«بسم الله بديت وعلى النبي صليت يا ربي أعطينا الفال ولاقينا بأولاد الحلال»، بهذه العبارة الجميلة كانت النسوة يباشرن سهراتهن الرمضانية  « التقصيرة»، بعد الجلوس حول مائدة شاي مستديرة، ليتبادلن أطراف الحديث و يتشاركن الفال أو ما يعرف بـ «البوقالة»، وهي نوع من التراث الشفوي الجزائري، الذي تستعرضه النساء من خلالها فصاحتهن و عذوبة ألسنتهن بترديد ما حفظنه عن أسلافهن.
وتعرف «جلسة البوقالات» بـ «القصرة» أو «التقصيرة»، وهي عادة قديمة من التراث الجزائري لا تزال سيدات يحيينها إلى أيامنا، حيث تتفنّن في ترديد مقاطع تشبه الموشّحات الأندلسية لخلق أجواء جميلة وراقية ضمن قالب لا يخلو من المرح حول مائدة قد تجمع أفراد العائلة أو الجيران أو الأصدقاء وهي أيضا لعبة حظ وتفاؤل ارتبطت بمواسم الأفراح والسهرات الرمضانية.
وقد كان شائعا أن تمارس النساء في جلساتهن طقوسا خاصة تحاكي المناظرات الشعرية، حيث يطلب من الشابات عقد النية بربط شيء من ثيابهن أو مناديلهن، والتفكير في شخص أو أمر ما، ترغب الفتاة فيه بشدة، ثم تختار بوقلة تقرأ عليها ويكون فيها فأل حسن يشبه الرسالة، وكلما أخلصت النية تأتي الرسالة مطابقة لما رغبت في سماعه.
و يأتي عادة لإتمام هذا الطقس، بإناء مصنوع من الطين  يُملأ بالماء أو الحليب، يوضع على مائدة عليها بخور برائحة جميلة، و أوراق صغيرة تكتب عليها البوقالات توضع داخل قبعة أو «شاشية» إلى جانب خاتم أو عملة ذهبية « لوزيرة»  و خيوط أو مناديل لأجل عقدها، ثم تفتح الجلسة بالبسملة والصلاة على رسول الله، وبمجرّد الانتهاء من القراءة تمد إحدى الفتيات يدها إلى القبعة لتسحب الخاتم أو القطعة الذهبية.
وفي آخر الليل تتقاسم الفتيات الماء الموجود في الكأس، وبعد منتصف الليل يصعدن إلى سطح المنزل وترمي كل واحدة منهن نصيبها من الماء و تقرأن البوقالات و تستمعن للفال فمنهن من يلي صوت سقوط الماء الذي رمته على الأرض صياح ديك فتتفاءل بفجر ينهي ليل انتظارها، ومنهن من تسمع صوت العصافير فتتفاءل بالسعادة.
كما تقوم النساء قبل قراءة أية «بوقالة» برش ماء الزهر، ثم التغزّل بالحبيب مع التفاؤل بمستقبل سعيد معه، وتكون متعة البوقالات التي تلقيها في العادة امرأة عجوز، في ما تحمله تلك الأشعار الشعبية أو الألغاز من معان، فإذا كان فأل البوقالة جميلا تجد كل الفتيات متشوقات لسماعه، وإن كان العكس تجد كل واحدة خائفة من أن تكون هي صاحبته.
و الملاحظ في الآونة الأخيرة أن قراءة البوقالة لم تعد تمارس بالشكل الذي كانت عليه في السابق، إذ تكتفي النساء والشابات بالاستماع إلى البوقالات التي تباع علبها الصغيرة في محلات مستلزمات الأفراح أو تقرأ من الهاتف دون نزع خواتمهن و استحضار الفال، أما تلك العادات القديمة فتنحصر في نطاق ضيق جدا.
رميساء جبيل

الرجوع إلى الأعلى