الهيئات الفقهية تفتي بتعليق الصلوات بمساجد المسلمين
أغلقت مساجد المسلمين في الكثير من الدول الإسلامية عن طريق قرارات سياسية تنفيذية مهدت لها فتاوى فقهية في سابقة تاريخية في تاريخ المسلمين؛ في محاولة لمنع  انتشار فيروس كورونا والحيلولة دون وصوله للمسلمين؛ على اعتبار أن المساجد فضاء للتجمعات سواء في صلاة الجماعة أو صلاة الجمعة.
 القرار اتخذ ونفذ بعد أن زكته كبريات الهيئات العلمية الفقهية الإسلامية مع الإبقاء على رفع الآذان تأكيدا لحضور شعيرة الإسلام في تلك الديار، في انتظار ما ستأتي به الأيام.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
وفي هذا الصدد أصدرت اللجنة الوزارية للفتوى بالجزائر بيانا؛ مما جاء في أخر بيان: (.. تُقَرِّرُ أنه صار من اللازم شرعا اللجوءُ إلى تعليق صلاة الجمعة والجماعات وغلق المساجد ودور العبادة في كل ربوع الوطن، مع المحافظة على رفع شعيرة الأذان، إلى أن يرفع الله عنا هذا البلاء والوباء بفضله وكرمه، والتزام الجميع بالتدابير والإجراءات اللازمة..وذلك عملا بنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، والقواعد الشرعية، ومقاصد الشريعة الإسلامية التي تأمر بالمحافظة على الحياة الإنسانية، وقد بيَّن علماءُ الشريعة الإسلامية أن الجماعة مقصد تكميلي، وأن الحفاظ على النفس مقصد ضروري. هذا، ولابد من الحرص الشديد على التزام الإجراءات الوقائية، واللجوء إلى الله بالدعاء والضراعة والاستغفار وكثرة الصلاة على النبي، وفعل الخيرات والمبرَّات).
كما أصدر الأزهر بيانا حول جاء فيه: «هيئة كبار العلماء، انطلاقا من مسؤوليتها الشرعية، تحيط المسؤولين في كافة الأرجاء علما بأنه يجوز شرعا إيقاف الجمع والجماعات في البلاد خوفا من تفشي الفيروس وانتشاره والفتك بالبلاد والعباد.. فالمحققون من العلماء متفقون على أن المتوقع القريب كالواقع، وأن ما يقارب الشيء يأخذ حكمه، وأن صحة الأبدان من أعظم المقاصد والأهداف في الشريعة الإسلامية».وعلى نفس الدرب سارت دار الإفتاء هناك.
وفي السعودية أصدرت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية قرارا جاء فيه: (.. يحرم على المصاب شهود الجمعة والجماعة لقوله  (لا يورد ممرض على مصح) متفق عليه، ولقوله  : (إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها) متفق عليه. ومن قررت عليه جهة الاختصاص إجراءات العزل فإن الواجب عليه الالتزام بذلك، وترك شهود صلاة الجماعة والجمعة ويصلي الصلوات في بيته أو موطن عزله، لما رواه الشريد بن سويد الثقفي رضي الله عنه قال: (كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي  إنا قد بايعناك فارجع) أخرجه مسلم. ومن خشي أن يتضرر أو يضر غيره فيرخص له في عدم شهود الجمعة والجماعة لقوله : (لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجه. وفي كل ما ذكر إذا لم يشهد الجمعة فإنه يصليها ظهراً أربع ركعات. هذا وتوصي هيئة كبار العلماء الجميع بالتقيد بالتعليمات والتوجيهات والتنظيمات التي تصدرها جهة الاختصاص..).
كما أصدر الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بيانا مما جاء فيه: (..والجواب على ذلك يوجد في قوله تعالى: ‘’وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ››، الذي ينهى عن تعريض النفوس إلى ما فيه هلاكها، بلا ضرورة ملجئة، ويأمر بعكس ذلك، وهو الإحسان الذي يحبه الله ويرضاه لعباده، وفي قوله  : (لا ضرر ولا ضرار)، وهو نهي عام عن التسبب في أي ضرر للنفس أو الغير، وفي قوله أيضا، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي   قال: (من أكل من هذه الشجرةَ - يعني الثوم - فلا يقربنَّ مسجدنا). هذه الأدلة كلها - وغيرُها – ترشد وتدل دلالة واضحة على أن إقامة صلوات الجماعة والجمعة، في ظل الاحتمال الفعلي والجدي للمخاطر المشار إليها، لا يلزم شرعا، ولا يجوز. بل إن الحديث النبوي الأخير يمنع حتى صاحبَ الرائحة الكريهة من دخول المسجد، كي لا يؤْذي المصلين برائحته، فكيف بمن يمكن أن يتسبب لهم في المرض أو الموت، أو يمكن أن يجلب ذلك لنفسه؟ ومما يؤكد سبق أنّ المصلين في وقت صلاتهم يلزمهم أن يكونوا متلاصقين متراصِّين، وتكونَ وجوهُهم متحاذيةً وأنفاسُهم متداخلةً. ثم إن كل واحد منهم يكون عرضة للسعال والعطاس في أي لحظة، وهو متلاصق مع مَن على يمينه ومَن على يساره، فتكون احتمالات انتقال الفيروس عند ذلك ممكنةً تماما.فعملا بالأدلة الشرعية المذكورة، يدعو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين كافة المسلمين إلى إيقاف إقامة صلاة الجمعة وصلوات الجماعة، في أي بلد بدأ فيه تفشي الوباء، وأصبح يشكل مصدر خوف حقيقي، بناء على التقارير الطبية الموثوقة المعتمدة من الدولة. ويستمر هذا الإيقاف إلى حين السيطرة على الوباء وتجاوز مرحلة الانتشار والخطر، حسبما تقدره الجهات العليمة المختصة) وعلى درب هذه الهيئات سارت هيئات إسلامية أخري في تونس والمغرب والكويت وغيرها وهي تتصدى للفتوى في نازلة تاريخية حديثة.
ع/خ

المقام مقام وقاية
ليس المقام يسمح بإطلاق فتاوى من هنا وهناك، وكل يدعي صواب رأيه، لكن هذا لا يمنعنا من أن نتعاون جميعا، ونتضامن من أجل محاصرة الوباء وأن يكون لنا وعي بخطورته، ونستشعر المسؤولية، وتكون لنا حكمة في التصرف، وأن نأخذ بكل الوسائل والإجراءات الوقائية التي أوصت بها الجهات المختصة، وأن تكون الثقة متبادلة بين الشعب ودولته. فأخذ كل واحد بالإجراءات الوقاية هي حماية له ولغيره. فهي كلها إجراءات مؤقتة ريثما يرفع الله تعالى هذا الوباء الذي بيده الخير وهو على كل شيء قدير وأن نبتعد عن السلوكات الخاطئة كالاحتكار وتكديس المواد الغذائية في البيوت، واستغلال هذا الوضع في رفع الأسعار، فهي كلها سلوكات لا تمت بصلة إلى ديننا الإسلامي الحنيف.
حفظ النفس مقدم على حفظ الدين
هل يُعقل أن يُرخص الشرعُ الشريف الصلاة في البيوت دون المساجد «صلوا في رحالكم» من أجل المطر الشديد أو الخفيف، والريح وما شابه ذلك .ولا يُرخص في ترك الجمع والجماعات في المساجد من أجل وباء مهلك ومدمر ومموت للنفوس والأرواح على النحو الذي نراه . فالشرع الشريف مبني على السماحة والتيسير المنضبط لا ضرر ولا ضرار، والذي يباح للأدنى يباح للأعلى بطريق الأولى، ولا يدخل بأي صورة من الصور هنا الاستدلال بقول الله تعالى: «ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه وسعى في خرابها ..». .فهذه الآية هنا في غير مناطها.

معابد الأديان العالمية خارج الخدمة
لم تعلق الصلوات في مساجد المسلمين فحسب؛ بل امتد الأمر لمعابد كبرى الأديان العالمية التي لم تتأخر هي الأخرى للتكيف مع مستجدات الوباء العالمي وزحفه على البشرية، وفي هذا الصدد وحسب وسائل إعلام ومواقع الكترونية فقد تم إلغاء وتقليص خدمات البوريم والاحتفالات اليهودية، وأصدر كبار الحاخامات في الكيان الإسرائيلي فتاوى دينية، حث فيها اليهود على إطاعة تعليمات مسؤولي الصحة التي تهدف إلى وقف انتشار الوباء. وقال الحاخامات إنه يجب على اليهود تجنب زيارة حائط المبكى لإجراء صلاة جماعية هناك. كما تأثرت الطوائف المسيحية حول العالم من فيروس كورونا. وتضررت الكاثوليكية بشكل خاص، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى انتشار الفيروس عبر إيطاليا. وأصبحت الفاتيكان مدينة أشباح قريبة، مع عناوين البث المباشر للبابا فرانسيس على الشاشات في ساحة القديس بطرس، على أمل أن تكون الحشود أصغر بدون حضورها الفيزيائي. واتخذت الطوائف المسيحية الأخرى تدابير مماثلة، حيث أعلنت كنيسة Jesus Christ of Latter-Day Saints الأسبوع الماضي، أنها ستعلق التجمعات في جميع أنحاء العالم «حتى إشعار آخر» بسبب الفيروس.
وعلى درب اليهودية والمسيحية سارت الديانة الهندوسية؛ حيث اضطر الهندوس في سنغافورة، لإلغاء جزء من مهرجان Panguni Uthiram السنوي، والذي يتضمن مسيرة. ويستقطب الحدث الديني عادة زهاء 10-15 ألفا من الحجاج كل عام. وأُغلقت المواقع الدينية في جميع أنحاء العالم الهندوسي أمام الجمهور. وفي الهند، أُغلق أحد أكثر المزارات زيارة في مومباي، معبد Siddhivinaya، حتى إشعار آخر.
وكذلك الشأن بالنسبة للبودية فعلى الرغم من الخطر، استمر المصلون في التدفق على المعابد، ما أجبر السلطات الهندية على اتخاذ إجراءات. وتم إغلاق معبد Tuljabhavani في ولاية ماهاراشترا بعد أن زار 13000 من المصلين الضريح يوم الأحد. وأُغلق مجمع Tsuglagkhang الذي يضم أقدس المواقع لدى البوذية التبتية، يوم الأربعاء ردا على انتشار Covid-19. وسيُغلق الموقع الديني حتى يوم 15 أبريل على الأقل.

مسجد موسكو يذيع القرآن الكريم على مدار الساعة تضرعا لله تعالى
أعلن مجلس المفتين في روسيا يوم الثلاثاء، بدء تلاوة القرآن الكريم على مدار الساعة في مسجد موسكو الكبير طلبا من الله لمنع تفشي وباء كورونا المستجد، وقال مجلس المفتين في بيان عنه: «في هذه الأيام تهدف تلاوة القرآن لتكون شكلا من أشكال مناشدتنا الله سبحانه وتعالى درء خطر تفشي فيروس كورونا في العالم بأسره».

وقف جمهرة الكاثوليكية للمرة الأولى منذ قرابة 9 قرون ورئيس الوزراء يتضرع للسماء
 أوقفت روما جميع الجمهرة الكاثوليكية في المدينة وهي المرة الأولى منذ 1155م خلال التمرد ضد البابوية، وهذا بسبب تأثير الفيروس والتخوفات التي يبديها المسيحيون هناك منه شعبا وسلطة؛ لاسيما وأن إيطاليا أصبحت أكبر دولة تعاني من الفيروس من حيث عدد الوفيات؛ في سابقة تاريخية حولت المدن الايطالية إلى أشباح وحولت الفاتيكان أيضا إلى دولة أشباح؛ وضع دفع برئيس وزرا إيطاليا بالعودة إلى الله فصرح قائلا: «إنتهت حلول الأرض الأمر متروك للسماء ! وصدق الله القائل: ((ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ))

السلام تحيتنا الأبدية
إن أصل التحية التي يجب أن تبادل بين المسلمين حيث السلام عليكم، بعيدا عن كل الطقوس والأشكال التي كرستها العادات الاجتماعية عبر العصور؛ من مصافحة وتقبيل بالفم أو الوجه أو الأنف، أو العناق وغيرها من طرق التحية التي تجاهل القرآن حضورها الاجتماعي وأكد على تحية السلام؛ تحية الحياة الدنيا وتحية أهل الجنة وتحية آدم ومن بعد إبراهيم الخليل؛ قال الله تعالى :"فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً  " وقال تعالى: "تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ " وقال تعالى: "وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلام عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ" وقال تعالى:  "لاَيَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاما "وقال:  "تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ "، وفي قصة إبراهيم: "إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ" وفي الحديث:«حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ.. إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فشمته، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ» [رواه البخاري ومسلم] عن عبد الله بن عمرو  أنّ رجلاً سأل رسول الله  : أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» [رواه البخاري ومسلم]. وقد أدخل أهل اليمن المصافحة لحياة المسلمين بالمدينة المنورة فأقرها الرسول  وهي أدب جم لكنه لا يرتقي لدرجة الوجوب لذا أفتى العلماء بتركه إذا كان ذريعة لنقل الأمراض، فحري بنا العودة لتحية الإسلام العالمية؛ تحية الدنيا والآخرة الأرض وجنة الخلد فهي جامعة كافية شافية لوحدها.
ع/ع

الرجوع إلى الأعلى