يحتفي المسلمون اليوم بذكرى فتح مكة المكرمة مستحضرين دروسا وعبرا في الأخلاقيات الإسلامية الإنسانية السامية التي أبرزها قائد الفتح الأعظم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه من الفاتحين؛ حيث تجلّت قيّم السلم والأمن والعفو وحفظ الأمانة والوفاء بالعهود واحترام المسلمين، مع الأخذ بالأسباب المادية والأدبية، والتحضير الجيد للمعركة مع عامل المباغتة، رغم تيّقن النصر الذي وعد الله به المؤمنين وحقق وعده.
ففي كل خطوة خطاها الرسول الأعظم وفي كل موقف وقفه أو كلمة قالها إلا وتجلت تلك القيم بأعمق دلالة وأشد إشراقا، ولئن انتاب المسلمين شعور الفخر والاعتزاز بمواقف كهذه فإن الاعتزاز الأكبر يكون بالدين وقيمه التي جسدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالفتح كان اختبارا حقيقيا لمدى تمثل هذه الفئة لقيم الإسلام التي ظلت تدعو إليها على مدى عشرين عاما خلت، لأن تاريخ الأمم مليء بموقف التنكر والغدر من قبل ملوك وقادة وأمراء فاتحين إن سرعان ما ينشروا الرعب والقتل والدمار في أي مدينة دخلوها بعدما أعطوها الأمان؛
وعلى الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت له مبررات تاريخية ليفعل ما يشاء بأهل مكة؛ قتلا وتهجيرا ومصادرة أموال؛ لأنهم فعلوا ذلك به وبمن آمن معه من قبل، لكن رسول الله صلى الله عليه كان مثلا إنسانيا راقيا في معاملة أهل مكة، فأعطى القدوة للمسلمين وأحرج من أتى ويأتي بعده من القادة الفاتحين، فقد دخل المدينة متواضعا لله تعالى شاعرا وشاكرا لأنعمه، ولم يظهر عليه كبرياء الفاتحين ولا بطر الغزاة المحتلين الذين يرنح تحت أرجل فرسهم الأهالي المغلوبين، فلم تأخذه أبهة زائفة عابرة لأنه يسعى بدعوته لاختراق النفوس حتى تمتلأ إيمانا وتتخلص من كفرها وتسلم معه لله رب العالمين؛ بل إن حرصه على عامل المباغتة ليتحاشى المواجهة ويكتفي بالصدمة النفسية التي تجعل أهل مكة يستسلمون دليل على نية العفو المسبق والرغبة في السلام.
فأعطى أهل مكة الأمان على أنفسهم وأموالهم، ونادى مناد أن من دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق عليه باب داره فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ثم نادى اليوم يوم المرحمة، ردا على صوت باهت صدر عن أحد ممن معه اليوم يوم الملحمة! وحين انتهت أعمال الفتح ودانت الجدران للفاتح الكبير، وطهر البيت الحرام من مظاهر الشرك التي وضعت فيه، جاء الدور على أهل مكة ليقرر مصيرهم بنفسه، وفي غمرة أجواء الفتح وبعد أن صلى الرسول داخل الكعبة فتح بابها ثم أخذ بعضادتي الباب وخطب فيهم ثم قال: "يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟" قالوا: "خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم"، قال: "فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم, اذهبوا فأنتم الطلقاء" !
إنه قرار سياسي لأعظم فاتح منتصر والمهزومون طوع يديه، وموقف لم يشهد التاريخ مثله ولا أظنه سيشهد مثله لأنه ليس مجرد عفو عن أهل مدينة محتلة بعد مقاومة أو استسلام دون قتال، ولكنه عفو عن أهل مدينة سبق لهم الجور والعدوان والقتل لأتباع هذا الرسول الذي من حقه المقاصة منهم والأخذ بحقوق المضطهدين على أيديهم من المسلمين، لكنه أبى إلا أن يعفو، ليضم هذه الفئة المعفو عنها لحظيرة الإسلام وتتحول بعد ذلك لوقود للفتوحات الإسلامية لاسيما إبان الخلافة الراشدة وما بعدها، ويحفظ من جهة لمكة حرمتها ومهابتها في نفوس أتباعه ونفوس الناس أجمعين، فلو سفكت دماء هناك لربما اهتزت حركتها في النفوس ولربما اتهم الرسول ومن معه بالاستهانة بهذه الحرمة؛ لكن الرسول راعى كل ذلك وحسم الطريق دونه بل رفض تهديم الكعبة رغم رغبته في إعادة بنائها على قواعد إبراهيم، لكنه تراجع مخافة أن بعض القوم حديثو عهد بإسلام وقد يفتنون.
سيظل فتح مكة مدرسة للإنسانية وللقادة والجيوش ليتعلموا فيه أخلاقيات الحروب وأخلاقيات القادة العظام الذين يستهدفون نشر الحق والعدل والسلم والأمن والعفو وليس الرغبة في سفك الدماء والاستهانة بالأنفس والأموال لأن ذلك مبعثه هوى النفوس وغرور وبطر القادة المتجبرين.                           ع/خ

قالوا عن فتح مكة

هو الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمـين، واستنقذ به بلــده وبيته الذي جعله هدى للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر بـه أهـل السمـاء، وضـربت أطناب عِزِّه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به فــي ديــن الله أفواجـاً، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجاً.

الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي


الحديث عن فتح مكة حديث يبعث النشوة في الرؤوس فعلاً، وحديثٌ يبعث الطرب في العقول، ولكن ماذا عسى أن تفيدنا هذه النشوة؟ وماذا عسى أن يفيدنا هذا الطرب؟ مهما كانت ذكريات فتح مكة عظيمةً باعثةً للنشوة في النفس فإن غصص المهانة التي نعاني منها متغلبة على ذلك، ولكن بوسعنا أن نستفيد شيئاً آخر غير النشوة والطرب؛ هنالك شيءٌ آخر مفيدٌ فعلاً هو أن نتساءل: كيف كان فتح مكة؟ وما هي البوابة العريضة التي دخل منها أصحاب رسول الله  إلى ذلك الفتح؟ ونحن إذا تأملنا في هذه البوابة التي وصل منها أصحاب رسول الله  إلى الفتح في هذا الشهر المبارك، سنجد أن هذه البوابة تتمثل في شيء واحد، هو انتصار أولئك المسلمين على أنفسهم.

الشيح محمد الغزالي  


أصبحت «أم القرى» وقد قيَّد الرعب حركاتها، واسترخت تجاه القدر المنساق إليها، فاختفى الرجال وراء الأبواب الموصدة، أو اجتمعوا في المسجد الحرام يرقبون مصيرهم وهم واجمون... على حين كان الجيش الزاحف يتقدم ورسول الله على ناقته تتوج هامته عمامة دسماء، ورأسه خفيض من شدة التخشع لله، لقد انحنى على رحله وبدا عليه التواضع الجمّ حتى كاد عثنونه يمس واسطة الرحل. إن الموكب الفخم المهيب الذي ينساب به حثيثاً إلى جوف الحرم، والفيلق الدارع الذي يحف به ينتظر إشارة منه فلا يبقى بمكة شيء آمن، إن هذا الفتح المبين ليذكره بماض طويل الفصول كيف خرج مطارداً؟ وكيف يعود اليوم منصوراً مؤيداً..!وأي كرامة عظمى حفَّه الله بها في هذا الصباح الميمون! وكلما استشعر هذه النعماء ازداد لله على راحلته خشوعاً.. سيرة هذا الرجل النبيل هي المثل الكامل لكل إنسان يبغي الحياة الصحيحة.

الدكتور عبد الحليم عويس


أما فتح مكة في الثالث والعشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة، فهو الآية العظمى على مدى الأخلاقية النبوية الإنسانية التي التزم بها الرسول مقدمًا أرفع نموذج للتسامح والتواضع والسموّ الذي عرفته البشرية عبر تاريخها.

القرارات العشرون لمجمع الفقه الإسلامي حول كورونا
(17) يجب على الحكومات والجهات المعنية تأمين عدد كافٍ من أجهزة التنفس لمعالجة الحالات التي تتطلب استخدام تلك الأجهزة، ويجب على الأطباء الالتزامُ بالمعايير الطبية والأخلاقية، ويقَدّم من يُرجى شفاؤه على من لا يُرجى شفاؤه في توزيع أجهزة التنفس الصناعي عند تعدد المرضى وقلة الأجهزة، ذلك أن العلاج في موضوع الجائحة موكول إلى فريق طبي، أو إلى الطبيب، إن لم يوجد فريق، ويخضع أمر علاج المريض إلى المصلحة والمرجحات الطبية، وفقا لقاعدة: «التصرف على الرعية منوط بالمصلحة»؛ فتصرف الطبيب أيضاً على المرضى منوط بالمصلحة، ولقاعدة «لا يقدم أحد في التزاحم على الحقوق إلا بمرجّح»؛ فالطبيب عليه أن يجتهد بناء على خبراته ووفقاً لأخلاقيات مهنته، في مرجحات منها: «اختبار القدرة على الاستفادة بسرعة» لمعرفة درجة الخطورة بين المرضى، ومن يؤثر عليه الإسعاف إيجاباً أكثر من غيره، ومن هو الأحق بتقديمه للإنعاش، مع مراعاة رغبة المريض، فيقدم الجهاز للمريض بناء على هذه المرجحات، وأما إذا تساووا في مرجحات التقديم عند التزاحم فيقرع بينهم، فلا يقدم صاحب المنزلة الاجتماعية على غيره، ولا يقدم الصغير على الكبير، فكيف يقدم ذو الجاه على غيره، وكيف يقدم الأبناء على الآباء، فكلهم متساوون في الإنسانية، ولذا يرفع الجهاز عن المريض الذي لا يُرجى شفاؤه، وذلك إذا تبين أن حالة المريض تزداد سوءا، أو لم يستجب للجهاز، أو أنه بعد الرفع لن تستمر حياته حياة مستقرة اعتيادية فلا مانع من رفع الجهاز عنه.

سرّ الوباء الذي قضى على أبي لهب


كشفت وسائط إعلامية نقلا عن أشهر المؤرخين العرب إلى واقعة وفاة أبي لهب، عم النبي، وأحد ألد أعدائه وأكثرهم إيذاء، بمرض معد قيل إنه كالطاعون. وتصادف أن توفى بعد سبع ليال من غزوة بدر. ويقول المؤرخون إن أبا لهب، الذي جاهر بعداوته للنبي محمد (ص) في وقت مبكر، وتفنن في إيذائه، والكيد له، قضى نحبه بمرض وصف بأنه جمع «البلاء والعذاب النفسي والبدني أيضا». ويقول الطبري في كتابه «تاريخ الأمم والملوك»، إن أبا لهب، توفى بعد إصابته بمرض يسمى العدسة، ووصفه بأنه «قرحة كانت العرب تتشاءم بها، ويرون أنها تعدي أشد العدوى». وتذكر كتب السير أن «مرض العدسة» معد كالطاعون، وتظهر أعراضه في شكل التهاب جلدي، وقيل إنها «قرحة تصيب الإنسان وتقتله في أيام، وكانت العرب تتشاءم» منها. ويتجلى هذا الوصف في ما ذكر في أن أبا لهب حين أصيب به «تباعد عنه بنوه، وبقي بعد موته ثلاثا، لا تقرب جنازته، ولا يحاول دفنه، فلما خافوا السُّبَّةَ في تركه، حفروا له، ثم دفعوه بعود في حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه».

الرجوع إلى الأعلى