تفتح هاتفك النقال تنقر على الشاشة، فيخبرك التطبيق الطبي الذي قمت بتحميله مؤخرا، بأن ضغط دمك مرتفع أو منخفض ، وقد يخبرك أيضا كم سعرة حرارية عليك أن تخسر لتتمتع بوزن مثالي، أما إذا أوصلت هاتفك ببعض الأجهزة الصغيرة، فيمكنك أن تحصل على تحليل لعينة البول أو الدم قد يشخص إصابتك بالسرطان أو ينذرك بسكتة دماغية محتملة، هذه هي الثورة الصحية الجديدة التي يرى الكثيرون بأنها قد تغنينا يوما عن زيارة الطبيب، فهل هذه الفحوصات صحيحة، وهل التطبيقات الذكية قادرة فعلا على تعويض التشخيص المباشر؟، أم أنها مجرد حيل تجارية تتغذى عليها التكنولوجيا لكي تتطور و تعيش.
التطبيقات الصحية المتنقلة هي أجهزة طبية تدمج بين تطبيقات الهاتف والأجهزة الإلكترونية الطبية الإضافية التي يمكن إيصالها بالمحمول أو إيصالها مباشرة بمنصة طبية إلكترونية منظمة عن طريق شبكة الإنترنت و التي يمكن عن طريقها مراقبة مختلف الإشارات الصحية الحيوية، مثل الوزن ومستويات الكوليسترول، كما يمكن لبعضها اكتشاف الأمراض، و يزيد عدد هذه التطبيقات المنتشرة عبر الانترنت و التي تشتغل عموما عن طريق نظام أندرويد، عن 100 ألف تطبيق.
تطبيقات اللياقة البدنية الأكثر استخداما  
الملاحظ في بلادنا، أن هذه التطبيقات بدأت تحظى تدريجيا باهتمام الجزائريين، رغم أن السواد الأعظم منهم يفضلون الفحص التقليدي على يد الطبيب، لكن بالمقابل هناك نسبة معينة من الأفراد يعتمدون على طبيب الجيب، إن صح وصفه، خصوصا في ما يتعلق باستخدام تطبيقات  اللياقة البدنية، على غرار « فيت بيت» وهي برمجيات تقدم خدمات توثيقية،  مثل متابعة الوزن و النوم والأكل الصحي و ممارسة الرياضة وتعد الأكثر تحميلا و انتشارا في الجزائر، حسب استطلاع أجرته النصر، شمل عددا من الطلبة و الموظفين و حتى الأطباء، الذين أكدوا بأنهم يعتمدون عليها لتنظيم نمط حياتهم، خصوصا أن استخدامها غير مكلف وبسيط و آني.
الصحفية مفيدة طريفي ، مثلا تستخدم تطبيق  « والك مود»، لأنه يساعدها على مراقبة لياقتها البدنية و ضبط وزنها و تنظيم استهلاكها للمياه بالقدر الذي يحتاجه جسدها يوميا، كم أشارت المتحدثة إلى أنها تستخدم كذلك تطبيقا آخر يعرف باسم» فلو»  و يعد، كما عبرت، بمثابة طبيبة متخصصة في أمراض النساء، لأنه جد دقيق في ما يتعلق بضبط رزنامة الدورة الشهرية، و احتساب أيام التبويض، فضلا عن ذلك فهو يقدم حسبها، تشخيصا دقيقا للحالة الصحية للأنثى من خلال مراقبة أدائها الوظيفي.
 أما صورية مخبي، وهي قابلة بعيادة التوليد بسيدي مبروك بقسنطينة، فأكدت بأنها تعتمد بشكل دائم على بعض التطبيقات الذكية، خاصة  التي تساعد على حساب عمر الحمل أو ما يعرف ب» حاسبة الحمل»، فهذا التطبيق في رأيها ، يعد جد مفيد، سواء في ما يخص السرعة والآنية أو بالنسبة لدقة الحساب، معلقة بالقول « سابقا كنا نعتمد على الحساب التقليدي، ثم عمدت بعض مخابر الأدوية إلى تزويدنا برزنامة حساب ورقية، لكننا اليوم بتنا نعتمد بشكل شبه مطلق على التطبيقات الذكية، نظرا لفاعليتها العالية».
 و أكد من جهته عبد الرحمان بعيش، طالب بقسم اللغة الفرنسية بجامعة منتوري بقسنطينة، بأن تطبيق « هاي كير»، يعتبر مرشده الروحي، لأنه يعتمد عليه بشكل يومي لمراقبة معطياته الحيوية و متابعة نشاطه البدني من خلال احتساب معدلاته الحيوية بصفة منتظمة.
تكنولوجيا تتغذى على الهوس بالجمال و الرشاقة
يمكن لمن يتابع حسابات الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة فايسبوك و انستغرام، أن يلاحظ الانتشار المتزايد لاستخدام هذه التطبيقات، كما يمكنه أن يقف على توجه جديد تروج له عدد من المدونات و نجمات الشبكة الاجتماعية،  على غرار « أميرة ريا» و  «مدموزيل أس»، و هو استخدام تطبيقات تعنى بجمال الوجه و  العناية بالبشرة.
و يلاحظ أيضا، بأن انتشار و ازدهار هذه التطبيقات، يتماشى بشكل كبير مع ارتفاع معدلات البدانة في المجتمع، فليس من الغريب أن تأتي تطبيقات اللياقة و فقدان الوزن والحميات، في مقدمة التطبيقات الصحية الأكثر تحميلا في العالم، مثل « فيت بيت» و مي فيتنس بال» الذي يستخدمه نحو 40 مليون شخص عبر العالم.
الانتشار لا يعني الفاعلية
رغم شعبية هذه التطبيقات الذكية، إلا أن نتائجها لا تعد دقيقة دائما، كما أن استخدام بعضها مكلف، لأنه يتطلب توصيل المحمول بأجهزة أخرى صغيرة تستعمل للفحص و إجراء التحاليل، وقد جاء في موقع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، بأن لجنة التجارة الفيدرالية فرضت سنة 2011 غرامة على تطبيق « اسيناب آب»، الذي كان  يدعي قدرته على علاج حب الشباب عن طريق ضوء شاشة المحمول، مثلما تم تعليق العمل بتطبيق  « يو تشيك» في الولايات المتحدة الأمريكية الذي كان يزعم أنه يستخدم كاميرا الهاتف، لتفسير نتائج شرائط تحليل البول، و بالتالي تشخيص الإصابة ببعض الأمراض، بالمقابل سجلت مخاوف في ما يتعلق باحترام الخصوصية و مدى حماية معلومات المستخدمين وعدم استغلالها لأغراض أخرى، خصوصا وأن آليات استخدام أي تطبيق تلزم المستخدم بقبول شرط الوصول إلى البيانات الشخصية.
البروفيسور ياسين قيطوني أخصائي في الطب الداخلي
التكنولوجيا هي مستقبل الطب
أكد البروفيسور ياسين قيطوني، عضو اللجنة الوطنية البيداغوجية لشعبة الطب، و طبيب ممارس بمصلحة الأمراض الداخلية بمستشفى قسنطينة الجامعي، للنصر، بأنه لا يمكن التخلي عن التكنولوجيا الحديثة في مجال الطب،  و بعض التطبيقات أصبحت وسيلة لتسهيل العمل أحيانا، خصوصا ما يتعلق بالتطبيقات الحسابية، التي قال بأنها تعتمد على معادلات حسابية و خوارزميات تعنى بحساب مؤشر كتلة الجسم، لتحديد معدلات السمنة، أو مراقبة نشاط الكلى، ناهيك عن التطبيقات التي تعمل وفق نظام حساب دقيق يقوم، حسبه، على مراقبة وضع مريض السكري على سبيل الحصر، و إنجاز مخطط بياني يحدد نشاط الغدة و تفاعلاتها في الجسم خلال فترة معينة، وهي عموما تطبيقات دقيقة و سريعة تسهل عمل الطبيب بشكل كبير، كما عبر.
أما بالنسبة للتطبيقات الأخرى التي تعتمد على مقاربة بعض الأعراض المرضية و تقييم حالة الجسم لتشخيص أمراض معينة، فإنها تبقى في اعتقاده، أقل دقة، و من النادر الاعتماد عليها في علميات الفحص.  
شراكة لتطوير البرمجيات بين المستشفى و كلية الإعلام الآلي بقسنطينة
حسب البروفيسور قيطوني، فإن اهتماما كبيرا وجادا بتطوير التطبيقات التكنولوجية الطبية سجل في  كلية الإعلام الآلي بجامعة قسنطينة 2 ، وذلك بالتنسيق مع مصلحة الطب الداخلي و إدارة مستشفى ابن باديس الجامعي، إذ تم العام الماضي إنجاز برنامج عمل يعرف ببرنامج « إي سونطي» ، لتطوير برمجيات طبية  تساعد و تسهل عمل الطواقم الطبية في قسنطينة و على مستوى الوطن.
المتحدث كشف عن انجاز بحوث عديدة، منها مشروع  علبة دواء ذكية موجهة للمرضى، خاصة المسنين، و من يعانون من مشاكل في الذاكرة، وهي علبة تفتح بطريقة آلية بمجرد وصول وقت تناول الجرعة أو قرص الدواء، وترسل إنذارا مباشرا إلى الهاتف المحمول الخاص بالشخص المعني، أو المسؤول عن متابعة صحته من أبنائه مثلا، في حال لم يلتزم المريض بأخذ علاجه في وقته. 
 كما طور فريق البحث تطبيقا آخر، هو تطبيق « الحمام المتصل» و يتمثل في كونه نظام إنذار، يحذر من حوادث سقوط المرضى أو حتى الأشخاص الأصحاء بشكل خطير، في الحمامات المنزلية أو على مستوى المستشفيات، إذ يعمل التطبيق على معالجة طبيعة الأصوات و نبرتها و الاعتماد في تحليل الوضع على خوارزمية تعنى بقراءة بعض التعابير الشائعة في مجتمعنا و التي تشير إلى وقوع خطب ما.
 و يعمل الفريق أيضا، حسب البروفيسور قيطوني، على إعداد قاعدة بيانات تخص التصريح الإجباري للمرضى والأطباء بالأمراض المعدية والخطيرة ، كالسل مثلا، وهي قاعدة بيانات وطنية، كما يطور طلبة الإعلام الآلي برمجيات أخرى، منها تطبيق «مناوبتي» الذي يعد أيضا بمثابة قاعدة بيانات واتصال تحدد لطبيب المناوبة أسماء زملائه المناوبين في مختلف المصالح و تسهل عليه عملية التواصل معهم.
الدكتور صهيب لزعر أخصائي الجهاز الهضمي و الكبد
التطبيقات الذكية لا يمكن أن تقدم تشخيصا طبيا دقيقا
أما الدكتور صهيب لزعر، أخصائي الجهاز الهضمي و الكبد، بالمؤسسة الاستشفائية عبد الرزاق بوحارة بسكيكدة، فيرى بأنه لا يوجد أي تطبيق ذكي يمكنه أن يعوض عمل الطبيب، أو يقدم تشخيصا دقيقا لحالة مرضية، لأن الكشف عن الأمراض كالسكري، أو الكولسترول وغيرها، يتطلب تحليل مخبري لعينات الدم، ومن غير المنطقي أن يتم تشخص حالة معينة بالاعتماد على بصمة الإصبع أو اليد، و بالنسبة لضغط الدم، فإن قياسه لا يكون دقيقا أو ممكنا، حسبه، إلا من خلال جهاز خاص.
وأضاف المختص بأن هناك حديثا عن تكنولوجيا جديدة تمكن من قياس ضغط الدم عن طريق الشعيرات الدموية، لكنها ليست مجربة إلى غاية الآن، ولم يتم الاعتراف بها بعد، و يبقى ،حسبه، البديل الوحيد لجهاز قياس ضغط الدم التقليدي هو السوار الإلكتروني الذي يمكن وصله بالهاتف عن طريق تقنية البلوتوث.
التطبيقات التوثيقية
هي الأكثر فعالية
من جهة أخرى، تعد التطبيقات التوثيقية بمثابة البرمجيات الأكثر فعالية، خصوصا تلك التي تعنى بمراقبة اللياقة البدنية و المؤشرات الحيوية والوزن، و تلعب دور المنبه و المنظم لنمط الحياة، من خلال تحديد مواقيت شرب الماء مثلا، أو عدد السعرات الحرارية الواجب خسارتها أو كسبها، وذلك لأنها تساعد المريض و غير المريض على تنظيم نمطه الغذائي،  كما قال الدكتور لزعر، كما أن التطبيقات التي تقوم بعملية قياس نبضات القلب للمرضى والرياضيين تعد مفيدة كذلك، خصوصا البرامج التي تحلل النتائج بالعودة لمعطيات ساعة يد أو سوار إلكتروني، وعليه يمكن القول، حسبه ، بأن التطبيقات الذكية فعالة في تنظيم بعض جوانب الحياة، لكنها ليست دقيقة، ولا يمكن أن نعتمد عليها كبديل في عملية التشخيص الطبي.
 هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى