الحلويات التقليدية تحول حي السويقة بقسنطينة إلى قبلة  للصائمين

تضاعفت مبيعات الحلويات التقليدية، و في مقدمتها الكاوكاوية، النوقا، الجوزية، الفوندا ، قلب اللوز و الصامصة، في شهر رمضان، على غرار المواد واسعة الاستهلاك، حسبما وقفت عليه النصر بأزقة حي السويقة بوسط مدينة قسنطينة، و لم يكبح لهيب أسعارها، و بلوغ سعر الكيلوغرام الواحد من حلوى الفوندا مثلا، ألف دينار، تهافت قسنطينيين على اقتنائها، مبررين ذلك برمزيتها في الشهر الفضيل، و إضفاء ألوانها بريقا على سينية السهرات، خاصة و أنها تجعلهم يتذوقون طعم الماضي، و يستذكرون رمضان زمان، بكل عاداته و تقاليده العريقة .   

روبورتاج / أسماء بوقرن

تكتسي أزقة مدينة قسنطينة القديمة الحلة الرمضانية، وتفوح أزقتها بعبق يرسم معالم رمضان الماضي، و يعود بالزائر إلى سنوات خلت، من خلال إحياء عادات قديمة مرتبطة بشهر الصيام، كبيع الحلويات التقليدية، منها "الكاوكاوية" و"الفوندا" و"النوقا" و"حلوى الحلقوم" و"حلوى الترك"، إلى جانب "قلب اللوز" و "الصامصة" و الزلابية و الجوزية.
ولا يقتصر عرض هذه الحلويات على أصحاب الصنعة الذين يبيعونها على مدار السنة بحي البطحة و سيدي بوعنابة و السيدة و السويقة، بل دخل على الخط عدد كبير من الباعة، الذين استغلوا ارتفاع الطلب عليها في شهر الصيام، من أجل عرض كميات كبيرة و متنوعة منها،  خاصة و أنها تعتبر عنصرا مهما في سينية السهرة القسنطينية، إلى جانب أكواب "المحلبي" و "الفلان" و "الطبيخ"، و لاحظنا خلال جولتنا الاستطلاعية، أن الدكاكين و الطاولات المنتشرة عبر أزقة المدينة القديمة التي تعرضها لا تستقطب زبائن من مدينة قسنطينة فقط، بل من مختلف بلديات الولاية، إذ يجدون في اقتنائها من هذه الأزقة، نكهة خاصة تجعلهم يستشعرون أجواء رمضان زمان، ولو أنها تباع في مختلف المناطق الأخرى.
النوقا و الكاوكاوية تحتلان الصدارة في المبيعات
قال تجار للنصر، إن انتعاش تجارة الحلويات التقليدية، من أبرز العوامل التي ساهمت، في محافظة حي السويقة على حركيته و خصوصيته في الشهر الفضيل، و تعتبر بمثابة طعم لاصطياد الزبائن، بعد أن تم ترحيل معظم سكان الحي إلى المدينة الجديدة علي منجلي.
والملاحظ أن عديد السكان القدامى، وكذا سكان الأحياء الأخرى و البلديات المجاورة، يتكبدون مشقة التنقل، لاستشعار نفحات شهر الصيام، واقتناء قطع الحلويات التقليدية، و اعتبر  بعضهم هذه العادة ضرورية، خاصة في أولى أيام الشهر الفضيل، فلا يمكن أن تغيب هذه الحلويات العريقة عن سينية القسنطينيين. وقال لنا بائع مختص في بيع و طحن القهوة، بأنه في كل شهر رمضان يخصص طاولة بمدخل محله لبيع مختلف أنواع الحلويات التقليدية، مؤكدا بأن الخاصية الوحيدة التي لا تزال المدينة القديمة تحافظ عليها، هي الأجواء الرمضانية و الحركية المتميزة التي تطبعها في رمضان، و ذلك، حسبه، بفضل وفاء تجارها لعادة بيع الجوزية و النوقا و الكاوكاوية و غيرها من الحلويات التي تعد جزءا من تاريخ و تراث قسنطينة، حتى أن بعض زبائنهم يشترونها منهم على مدار السنة، و البعض الآخر تجذبهم أكثر في شهر رمضان.
حلويات قديمة تحافظ على مكانتها
تحافظ  الحلويات التقليدية على مكانتها في أزقة و محلات المدينة القديمة، بسحر ألوانها، و مذاقها الشهي و رائحتها العبقة فلا يمكن للمتجول بالسويقة إلا أن يقف أمام محل أو طاولة تعرضها للبيع، و لا يمكنه أن يغادر المكان، دون شراء قطع منها.
يتفنن التجار في عرض النوقا و الكاوكاوية و الفوندا و حلوى الحلقوم، و أدرج بعضهم حلويات أخرى، تشبهها من حيث المكونات، مع إضافة مواد أخرى  إليها كالسمسم "الجلاجلانية" و اللوز و الجوز و الفول السوداني "الكاوكاو"، و إضفاء أشكال جديدة،  كحلوى السمسم و حلوى الحلقوم.
ولاحظنا أن عديد الزبائن لا يكتفون باقتناء الأنواع التقليدية المعروفة، بل أقبلوا أيضا على اقتناء الأنواع الجديدة، و قالت إحدى السيدات للنصر، بأنها تحرص على اقتناء مختلف الأصناف، لتزيين سينية القهوة خلال سهرات رمضان، و إسعاد أفراد أسرتها.
و أضافت المتحدثة بأن غلاء الأسعار، جعلها تكتفي باقتناء قطع صغيرة من كل نوع، بحيث لا يتجاوز ثمن القطعة الواحدة 200 دينار، مشيرة إلى أن  حلوى الترك "الشامية" و الكاوكاوية و النوقا والفوندا، من الحلويات التي يقترن شراءها بالشهر الفضيل، و هي عادة منتشرة بين عديد العائلات القسنطينية.
و لا يختلف هوس اقتناء باقي المواد الغذائية عن شراء الحلوى، حسب ما وقفنا عليه بأزقة و أحياء المدينة القديمة، حيث يتهافت زبائن على شرائها، بالرغم من أن سعرها ارتفع بأكثر من 100 دينار للكيلوغرام الواحد، وهي زيادات بررها تجار بالتهاب أسعار المواد الغذائية التي تعتبر مكونا رئيسيا يستعمل في تحضيرها، إلى جانب ارتفاع أسعار المكسرات، ما أجبرهم، كما قالوا للنصر،  على فرض زيادات، لضمان هامش ربح، حيث يقدر سعر الكيلوغرام الواحد من الكاوكاوية بـ 600 دينار، و حلوى الترك بـ 800 دينار، و الحلقوم بين 500 و 700 دينار.

ويبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من النوقا 600 دينار، و يتراوح سعر القطعة الواحدة من الجوزية بين 500 و 800 دينار، وجميعها حلويات تقليدية ذات جذور تاريخية مختلفة، حسب أستاذ الحلويات التقليدية المختص في تعليم صناعة حلوى الجوزية بغرفة الحرف و الصناعات التقليدية بقسنطينة، يزيد عبود، الذي أشار إلى أنها ارتبطت بالمدينة منذ عقود طويلة، موضحا بأن الجوزية عرفت عند الفرس و العراقيين ، ثم برزت عند العثمانيين الذين أبدعوا و تفننوا في تحضيرها، و ساهموا في انتشارها ببلادنا، أما بخصوص الأنواع الأخرى كالكاوكاوية و الفوندا و النوقا، فهي معروفة، حسب الأستاذ عبود، منذ نحو 100 سنة، و لا تختص ولاية بعينها في صناعتها، فهي منتشرة بعديد ولايات الوطن.
رائحة الصامصة بأزقة السيدة و سيدي بوعنابة
أول ما يستقبلك عندما تطأ قدماك أحد مداخل المدينة القديمة، انطلاقا من حي سيدي بوعنابة، رائحة الصامصة، بعد أن غير مطعم ومقهى نشاطهما، ليتحولا إلى تحضير و بيع  هذه الحلوى التقليدية.
وأوضح فاتح الدين، صاحب مقهى، بأنه حول محله إلى فضاء لتحضيرها ليلا، ثم يقوم في الصباح بقليها، لبيعها ساخنة لزبائنه، مشيرا إلى أنه بعد أن لاحظ حجم الإقبال عليها، قرر أن يمارس هذا النشاط في الشهر الفضيل، مؤكدا بأنه تمكن من استقطاب زبائن أوفياء خلال الثلاث سنوات الأخيرة.خلال توغلنا بين أزقة المدينة القديمة، وقفنا على الإقبال الكبير على دكاكين بيع الصامصة، و بالضبط بحي السيدة حفصة، حيث تباع على مدار العام، و لاحظنا تشكل طابور إلى غاية مسجد سيدي مغرف، حيث يتهافت الزبائن على اقتنائها مقابل 500 دينار للكيلوغرام الواحد، و تمتد نقاط بيعها عبر مختلف أزقة حي السويقة الشعبي إلى غاية حي البطحة.
قلب اللوز..  الحلوى المفضلة عند القسنطينيين
عبق روائح الشهر الفضيل لا تفوح فقط من رائحة الصامصة، و إنما تشمل أيضا حلويات أخرى، تعد من رموز السينية الرمضانية القسنطينية، كبيع قلب اللوز أو ما يعرف بالهريسة الحلوة، حيث يقصد الكثير من الزبائن حي البطحة لاشتهاره بتحضيرها منذ أكثر من ثلاثة عقود، كما أكد أحد الباعة، حيث أوضح بأن انتعاش تجار قلب اللوز، أو كما يحلو للكثيرين  تسميته "الهريسة"، يكون على مدار السنة، لكن رواجها يتضاعف في رمضان، و هو ما لاحظناه من خلال حجم الإقبال على اقتنائها، حيث وجدنا العشرات من الأشخاص ينتظرون دورهم للظفر بسينية مقابل 250 أو 350 دينارا، فيما يكتفي البعض باقتناء قطعة صغيرة مقابل 50 دينارا.و أكد لنا كهل وجدناه ينتظر دوره لشراء سينية قلب لوز صغيرة، بأنه لا يتصور سينية القهوة في رمضان دون صحن الهريسة،  لأنه يفضل تناولها عند ارتشاف فنجان القهوة، مؤكدا بأنه لا يتوقف عن شرائها إلى غاية انقضاء رمضان. و قال تاجر إنه يحضر الشاربات المصنوعة من الماء و السكر و مستخلص زهر الأرانج ، ليسكبها فوق الهريسة التي أخرجت لتوها من الفرن، و ذلك لتمتصها و تضفي عليها مذاقا شهيا.            أ ب

 

الرجوع إلى الأعلى