استفحلت في السنوات الأخيرة ظاهرة الاستيلاء على الفضاءات المشتركة المحاذية للعمارات، عبر عديد الأحياء بعلي منجلي بقسنطينة، بعدما حول الكثير من سكانها مداخل المباني إلى ملكيات خاصة، تستغل  كمرائب لركن السيارات و مستودعات لتجميع الخردوات و ورشات سرية للخياطة و حظائر لتربية الدواجن، حتى أن هنالك من باتوا يستغلونها لنشاطات مشبوهة كترويج و استهلاك المخدرات، و هو وضع اشتكى منه مواطنون وحذر منه مسؤولون محليون، بعدما أصبح خلفية للعديد من الشجارات و المناوشات شبه اليومية بين سكان الأحياء، فضلا عن انعكاسات انتشار القصدير في الأحياء على المحيط العام و تشويهه لوجه المدينة التي تلقب بالجديدة.

استغلال المساحات المحيطة بالعمارات كان مقتصرا على القلة القليلة قبل سنوات، غير أنه تحول إلى ظاهرة مؤخرا بفعل ما تشهده المدينة الجديدة من توسع عمراني، إذ استولى جل قاطني الطوابق السفلى على الفضاءات المشتركة المحيطة بشققهم مانعين باقي سكان العمارات من استغلالها أو حتى الدخول إليها، و هو سلوك يشتكى منه مواطنون كثر قابلتهم النصر، خلال جولة استطلاعية قادتنا لعديد الوحدات الجوارية، أين وقفنا على حقيقة الوضع، ولا حظنا بوضوح كيف تحولت مصادرة المساحات المشتركة إلى ثقافة في هذا التوسع العمراني الكبير، خصوصا على مستوى الأحياء السكنية ذات الطابع الاجتماعي، بينما ينحصر هذا السلوك في وحدات عدل و والصيغ الترقوية، لافتقار عماراتها لطوابق سفلية ما يجعل الفضاءات مفتوحة أمام الجميع.
صفائح القصدير تشوّه عمران المدينة
وقفنا خلال جولتنا بالوحدات الجوارية 1 و 6 و7 و 8 ، على استغلال جل قاطني الطوابق السفلية للفضاءات التي تفصل العمارات عن الأرصفة و التي يفترض بأنها مشتركة،إذ عمدوا إلى تسييجها و إحاطتها بصفائح قصديرية أو قطع قماش بالية  شوهت  النسق العمراني و الطابع العام للمدينة، وأعادت خلق ما يشبه تجمعات القصدير القديمة التي رحل منها هؤلاء، فالكثير منهم حولوا هذه المساحات إلى مستودعات للخردة، تحوي أدوات و مواد للبناء و كذا أثاث غير مستعمل، فيما تغرق أخرى في النفايات و الأعشاب الضارة، ما بات يشكل خطرا على سكان العمارات نظرا للانتشار الكبير للحشرات و بالأخص البعوض إضافة إلى الجردان التي باتت هاجسا يؤرق السكان كما أكده محمد وهو خمسيني، يقطن في إحدى عمارات الوحدة الجوارية رقم 8 المعروفة باسم «نيويورك»، قال بأن سكان الطابق الأرضي يبسطون سيطرتهم على المساحة المحاذية لشقتهم و يعتبرونها ملكا لهم، كما يمنعون غيرهم من الدخول إليها أو حتى الجلوس بالقرب منها، بحجة الحفاظ على الخصوصية، موضحا بأنه دخل مؤخرا في مناوشات كلامية مع جاره بعد أن منعه من استرجاع ملابس سقطت من شرفته في الفضاء المحاط بالقصدير، وبقيت على الأرض لمدة يومين كاملين.
 مواطنون من حي آخر اشتكوا، من جار لهم  يستغل  المساحة المحاذية ل مدخل العمارة لتربية الدواجن،  إذ كان العدد في البداية مقتصرا حسبهم، على بضع دجاجات، لكنه سرعان ما تضاعف ليتحول مدخل العمارة إلى خم كبير لتربية الدواجن و الأرانب، وقد حاولنا التقاط بعض الصور للمكان، لكننا فشلنا في إيجاد العنوان الذي ذكره السكان ولدى استفسارنا عن حقيقة الأمر من مصالح البلدية، أكد مصدر من مندوبية علي منجلي، بأن مصالحه تلقت شكاوى عديدة تخص مشكل تربية الدواجن في هذه الفضاءات و تحويلها إلى ما يشبه المفارغ العمومية.
مساحات تستغل تجاريا و أخرى تتحوّل  إلى أوكار
استغلال هذه المساحات التي تمتد لما يزيد عن ثلاثة أمتار أحيانا  لم يعد مقتصرا على تحويلها إلى حدائق و مرائب، بل أن هنالك من بنوا فيها ما يشبه الأكواخ القصديرية و حولوها إلى غرف و مستودعات خاصة، و هو ما لاحظناه في الوحدة الجوارية رقم 8 أين وقفنا على أكثر من ثلاث حالات، فيما لم نتمكن من معرفة طبيعة استغلال باقي الفضاءات التي وجدناها مبنية بالكامل، ولدى استعلامنا من بعض السكان الذين رفضوا الإفصاح عن أسمائهم تبين لنا من خلال حديثهم، بأنها بناءات تستغل كورشات سرية للخياطة، أما ما يثير استياء وتخول السكان فهو استغلال منحرفين لعدد منها كأوكار للاتجار بالمخدرات و استهلاكها، و هو ما أكده، مصدر من بلدية الخروب، و ذلك بناء على شكاوى عديدة تقدم بها سكان الأحياء.
يكسر أنف طفل لأنه دخل فضاء مشتركا
مستغلو  هذه المساحات، يعتبرونها ملكية تابعة لشققهم، ولذلك يمنعون غيرهم من  دخولها حتى وإن تعلق الأمر باسترجاع ملابسهم التي تسقط عادة من حبال الغسيل، كما أن الاقتراب من السياج محظور على أطفال الحي و الجلوس بقربه ممنوع على الشباب، و قد حدثنا سكان أحد الأحياء عن حادثة وقعت في الوحدة الجوارية رقم ثمانية، أين قام أحد الجيران بضرب طفل صغير و كسر أنفه، بعد أن وجده يحاول نزع أوراق من شجرة مغروسة في حديقته، كما سبق و أن سجلت شجارات عديدة بين الجيران لذات السبب وحسب أحدهم، فإن هنالك من تقدموا بشكاوى لدى مصالح البلدية و تلقوا وعودا بالتدخل، لكن الوضع استمر على حاله، وهو ما دفعهم لمطالبة السلطات المحلية بوضع حد لمثل هذه التجاوزات و تطبيق القانون بصرامة.
و الواضح، هو أن كل ما ذكره المواطنون حقيقي و لا يحتمل المبالغة، فخلال استطلاعنا، اقتربنا من فضاء تابع لعمارة بالوحدة الجوارية 1، حوله السكان إلى حديقة خاصة، تغطيها نباتات اللبلاب بالكامل، أردنا التقاط بعض الصور ففوجئنا برد فعل عنيف من طفل في 15 من العمر، لم يتوانى عن طردنا من المكان معلقا بأن الأمر يتعلق باعتداء على خصوصية عائلته و دخول حديقتها خاصة، فشرحنا له بأن الهدف من التقاط الصور هو الإعداد لموضوع حول حماية الحدائق، ليهدأ نسبيا، و يؤكد مجددا بأن الفضاء تابع لبيته، وأنه مخصص لنشر الغسيل و ارتشاف الشاي و أن والده يعتني به جيدا و يعتبره جزءا لا يتجزأ من المنزل، و قد لاحظنا خلا معاينتنا للمساحة، بأنها واسعة و مسيجة بالكامل ولذا سؤالنا للطفل عن محتوياتها، قال بأنها حديقة تضم العديد من الأصناف النباتية و أشجار الزينة و الأشجار المثمرة.
 أما في العمارة المقابلة، فقد لاحظنا بأن المكان خصص لغسل الصوف،و علمنا من أحد السكان بأن هنالك سيدة تمتهن هذا النشاط و تستغل الفضاء خصيصا لذلك، بالمقابل وقفنا في ذات الوحدة على مساحات تعاون السكان على تحويلها إلى مشاتل صغيرة يزينها ديكور جميل.
انتهاك الخصوصية «حجة» قاطني الطوابق الأرضية
سألنا بعض مستغلي هذه الفضاءات، عن أسباب تسييجها و مصادرتها بغير حق، فقالوا بأن سلوكهم هو رد فعل لسلوك الآخرين المتعلق بعدم احترام خصوصية ساكني الطوابق الأرضية، فهم كما عبروا لا يشعرون بالراحة في منازلهم و يعجزون عن فتح نوافذها بسبب استغلال الجيران لمداخل العمارات كأماكن للجلوس و السهر،  و هو ما أكده عبد الحليم وهو شاب في 28 من العمر، يقيم  رفقته شقيقته و والدته في الطابق الأرضي لإحدى عمارات الوحدة الجوارية رقم 7، قال بأنه لم يعد يشعر بالراحة في منزله و تأزمت نفسيته جدا بسبب السلوكيات المشينة الصادرة عن شباب الحي، الذين صموا آذان أهله بكلامهم البذيء، ما حتم عليه تسييج الفضاء الذي يجلسون فيه عادة، علما أن هنالك سببا آخر دفعه لغلق مدخل العمارة، و يتعلق بإنشاء جار يقطن  في البناية المقابلة لمنزله، لما يشبه مدخل عيادة خاصة على مستوى ذات الفضاء، زوده بكاميرات مراقبة موجهة مباشرة باتجاه نوافذ شقة محدثنا، و هو ما جعله يدخل في صراع مع صاحب العيادة و يطلب تدخل مصالح البلدية، لوضع حد لهذا التجاوز الذي يعد انتهاكا  لخصوصية الغير.
مصدر من مندوبية علي منجلي  
نحو تحديد مساحة الاستغلال المسموح بها لحل المشكل
مصدر من مندوبية علي منجلي، أكد لنا، بأن مصالحه تتلقى عديد الشكاوى بخصوص الاعتداء على الفضاءات المشتركة و مصادرتها، إذ تختلف طبيعة الشكوى من وحدة جوارية إلى أخرى ، فهناك ما يتقدم به سكان عمارات يعانون من تبعات تحويل جيرانهم لهذه المساحات إلى حظائر لتربية الحيوانات و الدواجن و ما ينجر عن ذلك من نقص في النظافة و انتشار للروائح، كما يوجد من يبلغون عن نشاطات تجارية غير مرخصة كغسل الصوف و الخياطة، وهنالك أيضا من تتضمن شكاويهم اتهامات بالاتجار بالمخدرات أو استهلاكها.
 من جهة ثانية، قال مصدرنا، بأن الأمر لا يقتصر على السكان بل يشمل كذلك المستغلين لهذه الفضاءات، و الذين يشتكون عادة من الإزعاج الذي يسببه جيرانهم لهم، إذ قدمت مؤخرا  أرملة و ابنتها شكوى مفادها، تعدي منحرفين على حرمة بيتها، طالبة السماح لها ببناء الفضاء المحاذي للمنزل لمنعهم من الاقتراب مجددا، وأما هذا الوضع المعقد، فقد تم كما قال، تسجيل كل الشكاوى على شكل محاضر يجري العمل على دراسة الإجراءات الممكنة لتفعيل حلول قانونية لها، كاشفا عن مشروع لتهيئة الوحدات الجوارية 6 و 7 و 8 ، للقضاء على مثل هذه المظاهر الفوضوية، تمهيدا لإيجاد حلول مستعجلة  قد تقوم مبدئيا على تحديد المساحة المسموح باستغلالها و التي قد لا تزيد عن ثلاث أمتار.
أ/ب

الرجوع إلى الأعلى