ما يزال مرضى القلب بقسنطينة والولايات المجاورة لها، يعانون في صمت  بسبب الانتظار الطويل للعلاج بجهاز القسطرة الوحيد بالمستشفى الجامعي، الذي يعرف حالة كبرى من الضغط وعدم استيعاب الأعداد الكبيرة للمرضى الذين تزايد عددهم بشكل ملحوظ  في السنوات الأخيرة، بحسب ما يؤكده مختصون،  فيما يرى مسؤولون بقطاع الصحة بأن المشكلة لا تتعلق فقط بالجهاز، بل تتعداه إلى النقص الفادح في الأطباء المتخصصين في العلاج بـ «الكرونوغرافي».
وتشير الإحصائيات التي تحصلت عليها النصر من مصادر رسمية، إلى أن عدد مرضى القلب لاسيما المصابين منهم بانسداد الشرايين، في ارتفاع مستمر خلال السنوات الأخيرة، بسبب ضغوطات الحياة اليومية، وتزايد المصابين بأمراض الضغط والسكري وغيرها من المتاعب التي تتسبب في هذه التعقيدات الصحية الخطيرة، التي غالبا ما تؤدي إلى الموت في حال عدم التكفل السريع بها، وهو ما شكل ضغطا كبيرا على المستشفيات العمومية و المصحات الخاصة.
900 عملية تُجرى بمستشفى ابن باديس
ويؤكد مدير المستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة، كمال بن يسعد في تصريح للنصر،  بأنه ومنذ استفادة المؤسسة من هذا الجهاز قبل أقل من عام، فقد تم التكفل بتشخيص وعلاج ما يقارب 900 حالة، وهو رقم كبير جدا يفوق طاقة استيعاب الجهاز، كما أوضح مصدر آخر من المستشفى بأنه تجرى يوميا ما يفوق 15 عملية، في حين كان من المفروض أن لا يتجاوز عدد التدخلات سقف 10 يوميا، كأقصى تقدير، وذلك تطبيقا للتوصيات التقنية التي أقرتها المؤسسة المصنعة له، كما أكد بأن المواعيد تمنح لمرضى يقطنون في ولايات مجاورة، وهو ما تسبب في ضغط كبير وإعطاء مواعيد في تواريخ بعيدة.
ويضيف السيد بن يسعد، بأن المستشفى يستقبل حالات مرضية من مختلف الولايات الشرقية، حيث أن طبيعة التدخل بالقسطرة لا تتطلب انتظارا كونها مصنفة ضمن الحالات الاستعجالية، كما أشار إلى أنه وبعد دخول الجهاز الجديد بمستشفى الرياض المتخصص، فإن الضغط سيتراجع عن المستشفى الجامعي.
و قد ذكر مرضى القلب للنصر، بأن العديد منهم، قد عانى الأمرين للحصول على موعد للعلاج بالمستشفى الجامعي بسبب الضغط الكبير الذي تعرفه هذه الوسيلة العلاجية، حيث ما يزالون في انتظار دورهم، واستعانوا بوساطات للحصول على موعد، فيما اضطر العديد منهم إلى اللجوء إلى مصحات خاصة بتوجيه من صندوق التأمينات الإجتماعية، وهو ما استغرق أيضا وقتا طويلا، بسبب الإجراءات الإدارية والمواعيد البعيدة، في حين وجد المرضى غير المؤمنين اجتماعيا أنفسهم في مواجهة وضع صعب، بسبب التكاليف الباهظة للعلاج ما قد يؤدي إلى وفاة المصابين.
تقديم مواعيد بعيدة بسبب الضغط
ويؤكد محدثونا بأن العديد منهم تعقدت وضعيتهم بسبب طول مدة الإنتظار، باعتبار أن حالاتهم تتطلب تدخلا مستعجلا نتيجة انسداد الشرايين، كما أشاروا إلى أنهم يتوجهون أيضا إلى المستشفى المتخصص في أمراض القلب بن تشيكو ولا يتم التكفل بهم، لانعدام الجهاز الذي تعرض للتخريب قبل عامين، إذ يتم توجيههم إلى المستشفى الجامعي أو إلى صندوق التأمينات الإجتماعية.
وذكر مريض يبلغ من العمر 65 عاما، بأنه اضطر إلى التوجه لدى أحد الخواص بولاية سطيف، أين شخص مرضه ودفع مبلغا يقدر بسبعة ملايين سنتيم، علما أنه متقاعد ومنحته الشهرية لا تتعدى ثلاثة ملايين سنتيم، مضيفا بأن الطبيب المختص شدد عليه بضرورة إجراء العملية في أقرب الآجال، لكن إدارة  المستشفى الجامعي منحته موعدا بعيدا، وهو ما اضطره إلى التوجه لصندوق «كناص»، الذي وجهه إلى مصحة خاصة بعنابة بعد قرابة شهر من تشخيص المرض.
«قُرب» الاستفادة من جهاز جديد
وأفاد مصدر مسؤول بمديرية الصحة، بأنه من المنتظر أن تستفيد الولاية من جهاز جديد للقسطرة خلال الأيام المقبلة، حيث تم اقتناء واحد لفائدة مستشفى بن شيكو، سيدخل حيز الخدمة في آجال لاحقة، بعد أن كان مقررا أن تستفيد منه المدينة الجديدة علي منجلي، حيث تجرى الآن التجارب على هذا الجهاز الدقيق وهو ما من شأنه أن ينهى معاناة المرضى، كما لفت إلى أن أطباء أخصائيين تم تحويلهم من بن تشيكو إلى المستشفى الجامعي لإجراء عمليات بهذه الوسيلة العلاجية.     
ويرى مسؤول آخر، بأن المشكلة لا تمكن في توفر الجهاز من عدمه بل تتعداه إلى النقص الكبير في أطباء القلب المختصين في استعماله، حيث أنه وفي ولاية قسنطينة يوجد ثلاثة أخصائيين فقط، اثنان منهم تابعان لمستشفى الرياض والثالث للمستشفى الجامعي، في الوقت الذي لا تتوفر فيه العديد من الولايات الشرقية  كجيجل وباتنة وميلة وأم البواقي و سوق اهراس و تبسة، على أي مختص في العلاج بهذا الجهاز، وهو ما شكل ضغطا على قسنطينة طيلة الـ 10 سنوات الأخيرة، لاسيما بالمؤسسة المتخصصة لأمراض القلب، مبرزا بأن جهاز القسطرة الذي تعرض للتلف ليس بسبب التخريب الذي طاله من طرف أحد المواطنين، بل لقدمه وكثرة استعماله.
ويبرز المسؤول، بأن المصابين بانسداد الشرايين في تزايد مستمر، إذ يعد من بين أمراض العصر، كما أن الأطباء اليوم يعتمدون في التشخيص على جهاز القسطرة، وهو ما يجعله على قائمة الأولويات للتكفل بمرضى القلب، لكن المشكلة تكمن في انعدام التكوين في هذا التخصص وهو أمر يقع على عاتق وزارتي الصحة والتعليم العالي،  مشيرا إلى أنه وفي حال اقتناء 4 أجهزة فإن المشكلة ستظل قائمة.
نقص التكوين يزيد من متاعب الأطباء
وأضاف المتحدث،  بأن هذا التخصص غير مدرج ضمن التكوين الذي تشرف عليه وزارة التعليم العالي، كما أن عدد المناصب المالية للمختصين في أمراض القلب، ضئيل جدا، حيث أن طبيب المختص هو من يقوم بتكوين نفسه في هذا المجال، إذا فإننا، بحسبه، أمام مشكلة وطنية ليست خاصة بقسنطينة لوحدها، و تؤدي إلى عدم إجراء المناوبات الليلية، كما أن الأطباء لا يمكنهم العمل لأكثر من 6 ساعات بسبب الأشعة الخطيرة المنبعثة من الجهاز، فيما تعزف الطبيبات، مثلما أكد، عن العمل في هذا المجال بسبب التعقيدات الصحية المترتبة عن هذا الأمر.
ويرى المسؤول، بأنه لابد على وزارة التعليم العالي، أن تضاعف في مناصب التكوين، باعتبار أن المجهودات المبذولة من الأطباء العاملين في القطاع العمومي كبيرة جدا، إذ لا يعقل، بحسبه، أن يعملوا صباحا بالمستشفى الجامعي ومساء بالمؤسسة المتخصصة الرياض، كما أكد بأن تكاليف العلاج باهظة الثمن ولا يمكن لمختلف الطبقات أن تتحملها، حيث أن التشخيص يتطلب ما يفوق 7 ملايين سنيتم أما العملية، فتكلف مبالغ تبدأ من 15 مليون سنتيم بحسب نوعية وعدد النوابض المستعملة.
لقمان/ق

الرجوع إلى الأعلى