يشكل اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لعدد من القرارات لصالح دولة فلسطين، وعلى رأسها عدم الاعتراف بأي تغييرات على حدود ما قبل 1967، بما في ذلك القدس المحتلة، خطوة إيجابية تؤكد مجددا الدعم الدولي الثابت والقوي اتجاه القضية الفلسطينية على أساس القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، أمس الأربعاء، وبالأغلبية أربع قرارات لصالح دولة فلسطين، حيث أقرت القرار المتعلق "بتسوية قضية فلسطين بالوسائل السلمية" والذي يدعو جميع الدول إلى عدم الاعتراف بأي تغييرات على حدود ما قبل 1967 بما في ذلك القدس المحتلة، ويطالب القرار الثاني، اللجنة المعنية بممارسة الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، بمضاعفة الجهود الدولية لتنشيط الجهود الرامية إلى تحقيق تسوية سلمية لقضية فلسطين.

ومن خلال القرارين الآخرين تم تجديد ولاية "شعبة حقوق الفلسطينيين بالأمانة العامة" و"البرنامج الإعلامي الخاص بشأن قضية فلسطين" الذي تضطلع به إدارة التواصل العالمي، التابعين للأمم المتحدة.

وركزت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قراراتها، على إدانة الاستيطان الإسرائيلي غير القانوني، وتهديد الكيان الإسرائيلي في حال استمراره في هذا العمل غير القانوني أن يقع تحت طائلة المساءلة، وفقا لمندوبية دولة فلسطين لدى الأمم المتحدة.

وفي هذا الصدد، أشاد المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، بالدول التي صوتت لصالح القرارات، مطالبا الدول التي تتعامل مع قراري الأمم المتحدة بازدواجية أن تحترم القرارات بشكل كامل.

وأكد المسؤول الفلسطيني أن التصويت لصالح هذه القرارات يؤكد الدعم الدولي الثابت والقوي لصالح حل المسألة الفلسطينية على قاعدة القانون الدولي  وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

وتأتي هذه القرارات لتكلل جهود الدبلوماسية الفلسطينية الحثيثة، وتضاف إلى سلسلة الانجازات التي تحققها القضية الفلسطينية في مسارها نحو التسوية، كما تمثل انتصارا للشرعية الدولية، بالرغم من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي الصارخة على القوانين والمواثيق الدولية.

ومن بين الانجازات المسجلة مؤخرا، إقرار المحكمة العليا للاتحاد الأوروبي، قرارا إلزاميا لدول الاتحاد بوسم البضائع التي تنتج في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية المحتلة أو الجولان السوري المحتل، والتي يتم تصديرها إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وآخر هذه الانجازات، كان انتخاب فلسطين عضوا في المكتب التنفيذي لجمعية الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية بالاجماع، وما يشكله من الأمر من أهمية. 

جاءت القرارات الأممية كرد قوي على التعدي الأمريكي الصارخ على المواثيق والقوانين الدولية من خلال اعتبار القدس  عاصمة للاحتلال الاسرائيلي ومحاولة إضفاء الشرعية على سياسة الاستيطان الإسرائيلية على حساب الأراضي الفلسطينية من خلال اعتبار المستوطنات "غير مخالفة للقانون".

فقد سجلت الولايات المتحدة مؤخرا موقفا آخرا معاديا للقضية الفلسطينية العادلة، و تحولا خطيرا في السياسة الخارجية الأمريكية وتغيرا في موقف التزمت به عبر الإدارات المتوالية، وذلك من خلال الإعلان في 18 نوفمبر الماضي، عن اعتبار المستوطنات الاسرائيلية "غير مخالفة للقانون"، والإعلان قبلها عن سيادة الاحتلال على الجولان العربي، مما أثار موجة واسعة من التنديدات عبر العالم، خاصة أن النشاط الاستيطاني غير قانوني، ويقوض قابلية حل الدولتين واحتمالات السلام الدائم.

ويضاف هذا الإعلان إلى سلسلة من القرارات، اتخذتها الإدارة الأمريكية، منذ تولي الرئيس دونالد ترامب السلطة والذي جاء بمشروع ما يسمى ب"صفقة القرن"، التي تصب جلها لصالح الاحتلال الإسرائيلي.

فبعد الاعتراف الأمريكي بالقدس "عاصمة" للكيان الإسرائيلي ، ونقل السفارة الأمريكية إلى المدينة المقدسة، قامت إدارة ترامب بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة تحارب الدبلوماسية الفلسطينية في الأمم المتحدة وأي تحرك على النطاق الدولي.

وفي محاولة للضغط على الفلسطينيين من أجل إجبارهم على التنازل عن حقوقهم المشروعة، بدأ الضغط المالي على السلطة الفلسطينية، من خلال قرار الإدارة الأميركية في 2 أغسطس 2018 ، القاضي بسحب أكثر من 200 مليون دولار من برامج الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أنروا)، وقطع المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية، كما أقر الكونغرس الأميركي، قانون قطع المساعدات المالية لقوى الأمن الفلسطينية، نهاية سبتمبر من نفس السنة.

فعلى مدار نصف قرن من الزمن، اتسمت السياسة الخارجية الأميركية ب"الانحياز الكامل" لإسرائيل، وكل ما طرح وما يروج لحل القضية الفلسطينية من قبل الإدارات الأميركية السابقة والحالية لا يعطي الشعب الفلسطيني أبسط حقوقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة. فالرؤية الأميركية قائمة على الضغط على الفلسطينيين من أجل إرغامهم على القبول بما يطرحه الكيان المحتل.

وبالموازاة مع ذلك، تؤكد السلطة الفلسطينية بأنها لن تسمح بتمرير ما يعرف ب "صفقة القرن"، وترى أن الرد الدولي المناسب والضروري على هذا التجاوز الأمريكي لابد أن يكون من خلال الاعتراف فورا بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على خطوط الرابع من يونيو 1967، وتفعيل التضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة، من خلال إدانة جرائم الاحتلال وانتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي، والعمل من أجل وقف هذه الجرائم والانتهاكات التي من شأنها تهديد السلم العالمي ومنظومة القانون والقيم والأعراف.

الرجوع إلى الأعلى