تجاوزت واردات الجزائر خلال العشر سنوات الماضية 580 مليار دولار، وتمثل السلع والمواد الأولية و المدخلات المختلفة والتجهيزات 70 بالمائة من فاتورة الواردات، وسجلت تقارير رسمية، ارتفاع في واردات الخدمات بشكل متواصل، والذي يكشف غياب مكاتب الدراسة الوطنية، والتي تتولى دور المتابع والمراقب وتكون بمثابة «دليل» يساعد الشركات الوطنية على تحديد توجهاتها الاقتصادية.
كشفت إحصاءات رسمية لبنك الجزائر، أن مداخيل سوناطراك خلال الفترة الممتدة بين عام 2000 و 2014 بلغت 760 مليار دولار، وتم تخصيص 580 مليار دولار من الإيرادات لتمويل واردات السلع والخدمات، ويمثل الفارق قيمة احتياطي الصرف، وتم إيداع 80 بالمائة من قيمة الاحتياطي في أرصدة وسندات سيادية بالخارج، ويشير التقرير، بان تراجع فائض الميزان التجاري بدأ منذ 2013 بسبب الارتفاع الكبير في مستوى الواردات.
وحسب الأرقام الرسمية، تم تخصيص 580 مليار دولار من الإيرادات لتمويل واردات السلع والخدمات، ويمثل الفارق قيمة احتياطي الصرف، وتم إيداع 80 بالمائة من قيمة الاحتياطي في أرصدة وسندات سيادية بالخارج، وبلغ احتياطي الصرف 193,3 مليار دولار في جوان من العام الماضي، مقابل 185 نهاية السنة، مسجلا بذالك تراجعا بقيمة 15,6 مليار دولار، وتشير الإحصائيات المتعلقة بالثلاثي الأول من العام الجاري، إلى تراجع احتياطي الصرف إلى حدود 160 مليار دولار، ويرجع هذا الانخفاض بالدرجة الأولى لارتفاع مستوى الواردات وتراجع المداخيل.
ويجمع اغلب الخبراء بان الاقتصاد الجزائري يواجه معضلة حقيقية، بسبب تراجع أسعار النفط، وتذبذب سعر صرف الدينار مقابل العملة الأوروبية اليورو والدولار الأمريكي، حيث فقد سعر البرميل 50 بالمائة من قيمته، وتراجع إلى حدود 60 دولار للبرميل في الأيام القليلة الأخيرة، وتصب اغلب التوقعات إلى استمرار التراجع، خاصة أمام احتمال عودة النفط الإيراني بقوة إلى السوق، حيث من المتوقع أن يرتفع إنتاج إيران من الخام من مليون برميل يوميا حاليا إلى ثلاثة ملايين برميل بعد رفع العقوبات عن إيران، وهو ما من شانه أن يحدث اختلالا في خريطة الطاقة
وبلغت واردات السلع (دون احتساب الخدمات) في 2009 بحوالي 40 مليار دولار، وهي السنة التي قررت الحكومة اعتماد القرض المستندي كأسلوب لترشيد الواردات، وفرض قاعدة 51/49 لتحديد حصص المساهمين الأجانب في مشاريع الشراكة، ولكن هذه التدابير لم تمنع من تسجيل زيادة في مستوى الواردات التي انتقلت إلى أزيد من 40 مليار دولار في 2010، و 46,5 مليار دولار في 2011 ثم انتقل حجم الواردات إلى 47,5 مليار دولار في 2012, لتسجل الواردات بعدها ارتفاعا معتبرا إلى 55 مليار دولار في 2013، لتصل إلى 58 مليار دولار العام الماضي.
وتشكل طبيعة النسيج الصناعي، من الأسباب التي كانت وراء ارتفاع واردات المنتجات نصف المصنعة أو المواد الأولية، خاصة وان معدل الإدماج الصناعي للمؤسسات العمومية والخاصة لا يتجاوز 15 بالمائة، وتعتمد تلك الشركات أساسا على المواد الأولية المستوردة من الخارج، وهو ما أدى إلى ارتفاع واردات المواد الوسيطة التي تدخل في الإنتاج بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، حيث انتقلت من أكثر من 17 مليار دولار في 2012، إلى 17,5 مليار دولار العام الماضي، يضاف إليها واردات الخدمات، والتي تتعلق أساسا بقطاعات الطاقة (سوناطراك و سونلغاز) التي تستحوذ على 70 بالمائة من واردات الخدمات، والأشغال العمومية والبناء، وغالبا ما تتمثل في خدمات استشارية تقدمها مكاتب أجنبية .
وبحسب الإحصائيات التي أعدها بنك الجزائر، فان واردات الخدمات قاربت 11 مليار دولار في 2013، ليرتفع بذالك إجمالي الواردات من السلع والخدمات في نفس السنة إلى 65 مليار دولار، و بلغت واردات الخدمات 11 مليار دولار في 2014، ما يرفع إجمالي الواردات خلال نفس السنة إلى 71 مليار دولار، وهو ما يمثل قيمة الأموال التي تخرج سنويا من الجزائر بالعملة الصعبة، دون احتساب التحويلات الأخرى القانونية التي تقوم بها الشركات الأجنبية، على غرار الإرباح، والتحويلات المخصصة لدفع أجور بعض العمال الأجانب.
وتعكس هذه الأرقام، ضعف البناء الهيكلي للاقتصاد الوطني المعتمد أساسا على الريع، ونقص أن لم نقل غياب مكاتب الدراسة الوطنية التي تكون متعددة الاختصاصات، والتي تتولى دور المتابع والمراقب وتكون بمثابة «دليل» يساعد الشركات الوطنية على تحديد توجهاتها الاقتصادية، ويكشف هذا الضعف، خللا أخر في المنظومة التربوية، وخاصة التعليم العالي الذي أصبح عاجزا عن تكوين إطارات لها القدرة على التحليل والتمحيص وإعداد التقارير الدقيقة.
وتشير التقارير التي نشرها بنك الجزائر، بان رصيد الميزان التجاري بدأ في التراجع بشكل كبير منذ 2013، ولم يكن ذالك بسبب تراجع أسعار المحروقات فقط، بل بسبب زيادة مستوى الواردات، وتشير أرقام بنك الجزائر، بان صادرات الجزائر من المحروقات بلغت 63 مليار دولار في 2013، مقابل 58 مليار دولار العام الماضي، وسجل فائض الميزان التجاري تراجعا خلال نفس الفترة، من 24 مليار دولار في 2012, إلى قرابة 10 ملايير في 2013 لينزل الرصيد إلى 4,6 مليار دينار العام الماضي.وحسب أرقام بنك الجزائر، فان الصادرات خلال الخمسة أشهر الأولى من العام الجاري بلغت 3,25 مليار دولار، مقابل 5,6 مليار دولار في 2014، مسجلة تراجعا بنسبة 42 بالمائة، وبلغت الواردات 4,53 مليار دولار مقابل 5,54 مليار دولار في 2014 أي بانخفاض بنسبة 45 بالمائة، فيما تظل الصادرات خارج المحروقات هامشية وتجاوزت بالكاد عتبة المليار دولار .
أنيس نواري

الرجوع إلى الأعلى