قصة نازحين تخلّت عنهم المدينة و رفضهم الريف
قبل 35 عاما، اتخذت ولاية عنابة قرارا بإعادة سكان أحياء الصفيح التي كانت تطوقها، إلى مناطقهم التي نزحوا منها مطلع السبعينات بحثا عن عيش أفضل،  وذلك بعدما كانت عنابة تعيش نهضة صناعية و اقتصادية متسارعة
و تجلب إليها العمالة من كل جهات الوطن، ما انجر عنه ظهور تجمعات سكنية فوضوية  شكلت طوقا حول المدينة التي عجزت في  مرحلة  معينة عن إسكان كل النازحين إليها، فقررت ترحيلهم مجددا نحو قراهم الواقعة بأقاليم مدينتي قالمة وسوق أهراس، ليجد هؤلاء أنفسهم أمام وضع مأساوي سببه تجميعهم في مناطق ريفية معزولة
تفتقر لأدنى شروط العيش الكريم.
محمد الصالح البالغ من العمر 70 سنة، هو واحد ممن سكنوا  أحياء الصفيح بمنطقة شبيطة مختار، قرب مدينة عنابة سنة 1983، أين كان يقيم في منزل من الخشب و الصفيح و معه آخرون شملهم  قرار الترحيل من الحي الشهير المعروف ببوحمرة، و قد كانت وجهتهم هي مسقط رأسهم بلدية وادي الشحم الواقعة شرقي قالمة، بعدما ضبطت سلطات ولاية عنابة قوائم تحدد المناطق الأصلية لكل الوافدين إليها، بغرض تسهيل إجراء  إعادتهم إلى بلدياتهم و قراهم الأصلية تمهيدا  لهدم أحياء الصفيح و بناء أحياء جديدة تكون قادرة على استيعاب الطلب المتزايد على السكن.
و على غرار العديد من جيرانه في أحياء القصدير السابقة بعنابة، كان  محمد الصالح من بين من  حملتهم الشاحنات رفقة أطفالهم و متاعهم و ألقت بهم في منطقة جبلية معزولة بقالمة، خلال عمليات القضاء على منازل الصفيح، ما اضطرهم للعيش لسنوات في ظل ظروف صعبة  داخل تجمع ريفي صغير بوادي الشحم يسمونه بوحمرة، مع أن واقعهم بدأ يتغير إلى الأفضل اليوم بفضل إطلاق عدة مشاريع لتحسين ظروف المعيشة و القضاء على المشهد البائس الذي ظل يخيم على بوحمرة الصغيرة، لسنوات كان عنوانها الفقر و العزلة و العطش، حيث شارك سكان التجمع مؤخرا في إطلاق مشروع ربط المنطقة بالغاز الطبيعي.
بوحمرة وادي الشحم بقالمة، أصبحت تسمى اليوم بوخضرة  بعدما عاد إليها سكانها، حيث تحولت المنطقة إلى قرية جميلة تحت سفح غابات الفلين على حدود ولاية سوق أهراس وقد زارها والي قالمة الأسبوع الماضي، لتدشين مشروع الغاز الطبيعي و إنهاء معاناة استمرت سنوات طويلة مع قارورات الغاز،  و كانت فرحة السكان بوصول شبكة الغاز إلى منازلهم كبيرة  خصوصا وأن مواقد الغاز الطبيعي ستشتعل في رمضان القادم.  
حاليا لم يتبق في المنطقة منازل صفيح كثيرة، بعدما استفاد غالبية سكانها من إعانات ريفية سمحت لهم بتشييد منازل مناسبة، تتوفر على شبكتي الكهرباء و الغاز، يمكن الوصول إليها بسهولة بفضل الطريق المعبد الذي يربطها بباقي بلديات الولاية، مع ذلك يطالب السكان بتوسيع مشاريع فك العزلة عن قريتهم، بداية بإنجاز مدرسة و مسجد و شق شبكة طرقات داخلية، خصوصا في ظل معاناتهم من  مشكل الأوحال التي تصعب مهمة التنقل بين المنازل بعد كل تساقط مطري كما يطرح أيضا مشكل عدم توفر المياه الشروب بشكل كبير و يعد من أبرز منغصات العيش في المنطقة.
وحسب محمد الصالح، فأن فرحته بالعودة إلى مدينته الأم لا ينغصها سوى قلة المرافق الضرورية للعيش الكريم على غرار  المدرسة و المسجد، خصوصا وأن أطفال القرية يضطرون يوميا إلى ركوب الحافلات و التنقل لكيلومترات عديدة من أجل التمدرس وهو ما يرهن مستقبل الكثيرين منهم و يحبط عزيمتهم و يؤثر على رغبتهم في تحصيل العلم.
و مازال الكثير من سكان وادي الشحم و غيرها من بلديات قالمة، يعيشون بعنابة إلى غاية اليوم، لكن غالبيتهم عادوا إلى قراهم القديمة بعد عمليات الترحيل التي عرفتها مدينة عنابة بداية الثمانينات و تعد قرية بوخضرة الريفية ببلدية وادي الشحم شرق قالمة، نموذجا حيا على هذا الواقع، الذي يروي قصة مواطنين نزحوا من قراهم نحو المدينة الكبيرة بحثا عن حياة أفضل، فسكنوا القصدير و الصفيح لسنوات و عانوا التهميش والإقصاء، قبل أن يرحلوا مجددا نحو قراهم القديمة، لتتجدد معاناتهم بسبب ظروف العيش الصعبة على مستوى هذه المناطق المعزولة المحاذية للوادي.           فريد.غ

الرجوع إلى الأعلى