البلالة ومرسط كثاني أولوية لما لهذا الشريان من أهمية بالنسبة لساكني الجهة، كما يأمل رئيس البلدية تدعيم بلديته بحصة سكنية اجتماعية وريفية، إذا علمنا أن القطاع  كان قد استفاد من 1230 وحدة سكنية ريفية انجزت منها 1003 مساكن،بالإضافة إلى 250 مسكن حضري تم توزيع 30 منها، وخصصت 345 تحصيصا اجتماعيا، وأمر الوالي بالإسراع في توزيع المساكن و التحاصيص المنجزة على المواطنين في أقرب وقت، كما يأمل مسؤولو البلدية تدعيم البلدية بمركز بريدي ثان على اعتبار أن الاول لم يعد قادرا على تلبية حاجيات المواطنين وتعميم الهاتف والشبكة العنكبوتية بالأحياء التي تنعدم بها وسائل الاتصال.
وتجدر الإشارة إلى أن بالبلدية 3 فروع بلدية بكل من عين العوينات والطريشة وغار الطين وبها مقر جديد للدائرة سيتم فتحه الأسبوع المقبل، بينما تحتاج لمقر لسونلغاز ووحدة فرعية للحماية المدنية.

الرجوع إلى الأعلى