مرضى صغار يعانون الملل و الاكتئاب و ارتفاع ضغط الدم بسبب رفضهم البقاء بالمستشفى
يعيش الأطفال المرضى الماكثين بالمستشفى لأجل العلاج، صعوبة في تقبل حالتهم المرضية، رغم بقاء أمهاتهم أو جداتهم أو إحدى عماتهم أو خالتهم، معهم لمرافقتهم طيلة فترة مكوثهم بالمستشفى و التي تتجاوز في بعض الأحيان 5 أشهر و نصف، النصر تحدثت إلى عدد من الأطفال بمستشفى الأطفال بالمنصورة و كذا مصلحة الأطفال بالمستشفى الجامعي بقسنطينة و نقلت معاناتهم و معاناة ذويهم.

يعبّر عن اشتياقه لأهله بالبكاء

خالد (12سنة) ابن ولاية سكيكدة، رفض إزالة اللحاف، عن وجهه رغم حرارة الجو المرتفعة، يمكن هروبا من نظرات المريضات الصغيرات اللائي يقاسمنه الغرفة، حتى لا ترين دموعه و هو يبكي رفضا للبقاء بالمستشفى، حسب عمته التي أوضحت بأنها تضطر لمرافقته كلما استدعى الأمر إدخاله المستشفى بدل والدته لأسباب أسرية، تمنعها من التواجد مع صغيرها الذي يعاني قصورا كلويا مزمنا، حرمه من عيش طفولته كأترابه و التمتع بصغره، حيث صارحنا الطفل خالد، بعد تخلصه من نوبة الغضب التي انتابته مباشرة بعد دخوله المستشفى، مرة ثانية بعد أن تعوّد على البقاء في البيت، بين الأهل، بأنه ملّ البقاء بالمستشفى، لأنه يشتاق إلى بيته و عائلته و والديه و يشعر بالضجر في الفترة المسائية، و بشكل  خاص بعد انتهاء الساعات المخصصة للزيارة.
خالد الذي تسبب له المرض في تأخره في الدراسة حيث لا زال يدرس في الصف الرابع، قال أنه لا يقوى على متابعة الدروس بشكل منتظم، لأنه يمكث بالمستشفى أكثر من 15يوما و ذلك بصفة متكررة، و رغم استفادته من دروس دعم يقدّمها لهم متطوّعون من خارج المؤسسة الاستشفائية، غير أنه لم يتمكن من تدارك ما فاته من الدروس.

نسرين تتدرّب على لعبة الشطرنج للتخلص من الملل

و بالجهة اليمنى بنفس الغرفة ترقد الطفلة نسرين صاحبة الـ10سنوات التي أنهكها هي الأخرى داء القصور الكلوي و مضاعفات مرضية أخرى، أهمها ارتفاع الضغط الدموي الخطير الذي يحتم دخولها و إقامتها عدة أسابيع متتالية بالمستشفى، إلى غاية استقرار حالتها.
نسرين التي كانت ترّتب بيادق لعبة شطرنج كانت تضع لوحها فوق ساقيها النحيلتين، قالت بنبرة يطبعها الحماس أنها تخلّصت من  حالة القلق التي انتابتها منذ دخلت المستشفى الأسبوع الماضي، بفضل الحفلة المنظمة على شرف الأطفال المرضى الماكثين بالمستشفى بمناسبة عيد الطفولة.
والدة نسرين، سردت بأن ابنتها، كانت تعاني من ارتفاع مقلق في ضغط الدم، مما جعل طبيبها المعالج يسمح لها بحضور الحفلة المنظمة بفناء المستشفى لنصف ساعة لا أكثر، غير أن وضعها تحسن بمجرّد متابعتها للعروض المسلية، حيث تراجع الضغط بشكل ملفت حسب والدتها، التي أردفت قائلة بأنه ليس من السهل، إقناع أي طفل بالبقاء مدة طويلة في المستشفى، مشيرة إلى الصعوبات التي تواجهها الأم بشكل خاص لأنها تضطر للتخلي عن باقي أفراد العائلة لأجل التواجد معها بالمستشفى، الذي ترفض المكوث به، من دون والدتها.
و ذكرت والدة نسرين بأن أطول مدة قضتها بالمستشفى مع صغيرتها، تجاوزت الخمسة أشهر، و كان ذلك في بداية تشخيص المرض لديها منذ أربع سنوات تقريبا، و اليوم فإن أطول فترة تقضيها نسرين بالمستشفى لا تتجاوز الشهر و النصف، في أقصى الظروف، حسب الوالدة التي بدا التعب على ملامح وجهها.
و من جهتها تحدثت والدة الطفل أسامة المصاب بمشاكل على مستوى الجهاز الهضمي، بأنها تشعر بيأس صغيرها كلما سمع خبر ضرورة إقامته بالمستشفى لفترة معيّنة، حيث تنتابه حالة إحباط، مصحوبة بنوبة بكاء شديد طيلة اليوم الأول، لكن سرعان ما يتأقلم و يندمج مع باقي الأطفال، و ذلك بعد التقائه بالمختصة النفسانية، أو عند وصول بعض الممرضين الذين تعوّد عليهم و باتوا قريبين منهم و كأنهم من أفراد العائلة على حد تعبيرها.

ترافق حفيدها لتجنب ابنتها الطلاق

و بعيادة الأطفال بالمستشفى الجامعي ابن باديس اشتكت جدة الطفل مختار صاحب الأربع سنوات، صعوبة مهمة مرافقة الأطفال المرضى، خاصة صغار السن، الذين لا تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات، و الذين يبكون باستمرار، خاصة إذا لم تكن والداتهم حاضرات معهم، بعد أن أسندن مهمة مرافقة أبنائهم، لأحد أفراد العائلة سواء الخالة، العمة أو الجدة. فمختار الذي يعاني من مضاعفات داء التلاسيميا، تسببت له في مشاكل خطيرة على مستوى الكبد و الطحال، يضطر للبقاء بالمستشفى أكثر من مكوثه بالبيت، لأجل خضوعه لتصفيات متكررة  و إضافة جرعات من الدم له عند الحاجة. جدة مختار، أخبرتنا بأن والدته كادت تواجه مشكلة الطلاق بسبب تمسكها بالبقاء إلى جانب ابنها بالمستشفى، مما دفعها للبقاء مكانها تفاديا لأي مشاكل مع زوجها.

ارتفاع ضغط الدم  و نوبات البكاء من أهم أعراض رفض الأطفال المكوث بالمستشفى

الدكتورة بلمهدي /مختص في طب الأطفال/ بعيادة المنصورة، أوضحت بأن الأطفال المرضى الذين تسوء نفسيتهم بعد دخولهم المستشفى، هم الأطفال المدللين، الذين يرفضون البقاء بعيدا عن الأجواء التي تعوّدوا عليها، معترفة بصعوبة التعامل مع هذه الفئة، حتى بحضور المختصين النفسانيين، مشيرة إلى بعض الأعراض و المضاعفات التي تسجل لدى البعض، كارتفاع ضغط الدم، عدم استقرار مستوى السكر في الدم لدى المرضى الذين يعانون من داء السكري، و كذا نوبات البكاء.
و اعتبرت محدثتنا بأن تزايد الحملات الخيرية التطوعية، ساهمت بشكل إيجابي في الترويح عن الأطفال الماكثين في المستشفى لأجل العلاج، حيث يتفاعل المرضى بشكل كبير مع الزيارات الفجائية و المنظمة التي تقوم بها بعض الجمعيات و الفاعلين من المجتمع المدني. و من جهتها ذكرت الدكتورة بوقفة المختصة في طب الأطفال بذات العيادة، بأن المرضى المتمدرسين، يستفيدون من دروس يقدمها أحد المتطوعين و الذي يفرح  الأطفال كثيرا لرؤيته، حيث يقدم دروسا في مختلف التخصصات، و يدعمهم معنويا، و يكثف زياراته في فترة الامتحانات، خاصة بالنسبة للأطفال الذين يرخص لهم بالخروج من المستشفى لبعض الوقت. و أضافت الدكتورة بأن الأطباء يراعون حالة الطفل النفسية و يسمحون له بالعودة إلى البيت في نهايات الأسبوع بالنسبة للقاطنين بقسنطينة و البلديات المجاورة، لكن إذا كانت حالته لا تسمح بذلك، فإنهم يضطرون لإبقائه بالمستشفى مهما طالت المدة، لأن ذلك لفائدته.
مريم/ب

الرجوع إلى الأعلى