تختلف رؤى  مكونات الطبقة السياسية، وخبراء القانون الدستوري، والمواطنين، بخصوص المخارج الممكنة للأزمة السياسية الحالية التي تمر بها البلاد، بين مؤيد للبقاء داخل الإطار الدستوري بعد استقالة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة والذهاب بالتالي نحو انتخابات رئاسية في ظرف 90 يوما، وبين مطالب بضرورة تجاوز كل الأحكام والتدابير التي تنص عليها المادة 102 من الدستور والخضوع بالتالي لرأي الشارع على حد قولهم، وإبعاد رموز السلطة الحالية بالكامل من الواجهة.
والمتتبع لمطالب الحراك الشعبي الذي احتضنه الشارع بداية من 22 فبراير الماضي يلاحظ أنها كانت تأخذ منحى تصاعديا لا يبدو أن له سقفا معلوما، وبخاصة عندما انخرطت العديد من القوى الظاهرة والغامضة والخفية فيه في محاولة لتوجيهه و استغلاله، فقد كان المطلب الرئيس في البداية رفض العهدة الخامسة، بعد التخلي عنها صار المطلب رفض التمديد، ثم المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية، وبعد تنحي الرئيس صار المطلب الرئيس للحراك ذهاب رموز مرحلة بوتفليقة.
وعلى الرغم من الاستجابة لكل هذه المطالب-عدا ذهاب كل رموز المرحلة الذي ما زال ينتظر التجسيد-والاحتكام للدستور وتفادي الخروج عنه، إلا أن بعض محركي الشارع صار مطلبهم اليوم فضلا عن ذهاب كل رموز المرحلة السابقة عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في الرابع جويلية المقبل، وبالتالي تجاوز المادة 102 من الدستور، و هو ما يعني الخروج عن الإطار الدستوري.
لكن هل ذهاب  عبد القادر بن صالح، والطيب بلعيز ونور الدين بدوي سيؤدي إلى إقناع الحراك والكف عن تقديم مطالب جديدة؟ الإجابة عن مثل هذا التساؤل تبدو سلبية، لأن قوى معينة وأطرافا خفية تتكلم باسم الحراك تدفع في كل مرحلة بالشارع إلى رفع مطلب تلو المطلب، فمن يدري ربما بعد رحيل الباءات الثلاث أو الأربع سيكون مطلب الجمعة التي تلي ذلك رحيل آخرين، وبعد ذلك ستكون هناك مطالب أخرى.
واليوم فإن الطبقة السياسية منقسمة بين مبارك لقرار الجيش الالتزام بالخيار الدستوري وعدم الخروج عنه وبالتالي تطبيق المادة 102 من الدستور والذهاب نحو انتخابات رئاسية، حدد عبد القادر بن صالح رئيس الدولة موعدها يوم الرابع جويلية المقبل كما ينص عليه الدستور.
وبين أحزاب أخرى خاصة المحسوبة على المعارضة التي تطالب بضرورة تجاوز أحكام وتدابير المادة 102 والعمل وفق  ما يعبر عنه الشارع كل جمعة، أي الدخول في مرحلة انتقالية و الذهاب إما نحو مجلس تأسيسي كما تطالب بذلك أحزاب معينة، وإما تعيين هيئة رئاسية بشخصيات مقبولة شعبيا.
وفي هذا الصدد يقول جلول جودي القيادي بحزب العمال ردا عن سؤال النصر" هل بات ضروريا برأيكم اليوم تجاوز المادة 102 من الدستور لحل الأزمة؟، " لما تكون هناك إرادة شعبية  موجودة بقوة في الميدان فإنها تلغي الشرعية الدستورية مهما كانت، لأن الشعب لما خرج بهذه القوة وهذه الطريقة واضعا المطلب الأساسي والجوهري هو رحيل النظام ورموزه فمعنى ذلك أن الشرعية  والسيادة الشعبية لابد أن تكرس، بما أنه خرج وطالب بعدم تطبيق المادة 102.
ويضيف المتحدث في تصريح "للنصر" أمس بأنه لابد  أن نفكر كيف نستجيب لكل تطلعات الشعب، وبالنسبة لهم في حزب العمال فإن الحل الأمثل والوحيد الذي يلبي كل تطلعات الشعب هو المجلس التأسيسي الذي ينبثق من الإرادة الشعبية، ويعمل على صياغة دستور يحوي كل مطالب الشعب، ووضع النظام السياسي الذي يستجيب لكل التطلعات، وأضاف في هذا السياق بأن التاريخ بيّن بأن الشعب لما يطالب برحيل نظام ورموزه وتأسيس ديمقراطية حقة فإن تحقيق ذلك ممكن عبر مجلس تأسيسي يعيد تأسيس الجمهورية الثانية بالنقاش على المستوى القاعدي وبنمط معين للانتخاب، وأن يكون هذا المجلس ممثلا لكل فئات المجتمع، وبعبارة أخرى قال جودي أن الشعب اليوم لديه الثقة في نفسه عن طريق مجلس تأسيسي.
بالمقابل هناك رأي آخر لا يتفق  مع هذا الطرح  وهو ما عبر عنه الخبير في القانون الدستوري وعضو المجلس الدستوري سابقا  الأستاذ عامر رخيلة الذي طرحت عليه النصر نفس السؤال " هل بات ضروريا برأيكم اليوم تجاوز المادة 102 من الدستور لحل الأزمة؟"، فقال"  بالنسبة لنا تجاوز المادة 102 معناه الذهاب نحو المغامرة، ونحو احتمال العودة إلى مسار سنة 1992، وهذه النتيجة يؤكدها لي الموقف المتشدد لبعض الذين نصبوا أنفسهم ناطقين باسم الحراك الشعبي الذين يدفعون إلى التخلي عن المرحلة الدستورية لـ 90 يوما لأسباب ودوافع شخصية، لأنهم يبحثون عن فترة كافية للتموقع، وهم بذلك يريدون أن يدخلوا البلاد في مرحلة غير دستورية بدايتها معلومة ونهايتها مغامرة غير محمودة العواقب، لأن عدم احترام آجال الانتخابات يوم الرابع جويلية معناه الدخول في مرحلة انتقالية".
 ويضيف محدثنا بأن تصور هؤلاء للمرحلة الانتقالية أن كل رموز السلطة الحالية لن تكون موجودة فيها، وتجميد العمل بالدستور والذهاب نحو مرحلة انتقالية دون لون محدد، لأن هناك منهم من يطالب بمجلس تأسيسي، وهناك من يطالب بهيئة رئاسية خماسية شبيهة بالمجلس الأعلى للدولة،  تتولى قيادة البلاد وفتح ملفات، وفي هذه الحال يصيب  كل مؤسسات الدستورية شلل تام، وعندها لما يقع مشكل ما لن نجد لمن نلجأ.
ومعنى هذا- يواصل رخيلة- هو توريط الجيش في الشأن السياسي بدعوى أن من يجب أن يتولوا  الأمور السياسية للبلاد غير محضرين جيدا، ثم  في تصوري أن إبعاد الباءات الثلاثة سيزيد من التهاب الشارع، والتصعيد وتقديم مطالب جديدة، و إبعادهم لا يعني احترام مرحلة التسعين يوما، واعتقد أن تقديم التنازلات وإبعاد الباءات سيشجع هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم ناطقين باسم الحراك الشعبي ومحركين للشارع في التمادي في مطالبهم، لأنهم سيجدون ضالتهم في ذلك وسينتهي الأمر بالمطالبة برحيل قائد الجيش.
 ولما سألت "النصر" رخيلة عن الحل في مثل هذه الحالة قال بأنه من الممكن إيجاد فتوى دستورية لإبعاد رموز النظام الحالي لكن لابد أن نحافظ على موعد وآجال الانتخابات الرئاسية، لكن هل هذا يرضي الشارع؟ فيجيب لو كان هناك ممثلون وناطقون باسمه يمكن للسلطة أن تتفاوض معهم و يتم التوصل إلى حلول مثل إنشاء هيئة وطنية تشرف على كامل العملية الانتخابية، لكن للأسف هذا غير موجود.
 ويخلص عضو المجلس الدستوري سابقا إلى أن الدخول في مرحلة غير دستورية هو  دخول في متاهة ستؤدي إلى تدخل الجيش وبعدها ستشكوه، الأطراف التي تتحدث اليوم باسم الحراك، للمؤسسات والمجتمع الدولي، ويصفون تدخله على أنه انقلاب على الإرادة الشعبية وعلى الحراك.    
  إلياس -ب

الرجوع إلى الأعلى