منحرفون يحوّلون أحياء إلى ساحات معارك - محرّمة- بعلي منجلي
رغم تحول المقاطعة الإدارية علي منجلي بولاية قسنطينة، إلى قطب هام في مجالات التعليم العالي و التجارة و مختلف أشكال الاستثمارات، إلا أن بعض أحيائها القديمة على غرار الوحدات الجوارية 5 و 6 و 7 و 8 و كذا «كوسيدار» و «الفيرمة»، ما تزال تشهد ظاهرة تكوين العصابات من طرف منحرفين يكونون في معظم الأحيان جيرانا يشكّلون تحالفات و يتقاتلون لأتفه الأسباب، ما خلق رعبا وخوفا لدى سكان هذه المدينة الآخذة في التوسع، بينما تواصل مصالح الأمن عمليات المداهمة التي أسفرت عن توقيف عشرات المشتبه فيهم.
روبورتاج: حاتم بن كحول
في وقت تعرف فيه الوحدة الجوارية 14 استقرارا أمنيا في الآونة الأخيرة، أصبحت بعض الوحدات الجوارية القديمة الواقعة وسط المقاطعة الإدارية، بؤرة للإجرام وانتشار العصابات في السنوات القليلة الماضية، حيث يرغب كل حي أو منطقة سكنية في السيطرة على أخرى، وهو ما خلف سقوط ضحايا على غرار شاب توفي بعد تعرضه لعدة طعنات و آخر بترت يده في الوحدة الجوارية 8، بينما أزهقت روح أحد أشخاص آخرين في الوحدة الجوارية 5 بسبب حظيرة للسيارات، كما قتل كهل يشتغل في بيع الحشائش على طاولات فوضوية بذات الوحدة، و تعرض بائع مصوغات للاعتداء في حي «كوسيدار» بعد أن باغتته ضربة شاقور على مستوى الرأس كادت تكلفه حياته، و هي عينات من أمثلة عديدة حدثت في الوحدات الجوارية القديمة، والتي أصبحت عاصمة للمعارك في مدينة تم ترقيتها مؤخرا إلى مقاطعة إدارية.
و للوقوف أكثر على هذه الظاهرة، توجهنا إلى الأحياء الواقعة بوسط المدينة التي تشهد حروب العصابات بشكل مستمر، حيث بدأنا جولتنا من الوحدة الجوارية 6، و علمنا من السكان أن مثيري الشجارات يترددون على مقهى متواضع يقع في أحد الزوايا، وعند دخولنا إليه في حدود الساعة العاشرة صباحا لم نجد من نبحث عنهم، فاستفسرنا من أحد الجيران و أعلمنا أن موعد تواجدهم لن يكون قبل منتصف النهار. بعد مرور فترة من الزمن، بدأ بعض الشبان بالدخول و التوجه مباشرة للجلوس بإحدى الطاولات الواقعة في زوايا بعيدة، حيث كانوا يرتدون بدلات رياضية وقبعات، و كانت طريقة كلامهم وسيرهم البطيء وأوجههم الشاحبة مثيرة للريبة.
وبعد مدة من الزمن أصبحت أصوات 5 شباب تعلو أصوات كل من كانوا في المقهى، حيث كانوا يتلفظون بعبارات نابية دون أي حرج، كما لم يخل حوارهم من الحديث عن مختلف الشجارات التي تسببوا فيها أو عن إصابة أحد أفراد عصابتهم أو فرد من الخصم، فيما لم يظهروا اهتماما بمواضيع أخرى على غرار السياسة والاقتصاد والرياضة، وعند إقبالنا على المقهى خلال أيام عديدة اتضح أن هؤلاء الأشخاص يغادرون المكان بعد ساعتين من الزمن.
حروب زعامة تبدأ ليلا
وأكد لنا بعض القاطنين في الوحدتين الجواريتين 7 و 8، أن أفراد العصابة الذين ينادون بعضهم بأسماء مستعارة، يتخذون زوايا و أماكن مغلقة كملجأ لممارسة مختلف الأعمال المنحرفة، كما يحبذون التجمع في الساعات المتأخرة من الليل، حيث يتواجدون في مواقع مظلمة و يقوم البعض منهم بتكسير أضواء الإنارة العمومية للبقاء في الظلام، وتفادي جذب انتباه المواطنين أو رجال الأمن، وأضاف السكان أن سهراتهم تتواصل لغاية ساعات الفجر، وخلال هذه المدة الممتدة من السادسة مساء إلى الرابعة بعد الفجر، تحدث شجارات عنيفة واعتداءات، ليتم في صبيحة اليوم الموالي التباهي بتلك «الانجازات» أمام السكان.
لدى توغلنا في حي يقع بوسط المدينة، علمنا أنه يتكون من 3 أو 4 عصابات، كل منها ترغب في السيطرة على المنطقة قبل أن تحول أنظارها إلى نقاط أخرى بغية السيطرة عليها، وأخبرنا أحد السكان أن الشجار بين أبناء الحي الواحد يعد أمرا عاديا، لأن كل طرف يرغب في إبراز زعامته وقوته، حيث أن عدد أفراد كل مجموعة لا يقل عن 10 أشخاص يعتبرون أصدقاء أو جيرانا منذ سنوات، كما أن أعمارهم غالبا ما تتراوح بين 18 إلى 35 سنة.
و يلجأ هؤلاء الشباب إلى طرق غير قانونية لكسب المال و اقتناء كل ما هو مرغوب فيه، و أبرز مصادر تمويلهم حسب مقربين منهم، هي حراسة حظائر السيارات، سيما أن عددها بالمئات في الوحدات الجوارية القديمة، كما يحترفون سرقة المركبات أو أجزاء منها، و يستهدفون خاصة السكنات التي يتواجد أصحابها بعيدا عنها، إضافة إلى الاعتداء على النساء والفتيات والرجال في بعض الأحيان وسلب محفظاتهم أو هواتفهم، أما الطريقة الثالثة فتتمثل في المتاجرة في المهلوسات وبدرجة أقل المخدرات.
إتاوات الحظائر لجني الأموال
ويعيش أفراد العصابات حسب جيرانهم، فراغا رهيبا خلال حياتهم اليومية أمام نقص مرافق التسلية و الترفيه، ما يفتح المجال أمام قيامهم بسلوكات منحرفة تكون طريقة لتمضية ساعات اليوم، فيدخلون في شجارات عنيفة تنتهي عادة بسقوط جرحى وأحيانا بتسجيل وفيات، حيث تنشب لأتفه الأسباب، و تحدث على سبيل المثال بسبب ديون لا تزيد عن 3000 دينار، بعد صفقات بيع دراجات نارية، أو خلال تقاسم عائدات بيع المهلوسات.
و من خلال شجارات سابقة وتصريحات لبعض القاطنين في الوحدات المعنية، فإن حظائر السيارات تعتبر من أبرز أسباب نشوب الخلافات، حيث ترغب كل عصابة في السيطرة على مساحة ما بحكم أنها قريبة من مقر سكن أفرادها، خاصة وأنها تعد وسيلة سهلة لجني أموال بوجود مساحات معتبرة لحظائر عشوائية بالوحدات الجوارية القديمة، أين تركن فيها مئات السيارات التي يضطر أصحابها إلى دفع 1000 دينار شهريا، وهو نفس المبلغ المحدد بالنسبة لأصحاب المحلات الواقعة في مختلف الأحياء، حيث غالبا ما يجني الحارس مبالغ تفوق 10 ملايين سنتيم شهريا من هذه النشاط.
و من أبرز أسباب اندلاع المعارك أيضا، هو نشاط بيع المهلوسات والمخدرات، حيث تحاول عصابات السيطرة على بعض مناطق بالوحدات الجوارية عادة ما تكون محل صراع، حيث يتم «اقتسام» أحياء بالمدينة، وعند اقتحام الحيز الجغرافي المتفق عليه، تنشب «الحرب».
شاحنات قديمة للتنقلو بنادق الصيد لـ «التسلّح»

وحضرت النصر شجارا نشب قبل نحو شهرين بوحدة جوارية قديمة، بسبب مبلغ مالي، حيث وقفنا على استعمال العصابتين لمختلف الأسلحة البيضاء، و المتمثلة في الخناجر والسيوف، لكن أفراد إحدى المجموعتين تفننوا هذه المرة في استخدام بنادق صيد وهم مرتدين أقنعة لإخفاء هوياتهم، ما أدخل السكان في حالة من الرعب.
و خلال نفس الشجار، اتخذ المتخاصمون وسائل نقل بدائية لتفادي إلحاق أضرار مادية بالمركبات الحديثة، حيث استعملوا خلال تنقلهم إلى ساحة المعركة شاحنات من نوع «404» مغطاة و «مازدا» من الطراز القديم، حيث مكنت هذه المركبات حمل أكبر عدد ممكن من أفراد العصابة، فيما استعمل آخرون دراجات نارية من أجل الوصول في أقل مدة ممكنة إلى وجهتهم.
وعايشت النصر معارك أخرى بأحد أحياء الوحدة الجوارية 7، و غالبا ما تبدأ بصفة مفاجئة مع حلول الظلام وتحديدا عقب أذان المغرب، ويستعمل فيها الشباب بنادق صيد يطلقون منها النار في كل الاتجاهات، فيما يسرع آخرون إلى منازلهم من أجل التسلح والعودة لـ «أرضية المعركة».
معارك تنتهي ببتر الأيدي!
و قبيل شجار آخر وقع منذ شهرين بوسط علي منجلي، كانت الأجواء هادئة، لكن في وقت قياسي بدأ بعض الشبان يركضون حاملين أسلحة بيضاء حوالي التاسعة ليلا، و ذلك خلف أشخاص آخرين، وسط صيحات ونداءات بالهروب من أحد المسالك، لينتشر الفارون عبر طرقات مختلفة لتضليل المطاردين، على أن يتجمعوا في مكان آخر من أجل مباغتة الجهة المتخاصمة.
و قد بدأ الطرفان يتواجهان بسكاكين من الحجم الكبير يتبادلون بها الضربات، حيث أدت إلى إصابات خطيرة في أنحاء متفرقة من الجسم، على غرار الوجه أو الظهر و أحيانا إلى بتر الأيدي، كما يتخذ أفراد من العصابات أماكن مقابلة للشجار من أجل محاصرة الخصم و رشقه بالحجارة لدفعه على البقاء في ساحة المعركة.
والمثير في هذا الشجار أن بعض أمهات وشقيقات المتشاجرين، كن يقمن بتزويدهم بأسلحة بيضاء مع إطلاق عبارة محرضة على غرار «جيب حقك»، فيما تقوم أخريات بالصراخ من نوافذ العمارات مع سب وشتم الخصم، في مشهد يرعب بعض القاطنين بالعمارات القريبة لمكان الأحداث، حيث يتجهون مباشرة لمنازلهم خوفا من التعرض إلى مكروه، كما لاحظنا أن البعض الآخر يسارعون إلى نقل مركباتهم بعيدا عن مكان الشجار، لتجنب تكسيرها أثناء المواجهات، فيما يبقى آخرون داخل شققهم مكتفين بمتابعة ما يحصل خلف النوافذ، وهمهم الوحيد البقاء بعيدا عن تلك المعارك، خاصة وأنها تنتقل في بعض الأحيان إلى أقبية العمارات و حتى الطوابق العلوية.
حالة طوارئ تنتقل إلى المستشفى
و وقفت النصر على تواصل المعارك في مستشفى علي منجلي، فعند نقل أحد الجرحى إلى هناك من أجل تلقي العلاج من طعنة أو كسر، يتتبعه مطاردوه رغبة منهم في الاعتداء عليه مجددا، ليجدوا أمامهم أصدقاء المصاب الذين ينتقلون هم كذلك إلى المستشفى من أجل حمايته، فتحدث مشاجرات مجددا، ليشهد المكان حالة طوارئ تدفع الأطباء إلى التوقف عن العمل رغم تواجد حالات مستعجلة، كما تتدخل الشرطة لتفريق المتشاجرين الذين يشقون طريق الهروب مباشرة عند حضور رجال الأمن.
وأكد لنا عشرات القاطنين في إحدى الوحدات الجوارية التي تعرف نشوب حروب بين العصابات، أنهم رغبوا  في بيع سكناتهم، والانتقال إلى أحياء أخرى أكثر أمانا، ولكنهم لم يتلقوا المقابل المادي المناسب، حيث يعرض الراغبون في شراء شقة بإحدى الأحياء القديمة مبالغ ضئيلة، علما منهم بالمشاكل العديدة التي تحدث بالقرب من عماراتها، وهو ما أدى لانخفاض ثمن العقار بهذه النقاط.
وأضاف عدد من السكان أنهم يخشون الخروج في الفترات الليلية من أجل اقتناء بعض الضروريات، خوفا من تعرضهم للاعتداءات من طرف العصابات التي تحكم قبضتها في الليل، كما أكدوا أنهم يعيشون الرعب عند نشوب المعارك، ويضطرون لسماع الكلمات النابية التي تبلغ مسامعهم وهم في سكناتهم، فيما ذكر آخرون أنهم تعودوا على تلك الأحداث واعتبروها روتينية تحدث بين الحين والآخر، وأوضح أحد السكان أنه يتخوف من التأخر في تسديد المقابل المادي لحارس الحظيرة خوفا من اعتداء جسدي أو مادي يمس مركبته.
مديرية الأمن الولائي بقسنطينة
توقيف 84 متهما في مختلف القضايا بعلي منجلي
وأكد رئيس خلية الاتصال بمديرية الأمن الولائي بقسنطينة، الملازم الأول للشرطة بلال بن خليفة للنصر، أن الشرطة تبذل جهودا كبيرة في سبيل توفير الأمن بالمقاطعة الإدارية علي منجلي، حيث قامت بعدة مداهمات وعمليات على مستوى مختلف الأحياء، وذلك بين شهري جانفي و ديسمبر 2019.
و شملت هذه التدخلات مختلف الحواضر المنتشرة بالمدينة الجديدة، بمجموع 371 مداهمة منظمة بالتنسيق بين المصالح، دون احتساب عدد المداهمات التي يقوم بها كل مركز بشكل منفرد، وأضاف المتحدث أن أمن الولاية جند 4573 شرطيا لتأمين هذه العمليات، التي استهدفت 4226 نقطة بمختلف الوحدات الجوارية، كما تمت مراقبة 23428 شخصا مشبوها.
و من بين الأشخاص الذين تمت مراقبتهم، حُوِّل 80 إلى المصالح المعنية لاتخاذ الإجراءات المناسبة لأجل قضايا مختلفة، منها  25 قضية تتعلق بحمل سلاح أبيض محظور، فيما تمت مراقبة وتفتيش 14876 مركبة مشبوهة خلال الفترة المذكورة.
و قد ارتفعت هذه الأرقام حسب آخر حصيلة قدمها أمن الولاية، لتصل إلى مراقبة 24870 مشتبها فيه، بينهم 84 حولوا للجهات المعنية عن قضايا تتعلق في معظمها بحيازة و استهلاك المخدرات و المؤثرات العقلية و حمل أسلحة بيضاء محظورة.
ح/ب

الرجوع إلى الأعلى