صنع الشاب الجزائري يونس دريسي تاني، الحدث خلال الأسابيع الماضية، بعد أن أعاد إحياء تحدي "تراشتاغ" الذي تم تداوله لـ 600 مليون مرة في «الترند» العالمي، ليتحول ابن ولاية تلمسان و خريج كلية الحقوق إلى الناشط البيئي الأكثر شهرة في بلاده، لكن يونس يؤكد أن حبّه للبيئة ليس وليد اليوم بل هو نتاج سنوات من النضال من أجل الطبيعة، كما يكشف عن قصة صورته الشهيرة مع أكياس القمامة و عن سر نجاح مبادرته، و يتطرق لمواضيع أخرى تطالعونها في هذا الحوار الذي خص به النصر.

حاورته: ياسمين بوالجدري

في البداية، هل يمكن أن تعرّف القراء من هو يونس دريسي تاني؟
عمري 27 سنة من مواليد ولاية تلمسان و متخرج من جامعتها و تحديدا من كلية الحقوق، أين تحصلت على شهادة ماستر في قانون المؤسسات. بمجرد تخرجي كرّست وقتي للبيئة، لكني في الحقيقة كنت أرغب في دراسة ماستر حقوق البيئة للدفاع عن البيئة لكنه لم يمكن موجودا في الجزائر.
كيف بدأ شغفك بالبيئة؟
أنا ناشط في مجال البيئة منذ سنة 2010، و مردّ ذلك أني نشأت في عائلة بيئية فلاحية تقوم بغرس الأشجار و تحب الحيوانات و تحافظ عليها، فأسرتي تقطن في منطقة «حناية» القريبة من الأراضي الفلاحية. و في الحقيقة حبّي للبيئة جاء من شعوري بالخوف، فعندما كبرت و أصبحت بالغا فهمت أن الطبيعة مهددة و خفت عليها.
كيف ذلك؟
كانت توجد بمنطقتنا أرض فلاحية و قد دافعت عنها بشدة لكي لا تنجز بنايات عليها، لكن العكس حصل و استبدلت هذه الأرض بالاسمنت، كذلك كان هناك وادٍ يمر علينا منذ 30 سنة، و قد كانت مياهه نقية إلى درجة أن السكان كانوا يسبحون فيها، لكنها امتزجت اليوم بمياه الصرف الصحي. كنت كذلك كلما أمارس الرياضة أو المشي لمسافات طويلة في نقاط بعيدة أو معزولة، أصادف مفرغات في طريقي و لا أحد يصل إليها ليخفف الألم الذي تحس به الطبيعة هناك بسبب التلوث.
برز نضالك من أجل البيئة على صفحة «فايسبوك» أطلقت عليها في البداية اسم «حناية بروبر»، حدثنا عن هذه التجربة و ما الذي دفعك لخوضها؟
قبل ذلك كنت أنشط و أحافظ على البيئة في صمت، فما قمت به في هذه الفترة أكثر مما حققته في الأربع سنوات الأخيرة بالمناطق المنعزلة. الفرق أنني أسمعت صوتي هذه المرة بعدما أيقنت أن الوقت قد حان لتبليغ الرسالة لكي يفهم الناس أن هناك مخلوقات و أشجار و أرض و كون، و أن الإنسان يجب أن يكون شريكا في هذا الكون و ليس أجيرا فيه.
على هذا الأساس أنشأت صفحة “حناية بروبر»، نسبة إلى منطقة «حناية» التي أعيش بها، و ذلك لتشجيع النظافة، لكن هدفي الفعلي لم يكن النظافة لأن التنظيف أمر يومي لا علاقة له بالبيئة، فهذه الأخيرة مرتبطة بالتبذير و احترام الطبيعة و الإنسان أيضا، فإذا لم نحترم الإنسان كيف نحترم البيئة، و إذا لم تكن للإنسان قيمة و هو يمشي على الأرض كيف سيعرف أن هناك كائنات أخرى غيره يجب احترامها. لهذا السبب أعطيت قيمة للإنسان أكثر و الطفل بصفة أكبر، فمعظم رسائلي موجهة إليه، بعدما لاحظت أن الأطفال هم الأكثر قابلية للتعلم و ليس البالغون.
متى أنشأت الصفحة؟
عندما بدأت النشر في صفحة «حناية بروبر» كان هدفي تحفيز الناس نحو التغيير، و قد كان ذلك سنة 2016، لكن حدثت لي مشكلة صغيرة بسبب تسمية الصفحة باسم المنطقة، فقد فُهمت المواضيع الإنسانية التي أطرحها، على أساس إيديولوجي و بشكل غريب، فأنشأت صفحة أخرى تحمل اسمي «دريسي تاني يونس” لكي لا تكون مجهولة و لكي ينسب كل نشاط لي و ليس لصفحة أخرى أو عمل آخر، و الميزة في هذا الأمر أن الناس عرفتني، حيث كنت مجهولا بالنسبة لهم، فبدأ التواصل معي لطلب التعاون معي و مشاركتي النشاطات، و في الحقيقة هدفي لم يكن جمعويا بل بيئيا مدنيا، فبرأيي حماية البيئة ليست بحاجة لجمعية لأننا نستفيد من الشمس و الهواء و التربة التي تقدمها لنا يوميا، لذلك يتعيّن على الإنسان أن يعرف كيف ينضبط و يتعايش مع هذا الأمر، فالاعتناء بالطبيعة يعني الاعتناء بأنفسنا.

صنعت صورتك الشهيرة مع أكياس القمامة و بدونها صدى عالميا كبيرا، أخبرنا عن قصة هذه الصورة و ظروف التقاطها؟
لقد التقطت الصورة الأولى في ديسمبر من سنة 2017 في عز التلوث الذي كانت تشهده منطقة تبعد بحوالي 3 كيلومترات عن مدينة حناية أين أعيش، أما الثانية فقد التقطت في مارس 2018، و السبب هو أني انتظرت عودة نمو النباتات لمدة 4 أشهر، و هدفي كان تجسيد دور الطبيعة و إظهار أنها استردّت حقوقها في هذه الصورة غير العادية التي قال البعض إنها مفبركة و هذا غير صحيح. و لأشرح لك أكثر، هذه الصورة كانت مشهدا بناء على فكرة وضعتها في سيناريو مكتوب لأجسده على الواقع.
لكن الكثير من مستخدمي مواقع التواصل لا يعلمون مدى عمق هذه الصورة و اعتقدوا أن الهدف منها هو التوعية برفع النفايات فقط، كما أنها لم تحدث صدى قويا إلا قبل أسابيع بإطلاقك تحدي «تراشتاغ تشالنج»
صحيح، لحد الآن لا يزال هناك من لم يفهموا الرسالة بعد، فالهدف من “تراشتاغ» هو الوصول إلى الأماكن المنعزلة، و هذه أول مرة أصرح فيها بهذا الأمر للصحافة، فهناك أمكنة معزولة تعاني. ليس على الإنسان أن يقوم بمبادرة “تراشتاغ» في حيه بل يجب الذهاب إلى نقاط لم يصل إليها أحد وسط الطبيعة التي تعاني.
قبل «تراشتاغ» أطلقت تحديات أخرى في مجال الحفاظ على البيئة، حدثنا عنها
عند أول مرة نشرت فيها صورتي الشهيرة في 30 مارس من سنة 2018، لم أرفِق معها وسم «تراشتاغ»، لكني كتبت معها عبارة “لرفع التحدي”، فنالت الإعجاب و الصدى في الجزائر، لكنها لم تؤخذ بعين الاعتبار على الواقع لأن كثيرين ببلادنا لا يؤمنون بالبيئة مع الأسف. بعدها بقيت أتابع تداول هذه الصورة على صفحات التواصل، و بعد 4 أشهر أطلقت هاشتاغ جديد تحت اسم “يونس كان تشالنج» أي “يونس يستطيع التحدي” و بنفس الصورة، لأني كنت أنتظر أن تحقق صدى أكبر، لأني اشتغلت عليها كما أنها لم تأت بسهولة.
إذن كنت تتوقع ردة الفعل بناء على خطوات مدروسة؟
نعم كنت أتوقع ردة الفعل التي أخذت بعدا عالميا مع وسم «تراشتاغ»، لكن تمنيت لو تحقق هذا الصدى منذ أول مرة وضعت فيها الصورة التي لم تعط لها قيمة، إلا عندما اهتم بها الخارج عبر وسائل الإعلام هناك.
كيف بدأ تحدي «تراشتاغ»؟
في البداية أطلقت تحدي «من يبدأ برفع التحدي» ثم أردت خلق جو من التنافس لنساهم جميعا في حماية الكون عبر وسم «يونس كان تشالنج»، و بعد فترة وصلت صورتي عبر “فايسبوك» إلى أمريكي من ولاية أريزونا اسمه بايرون، حيث تواصلت معه و تبين أن لا علاقة له بالبيئة لكن الصورة أعجبته، و عندما علم أن الأمر يتعلق بتحدي، أطلقه على صفحته على أساس أنه تحد جديد موجه للأشخاص الذين يشعرون بالملل في حياتهم و يسمح لهم في نفس الوقت بالتخفيف عن الأرض. ميزة هذا المتابع الأمريكي الذي اعتقد المستخدمون في البداية أنه هو الذي في الصورة، هي أنه كان قريبا من وسائل الإعلام في منطقته التي تضم مقار شركات إعلام كثيرة، و من هناك لقيت الصورة صدى كبيرا في الولايات المتحدة الأمريكية و منه إلى البرازيل و المكسيك، كما وصلت حتى إلى كوريا الشمالية المعروفة باحترامها الصارم للمقاييس البيئية و قلة التلوث و هذا ما أسعدني كثيرا.
هل صحيح أن “تراشتاغ» لم تكن فكرتك؟
في الحقيقة مفهوم «تراشتاغ» ظهر في 2015 حين أطلقته منظمة أمريكية لحماية الطبيعة، لكنه لم يلق صدى كبيرا في المرة الأولى و بقي محليا، و ما احتاجه كان عملا تمثيليا ليشتهر، و هذا ما قمت به ليكون الوسم عالميا، و الحمد لله نجحت و هذا ما حصل فعلا.
كيف بدأ التفاعل العالمي الكبير الذي أحدثته هذه المبادرة؟
أول اتصال تلقيته كان من نيويورك من طرف صحفيي شبكة «سي أن أن» العالمية، و أول سؤال طرح علي كان “هل أنت الذي في الصورة؟”، بعدها تهاطلت الاتصالات من أستراليا و مصر و بريطانيا و فرنسا و كذلك كندا و الهند، و الجميع كانوا يطرحون نفس السؤال، فأخبرتهم أن من في الصورة هو أنا و بأنني جزائري، و بأن الأمر لا يتعلق بأمريكي مثلما كانوا يعتقدون في البداية.
بعد هذا النجاح الكبير الذي حققته، هل تلقيت اتصالات من مسؤولين أو نشطاء في مجال البيئة حول العالم؟
بالنسبة للمسؤولين الجزائريين لم أتلق اتصالا، و أنا متفهم لطبيعة المرحلة الحساسة جدا التي تمر بها بلادنا، لكن تلقيت اتصالات من منظمات بيئية عالمية أرادت اكتشاف التجربة و الشراكة معي، و لحد الآن لا شيء مؤكد بخصوص أي تعاون محتمل.
nلا يزال الاهتمام بمجال البيئة في الجزائر محدودا، هل ترى أن مثل هذه المبادرات يمكنها تشكيل نوع من الوعي الجماعي بأهمية هذا الجانب سيما لدى فئة الشباب؟
لقد قلت لك إني بدأت العمل مع الأطفال، حيث أعطوني الأمل في الاستمرار، فقد كانوا يبحثون عني و يسألون دائما عن النشاط المقبل، و هذا ما شجعني. في هذا الخصوص أنا لست متشائما و لا متفائلا، فحتى التفاؤل يتطلب الحركة و ليس البقاء جالسين، لأننا بهذه الطريقة لن نغير شيئا.
رغم أن الجزائر ليست دولة صناعية إلا أنها تشهد مشاكل تلوث، فالأكياس البلاستيكية على سبيل المثال تحوّلت إلى ديكور بشع شوه مدننا و قرانا، ما رأيك؟
في هذا الخصوص أعطيك معلومة بأني أرفض استعمال الأكياس البلاستيكية منذ 1088 يوما، أي منذ قرابة 3 سنوات، فعندما أخرج للتبضع أستعمل القفة أو كيسا صديقا للبيئة. أرى أن إنتاج هذه الأكياس و تقديمها مجانا تبذيرا، لذلك يجب أن تكون البيئة أولوية بالنسبة لنا بتبني الأشياء الإيجابية و العادات الصديقة للبيئة و بعدم الانتظار من المسؤولين لكي يقوموا بذلك.
هل استطعت التأثير على محيطك بجعلهم يتّبعون عادات صديقة للبيئة؟
الحمد لله، غيرت نفسي فغيرت المنزل و الحي ثم العالم، و أنا أفرح كثيرا عندما أرى الأطفال يفعلون مثلي.
ما هو موضوع التحدي المقبل؟
التحدي المقبل سيكون حول الأكياس البلاستيكية عبر «هاشتاغ» جديد، لكن بطريقة جماعية ليكون أكثر تأثيرا، فبرأيي من يرفض كيسا بلاستيكيا يتحلى بوعي كبير لأن المصانع التي تنتجه تستعمل الماء الذي يبذر في هذه الأكياس، حيث تصنع في ثانية و تستخدم لدقيقة لكنها تتطلب 4 قرون لتتحلل في الطبيعة، لذلك أرى أنه من الغباء استعمالها.
هل ترى أن الجزائر مهددة بخطر التلوث و ما الحلول التي تقترحها؟
يجب ألا ننتظر التهديد و الخطر لنتحرك، لكن يجب أن نخاف و نحضر للأسوأ مع توقع الأفضل. و بصراحة الجزائر لم تصل إلى مرحلة خطيرة من التلوث، لكن المشكلة الأكبر تكمن في تلوث العقول و الضمير، و إذا بقينا على هذه الحال فستحدث كارثة لو صرنا مهددين فعليا بالتلوث البيئي.
الحل الأول بسيط جدا لكننا غير قادرين على تجسيده على أرض الواقع، حيث نحتاج مرحلة لدراسة و تسهيل الثقافة البيئية لجميع فئات المجتمع، و إذا أوصلنا هذه الرسالة ستكون هناك بدائل من خلال أفكار يقدمها كل منا.
ما هي مشاريعك التي تطمح إلى تحقيقها في مجال البيئة؟
هناك مشاريع كثيرة لكن لا يمكنني أن أخبرك عن أمر محدد الآن، حيث لا شيء تأكد بعد، غير أن العمل الحقيقي يبدأ الآن، و الأكيد أن التحدي لن يتوقف لأبلّغ نفس الرسالة.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى