يجد التجار والمواطنون صعوبات كبيرة في تداول قطع نقدية معدنية من فئات، 1دج، 5 دج، 10 دج، 20 دج و50 دج، بعد أن أصبح الحصول عليها يتطلب اللجوء إلى وسطاء يقومون بتجميعها من الباعة والمتسولين والتجار الصغار ويعيدون بيعها بهامش ربح يصل إلى 20 بالمائة.
و بسبب النقص الكبير في هذه القطع النقدية مقارنة مع تداولها الواسع خاصة في المعاملات الصغيرة، أصبح الحصول عليها هاجس لدى الكثيرين خصوصا التجار، الذين يضطر بعضهم إلى الخضوع لضغوط تجار بيع “الصرف”، فيما عقد الكثيرون شراكة مع المتسولين الذين يعتبرون من أهم ممولي التجار بـ"الصرف".
كما أن غياب القطع ضعيفة القيمة يطرح لدى البنوك والمؤسسات المصرفية الأخرى التي تشتكي من ندرة في قطع النقود المعدنية،  ما زاد في حدة الإشكال، رغم أنه كان من المفروض عدم طرح مثل هذه المشاكل، خصوصا وأن السوق تدعمت في السنوات الأخيرة بقطع جديدة . وقد اختلفت الطرق التي يحصل فيها التجار على “الصرف” لضمان تواجده بصناديق مال المحلات طوال الوقت، بعد أن أصبح لـ “الصرف” باعة يستغلون النقص لممارسة نشاط مواز، حيث أكد في هذا الخصوص صاحب صيدلية أنه يتعامل مع أحد الشباب الذي يزوّده بمبالغ التي يطلبها من الصرف، خصوصا من 5 دج إلى 50 دج، حيث يشتري منه 1000 دينار مقابل 1100 دينار. وأضاف محدثنا أن الكثير من زملائه يتعاملون بنفس الطريقة، مؤكدا أن الثمن يختلف حسب الزمن الذي يطلب فيه بما أسماه “خدمة الصرف”، حيث يرتفع ثمن التبادل إلى 1200 دينار مقابل 1000 دينار “فكة” في أوقات مثل رمضان وعيد الفطر، وذلك للندرة الكبيرة.
متسولون و وسطاء يتحكمون في سوق النقود المعدنية
من جهة أخرى أكد صاحب “سوق صغير” أن له الكثير من الأصدقاء أصحاب محلات صغيرة، وشباب يعملون في بيع التبغ على الطاولات يمر عليهم عند نهاية كل يوم ليجمع ما أمكن من النقود المعدنية خاصة بين 5 دج و 50 دج .
كما أكد محدثنا أن أغلب زبائنه أصبحوا يستغنون عن 1 دج و 2دج في أغلب الأحيان، في حين لم يخف أنه كثيرا ما يقوم بتعويض “الصرف” للزبائن بقطع حلوى عند انعدامها من الصندوق، وهو ما يفعله حسبه الكثيرون الذين ولو توفر عندهم “الصرف” يتعمدون منح حلوى، وهو ما اعتبره استغلالا وابتزازا واضحا، مؤكدا أن مناوشات حدثت بين تجار وزبائن بسبب هذه الممارسات، خصوصا عندما تحدث مع الأطفال الصغار.
أما عن طلب “الصرف” من البنك التجاري فقد أوضح محدثنا أنه قلّما يتمكن من معرفة التاريخ، حيث تقتصر العملية على من أسماهم بـ “المحظوظين” وأصحاب المعارف، بينما لا يكون نصيبهم في أحسن الأحوال أزيد من مليون سنتيم. وتحدث سائق سيارة أجرة للنصر عن صراعه الدائم مع القطع النقدية، حيث أكد أنه في بعض الأحيان يباشر عمله حوالي الساعة السادسة صباحا بما يقارب 5 آلاف دينار “فكة” لمختلف الفئات، غير أنه يصطدم بنفادها مع نهاية اليوم، ما يجعله في صدام متواصل مع الكثير من الزبائن الذين لا يهضمون عدم امتلاكه لها، موضحا أنه دائما ما يطالب من الركاب الصرف حتى ولو أنه يملك ما يكفيه، مؤكدا أنه في الكثير من المرات يصطدم بزبائن يمنحونه مبلغ ألف دينار في الصباح الباكر وهو ما يجعله يتسامح في ثمن الأجرة أو الدخول في مناوشات. كما يعتبر المتسولون حلقة جد مهمة في عملية توفير النقود المعدنية لدى شريحة واسعة من التجار، فقد أكد جزء كبير من التجار أن المتسولين يزودونهم بمبالغ محترمة من الصرف كل يوم، حيث يتعامل كل متجر مع ما لا يقل عن 5 أو 6 متسولين، وقد دخل الأفارقة والسوريون كوسطاء في هذه العمليات. و أسرّ لنا عامل في محل بوسط مدينة قسنطينة، أن صاحبه يقوم باكتناز ما يفوق 100 مليون سنتيم من الصرف في المنزل لاستعمالها في الأوقات الحرجة، وأمثاله في هذا التصرف كثيرون. محمد صاحب مقهى، قال لنا أنه ورغم لجوئه يوميا إلى إحدى المؤسسات المالية التي رفض الكشف عنها حتى يساعده قريب في التزود بما يطلبه من نقود معدنية، إلا أنه ، كما يضيف ، كثيرا ما يجد نفسه عاجزا عن دفع الباقي للزبائن، ما يضطرّه للتسامح في بعض الأحيان أو يطلب من الزبائن التسديد لاحقا.
مصدر بنكي: القطع النقدية لا تعود للبنوك بعد التداول
وإن كان التجار والبسطاء يعانون من أزمة “الصرف”، فإن الإشكال مطروح أيضا وبنفس الحدة لدى عدد من المؤسسات المالية، التي تجد نفسها في بعض الأحيان في مأزق مع الفئات الصغيرة من النقود.
وقد وقفنا على مواقف مماثلة بأحد مكاتب البريد والذي لم يجد فيه عون المكتب المبلغ المناسب بعد أن سدد أحد المواطنين لفاتورة الكهرباء، حيث استلزم الأمر التسديد من جيبه حتى لا يطيل الزبون، في حين عند تقدمنا من مكتب آخر لطلب تفكيك 1000 دينار دون أن نكشف له عن هويتنا أكد لنا أنه لا يملك المبلغ المطلوب قائلا: “الصرف للدوا”. من جهة أخرى أكد مصدر من البنك المركزي أن الضغط الكبير الذي يواجهونه بسبب الطلب الكبير على النقود المعدنية، جعل من الكميات التي يوفرها البنك لا تلبي الطلب المتزايد، رغم أنه من المفروض حسب ذات المتحدث أن يتعامل التجار والمواطنون مع البنوك التي يملكون حسابات بها، أين يقدمون طلب الحصول على “فكة”، في حين يكون تعامل هذه البنوك التجارية مع البنك المركزي، وهو المعمول به في كل الدول، حيث يعتبر البنك المركزي الحلقة الأخيرة في مثل هذه المعاملات. من جهة أخرى أوضح محدثنا أن الدورة العادية للأموال لا تتم بطريقة سليمة، وذلك أن النقود الورقية تعود إلى البنك بعد طرحها في السوق، بينما العكس بالنسبة للنقود المعدنية والتي لا تعود بالكمية المطروحة وذلك أن عددا من التجار الكبار حسبه يحتفظون بمبالغ كبيرة.
عبد الله بودبابة * تصوير: الشريف قليب

الرجوع إلى الأعلى