ضمنَ كلاسيكيّات الأدب الفرنسيّ التي تصدر عن مشروع «كلمة» للترجمة عن دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، صدرت منذ أيّام ترجمة كِتاب «رحلة إلى الجزائر» للروائيّ والشاعر والناقد الفرنسيّ تيوفيل غوتييه Théophile Gautier وهي من إنجاز وإعداد الكاتب والمترجم المغربيّ محمّد بنعبود. وضمّ الكتاب عدّة مقالات ومقاربات عن الجزائر وكذا متابعات نقديّة للعديد من عناصر الأدب والفنّ الاستشراقيّين المتعلّقين بالجزائر، كان غوتييه قد كتبها في فترات مختلفة وجمعها الباحث الجزائري “وهمي ولد إبراهيم”، الّذي تنطلق الترجمة من طبعته لهذه الرّحلة. هكذا يغنم القارئ في مختلف نصوص هذا الكِتاب منفذاً إلى انطباعات شاعر وأديب وناقد عن المكان والإنسان الغريبَين، وفي الأوان ذاته معرفة بواقع الحال في الجزائر في أولى سنوات احتلال الفرنسيّين لها، وجولة منعشة ومثرية وثرية في إبداعات الفنّانين والكتّاب المفتونين بالبلاد يومذاك.
يذكر أنّ غوتييه زار الجزائر في صيف 1845، ونشر عن رحلته إليها في المجّلات الفرنسية صفحات متفرّقة لم يجمعها في كِتاب إلّا في 1865. ويبدو أنّه، في الوقت نفسه الّذي يطمح فيه إلى إهداء القارئ رحلة مشوّقة وجذّابة للبلاد، يعِده برحلة مصوّرة، يرسم فيها بالكلمات مشاهد مرئيّة ومواقف معيشة، تفضيلاً لها على الانثيالات الشعورية المعتادة عن الفضاء الغريب وساكنيه. كما يُعرب غوتييه في مقالات رحلاته عن ولع بالتفاصيل، تفاصيل دالّة كان هو شديد التربّص بها ومعتاداً على التقاطها برهافة. وتراه في هذه الرّحلة وهو يقارن بين شوارع الجزائر وشوارع باريس، للخفض من قيمة هذه لصالح تلك، ويقرّب بين الأماكن الجزائرية ومشاهد مرسومة في لوحات غويا ورامبرانت ودولاكروا. هكذا شكّل الرّسم والرقص والموسيقى والغناء نوافذه الحيّة إلى العالَم الّذي كان يجوب مدنه وأريافه. من هنا يعني العنوان رحلة فنّية أو تشكيليّة أو مصوّرة إلى الجزائر، أيضاً. وقد قام برحلته هذه بعد غزو فرنسا للجزائر بخمسة عشر عاماً. وخلافاً للمثقّفين الرسميّين أو المستشرقين المحترفين في ذلك العهد، لا يحيّي غوتييه حضور فرنسا في البلاد.
صاحب “رحلة إلى الجزائر”، تيوفيل غوتييه من مواليد مدينة تارب في جنوب فرنسا العام 1811 ونشأ في باريس وتوفّي في ضاحيتها نويي سور سين في 1872. هو أحد أهمّ أعمدة التيّار البرناسيّ في الشّعر الفرنسيّ، وأحد أعلام الرومنطيقيّة الفرنسيّة والدّاعين إلى تجاوزها في آنٍ معاً. كان شاعراً وروائيّاً وقاصّاً وكاتباً مسرحيّاً وناقداً. من أهمّ مجموعاته الشّعريّة “ملهاة الموت” و”مزجّجات وأحجار منقوشة”، ومن أشهر رواياته “الآنسة موبان” و”رواية المومياء”. كما لديه العديد من القصص الفنطازيّة، وسبق لــ”مشروع كلمة” أن ترجم أكثرها ذيوعاً إلى اللّغة العربية، قام بها الروائي والشاعر التونسيّ محمّد علي اليوسفي، حملت عنوان “الميتة العاشقة وقصص فنظازيّة أخرى”.    
نوّارة/ل

الرجوع إلى الأعلى