اعتبر البطل الوطني السابق في العدو الريفي وسباق 3000 متر موانع العيد بسّو، الوضعية الراهنة لألعاب القوى «كارثية»، وأكد بأن الاختلال في توزيع الاعانات المالية داخل النوادي، بتخصيص حصة الأسد لكرة القدم، يبقى من الأسباب التي أفقدت أم الرياضات مكانتها الحقيقية، سيما وأنها تبقى الرياضة الأكثر تتويجا في المحافل الدولية.

حــاوره: صالح فرطــاس

بسّو، وفي حوار خص به النصر، كشف بأنه كان لاعب كرة القدم ثم تحوّل من باب الصدفة إلى ألعاب القوى، فكان التحدي مع شقيقه الأصغر، محطة لميلاد بطل مثّل الجزائر في الأولمبياد وبطولة العالم، ونال شرف تحقيق أفضل انجاز للعدو الريفي الجزائري والعربي، كما تحدث عن انجازات مخلوفي ونظرته المستقبلية لرياضة ألعاب القوى في الجزائر، ونقاط أخرى نقف على تفاصيلها في الدردشة التي كانت على النحو التالي:


- نستهل هذه الدردشة بالاستفسار عن وضعيتك الحالية في عالم الرياضة، بعد سنوات من اعتزالك المضامير؟
حقيقة أنني قررت الاعتزال سنة 2011، بمغادرة المضمار كعداء، لكنني لم أغادر عالم ألعاب القوى، لأنه يبقى بمثابة الرئة التي أتنفس بها، وعلاقة بهذا النوع من الرياضة، جعلتني أعمل على وضع خبرتي المتواضعة في خدمة الوطن الذي صنع لي اسما، ومكنني من التتويج بالعديد من الألقاب طيلة مشواري، حيث غيّرت البوصلة نحو الجانب التكويني، وأنا حاليا مكلف بتنظيم التظاهرات والمنافسات الدولية، مع العمل عن التنقيب على المواهب الشابة، وهدفي الشخصي يبقى منحصرا في الرفع من عدد السباقات الدولية التي تقام بالجزائر، لأن هذه التظاهرات تبقى الحل الوحيد، الكفيل بوضع «أم الرياضات» في مكانتها الحقيقية على الصعيد الوطني، لأنها تفسح المجال لعدائينا من أجل الاحتكاك بالمستوى العالي، فتكون هذه الملتقيات عبارة عن محطات لميلاد أبطال، قادرين على صنع الحدث في بطولات قارية وعالمية، والوضع الحالي يبقى مؤسفا، ولا يتماشى والانجازات التي حققتها هذه الرياضة، لأن الجزائر لا تنظم خلال السنة الواحدة سوى 4 منافسات دولية فقط، وذلك في كل من سطيف، تيزي وزو والشلف، إضافة إلى السباق على الطريق الذي يقام ببجاية، بينما تبقى بلدان أخرى تعمل على تنظيم أكبر عدد ممكن من الملتقيات الدولية، التي تدرج في الرزنامة الرسمية، وهذا ليس بنية البحث عن العائدات المالية لعقود الرعاية و»السبونسور»، وإنما لتجسيد برنامج التكوين المسطر على المديين المتوسط والطويل .
- نفهم من هذا الكلام بأنك لست مقتنعا بالوضعية الراهنة لهذه الرياضة بالجزائر؟
هذا أمر لا نقاش فيه، لأن ألعاب القوى، تبقى الرياضة التي أهدت الجزائر أكبر عدد ممكن من الميداليات والتتويجات على الصعيد العالمي، سواء في الأولمبياد أو في دورات بطولة العالم، لكن هذه الانجازات لم تكن كافية، لإعطائها المكانة التي تستحقها من حيث المتابعة الاعلامية، والأمر يبقى منحصرا في المناسبات الكبرى فقط، دون تسليط الأضواء على معاناة العدائين أثناء التحضيرات لأي منافسة، وهذا العامل له دور كبير في تقليص دائرة الممارسة، لأن «المناسبتية» في التغطية الاعلامية تعد من أبرز الأسباب، التي تحول دون توجه الكثير من الشبان لممارسة رياضة ألعاب القوى، رغم الإمكانيات الفردية الهائلة التي تزخر بها بلادنا، لأن الجزائر تبقى عبارة عن خزان للمواهب الشابة، إلا أن الصعوبات التي تعترض أي عداء في بداية مشواره، تحول دون الاستثمار بطريقة عقلانية في هذه الطاقات.
- وهل ترجع هذا العزوف إلى ميول الشباب أكثـر نحو رياضة كرة القدم ورياضات جماعية أخرى؟
أنا شخصيا أعد عيّنة من هذه الشريحة، لأنني بدأت مشواري الرياضي كلاعب كرة القدم، حيث كنت في أصاغر وفاق سطيف، ثم إلتحقت بفريق البريد السطايفي، وبعد ذلك اتحاد سطيف، لأنني ابن حي شعبي، وإقامتي بالقرب من الملعب، حفزتني لمرافقة الكثير من أصدقاء الطفولة لإجراء الاختبارات الانتقائية، خاصة وأننا كنا نخوض مباريات كروية في الشارع، لكنني توجهت إلى رياضة ألعاب القوى من باب الصدفة، وكان ذلك بمبادرة من شقيقي الأصغر نورالدين، الذي كان عداء في الفئات الشبانية للنادي، إذ دخلت معه في تحديات، دفعتني لخوض أولى التجارب مع المضامير، وكنت أبلغ من العمر 16 سنة، رغم أنني لم أكن مقتنعا بالفكرة في بدايتها، غير أن الرغبة في تحقيق الانجازات، جعلتني أقتنع بأن الرياضات الفردية، هي البوابة التي تسمح لي بإحراز الألقاب والميداليات، وتتيح لي الفرصة للمشاركة في التظاهرات القارية والدولية، وعليه فإنني أعمل حاليا على إسقاط تجربتي الشخصية على أكبر عدد من الشبان، لأن كرة القدم هي الرياضة الأكثر شعبية في العالم، سواء من حيث الممارسة أو المتابعة الجماهيرية، غير أن البحث عن التتويجات يكون بالتوجه نحو الرياضات الفردية، وخاصة ألعاب القوى.
- لكنك تحدثت عن التعتيم الإعلامي ودوره في هذه القضية، فكيف كان تعاملك مع هذا الجانب في مغامرتك الشخصية؟
المعطيات تغيرت كلية، بين ما كان سائدا في الماضي والوضع الراهن، لأن الرياضة المدرسية كان لها دور كبير في ميلاد الأبطال بالجزائر، حيث كانت عملية التنقيب عن المواهب تتم خلال الدورات التي تقام سنويا لتلاميذ المدارس، لكن هذا الجانب أصبح مهملا في الوقت الحالي، بعد التهميش الكبير الذي أصبحت تشهده الرياضة المدرسية، وهي السياسة التي كانت لها انعكاسات سلبية على نتائج أغلب المنتخبات الوطنية، خاصة في الرياضات الفردية، مع صرف النظر كلية عن التكوين والعمل القاعدي، ولو أنني على قناعة بأن المدرسة، تبقى الخزان الرئيسي الذي يموّل كل أنواع الرياضات بطاقات واعدة، لأن تجربتي الشخصية تبقى من بين الأمثلة التي يمكن سردها، إذ أن ترددي في مغادرة كرة القدم والتوجه إلى رياضة ألعاب القوى، جعلني أنتظر إلى غاية أول مشاركة لي مع فريق مدارس سطيف للعدو، في البطولة الوطنية المدرسية التي أقيمت بوهران سنة 1992، وذلك بعد نحو شهر فقط من التدريب، وإحرازي المرتبة الثامنة في تلك التظاهرة، مكنني من نيل ثقة الطاقم الفني الوطني مباشرة، حيث تم إدراجي ضمن التعداد الرسمي للمنتخب، وقد شاركت بعدها في دورة دولية بساقية سيدي يوسف، وأحرزت الميدالية البرونزية، وهو الانجاز الذي جعلني أحس بقيمة التتويج، فقررت منذ تلك الدورة اختيار هذا النوع من الرياضة كاختصاص لمشواري، مع مغادرة عالم كرة القدم.
- إلا أن هذه الخطوة الأولى، لا تكفي لميلاد بطل صنع له اسما على الصعيدين القاري والعالمي،، أليس كذلك؟
بداياتي مع ألعاب القوى تزامنت مع تألق بعض العدائيين الجزائريين على الصعيد العالمي، خاصة الثلاثي نورالدين مرسلي، حسيبة بوالمرقة و عزالدين براهمي، سواء في بطولة العالم أو دورة الألعاب الأولمبية، وهي الانجازات التي زادت في تشجيع جيلنا على العمل أكثر، والنظر إلى المستقبل من زاوية التفاؤل، وشخصيا فقد اخترت تخصص 3000 متر موانع، إقتداء بابن مدينتي براهمي، خاصة وأنني في سنة 1992 سجلت ظهوري في أول ملتقى دولي، بعد أشهر قليلة فقط من دخولي عالم ألعاب القوى، وكان ذلك في دورة متوسطية للأشبال باسبانيا، حيث حطمت الرقم القياسي الوطني لاختصاص 2000 متر موانع، فرفعت عارضة الطموحات عاليا، سيما وأن الانجازات التاريخية التي حققها الثلاثي مرسلي، بوالمرقة وبراهمي، دفعت بالسلطات العليا للبلاد في تلك الفترة إلى اعطاء رياضة ألعاب القوى المزيد من الاهتمام، فأصبح التكفل بعدائي النخبة ساري المفعول، وذلك بتوفير الامكانيات المادية التي تسمح للرياضيين بالتحضير الجيد، وفي أحسن الظروف، وهي المرحلة التي جعلتنا نعمل بكل جدية، ونطمح للاقتداء بمفخرة الرياضة الجزائرية في تلك الفترة، لأن الأمر يتعلق بأبطال عالميين وأولمبيين.
- بحكم تجربتك الطويلة في الميدان، ما هي مقومات نجاح أي عداء في مشواره من أجل بلوغ درجة العالمية؟
مما لا شك فيه أن المثابرة في العمل، والجدية في التدريبات تبقى أبرز مفاتيح النجاح، ولو أن رياضة ألعاب القوى تتطلب الكثير من التضحيات، لأن البقاء بعيدا عن الأهل، لفترة تصل في أغلب الأحيان إلى 7 أشهر، أمرا ليس من السهل التعامل معه، لكن هذا النوع من الرياضة يستوجب مشاركة العداء في التربصات التحضيرية، سيما منها تلك التي تقام خارج أرض الوطن، والاعداد لأي دورة يكون على المدى البعيد، وشخصيا أتذكر مشاركتي في البطولة الإفريقية للأواسط التي أقيمت سنة 1996 بكوت ديفوار، حيث انتزعت الميدالية البرونزية، في وجود كوكبة من العدائين الكينيين والإثيوبيين، وقد كانت تلك الدورة محطة لاكتشاف المواهب، كما سجلت تلك المجموعة قد سجلت حضورها في دورة أولمبياد سيدني بعد ذلك بأربع سنوات، وعليه يمكن القول بأن تسطير الأهداف يبقى ضرورة حتمية قبل الشروع في التحضير، رياضة ألعاب القوى تستوجب إقامة تربصات إعدادية خارج التراب الوطني، بغية تمكين العدائين من التأقلم مع الظروف المناخية، التحضير في مناطق مرتفعة.
- وما الذي حال دون تحقيق حلم حياتك، سيما وأنك اتخذت من براهمي النموذج الذي سعيت للسير على خطاه؟
لقد كنت مثابرا في العمل، واحتكرت اللقب الوطني لسنوات طويلة، كما أنني نلت الميدالية الفضية في البطولة الإفريقية التي أقيمت بالجزائر سنة 1999، وهي واحدة من أحسن الذكريات، رغم أنني كنت أراهن على الذهب، لكن السباق كان تكتيكيا إلى حد بعيد، فاكتفيت بالمرتبة الثانية، واقتطعت تأشيرة المشاركة في بطولة العالم بإسبانيا، وكانت أموري تسير على أحسن ما يرام، خاصة بعد مشاركتي في أولمبياد سيدني، وتحطيمي العديد من الأرقام القياسية الوطنية في اختصاص 3000 متر موانع وكذا العدو الريفي، لكن المنعرج الحاسم في مشواري كان في سنة 2002، لما تعرضت لحداث مرور بمدينة إيفران المغربية، عندما كنت بصدد التحضير لبطولة العالم التي أقيمت ببلجيكا، حيث كان هذا الحادث قبل 10 أيام فقط من انطلاق الدورة، وقد كنت أراهن على الظفر بمكانة فوق «البوديوم»، على اعتبار أنني كنت قبل ذلك قد حققت أفضل انجاز للعدو الريفي الجزائري والعربي باحتلالي الصف التاسع عالميا، فكان هذا الحادث سببا في حرماني من المشاركة في بطولة العالم، وقد أعقبت بعد ذلك بوفاة الوالد، الأمر الذي جعلني أتحمل على عاتقي مسؤولية العائلة، ومع ذلك فقد عدت إلى المضامير وواصلت مشواري إلى غاية سنة 2011، لكن مع تراجع كبير في نسبة التركيز في التدريبات وأثناء التربصات.
- وكيف ترى مستقبل ألعاب القوى الجزائرية، بعد الإنجازات الشخصية لمخلوفي وكذا وجود بعض العدائين الذين سجلوا وجودهم بقوة في التظاهرات الدولية؟
انجازات توفيق مخلوفي تبقى بمثابة الشجرة التي تغطي الغابة، رغم أن الجزائر تبقى تزخر بالكثير من المواهب، القادرة على كتابة التاريخ في أكبر المحافل الدولية، في صورة بورعدة، لهولو وغيرهما، لكن الاشكال القائم في الوقت الراهن، أن ألعاب القوى فقدت مكانتها في الخارطة الرياضية الوطنية، بسبب نقص الاعتناء بالعدائين على مستوى النوادي، على خلفية قلة الإمكانيات المادية، لأن سياسة أغلب النوادي مبنية على التهميش، والدليل على ذلك تخصيص غلاف مالي بقيمة 10 ملايين سنتيم من أجل التكفل بنحو 50 عداء على مدار موسم كامل، رغم وجود رياضيي النخبة، في الوقت الذي يتحصل فيه لاعب كرة القدم على راتب شهري بقيمة خيالية، يمثل عشرات الأضعاف من القيمة الموجهة لفرع ألعاب القوى، وهذا الاختلال في توزيع الاعتمادات المالية، حال دون مواكبة أم الرياضات للإنجازات، التي حققتها على الصعيد العالمي، لأن سجل العدائين الجزائريين يبقى الأثرى بالمقارنة مع باقي الرياضات.
ص. ف

الرجوع إلى الأعلى