أكد المدافع الدولي السابق مراد سلاطني، بأن المنظومة الكروية الوطنية أهدرت الفرصة الأنسب لتنفيذ مخطط التغيير نحو الأحسن، لأن التوقف الاضطراري للمنافسة بسبب الأزمة الوبائية كان من المفروض ـ حسبه ـ أن يستغل لعقد جلسات بتقنية «التحاضر عن بعد»، تخصص بالأساس لرسم خارطة طريق مستقبلية، وسن قوانين جديدة كفيلة بتطهير المحيط المتعفن من الدخلاء، الذين أحكموا قبضتهم.
سلاطني، الذي يتواجد حاليا ضمن الطاقم الفني الوطني لمنتخب أقل من 17 سنة رفقة لاسات، أكد بأن قضية التسجيل الصوتي تبقى المرآة العاكسة للوضع التي تشهده الكرة الجزائرية، وأوضح بأن كل الأطراف الفاعلة لها ضلع في الفساد، لكن المنتخب الوطني يبقى ـ كما قال ـ  بمثابة الشجرة التي غطت الغابة قليلا، كما عاد ابن مدينة عنابة في هذا الحوار إلى مغامرته مع «الخضر»، والأسباب التي قطعت طريقه للاحتراف مع نادي جوفنتوس، واعتبر بلماضي بمثابة النموذج الذي يجب الاقتداء به
- ما هي نظرتك الأولية للوضعية الراهنة لكرة القدم الجزائرية، خاصة بعد مرورك عبر مختلف المراحل، من لاعب إلى مدرب في الأندية ثم التواجد مع منتخبات الشبان؟
المنظومة الكروية الوطنية مريضة، لكن الإنجاز الذي حققه المنتخب في «كان 2019» خفف من آلامنا، إلا أن ذلك لا يجب أن يحجب الرؤية عن واقع متعفن، خاصة في البطولة الوطنية، لأن الصراعات الداخلية المبنية على مصالح وحسابات شخصية، تطغى دوما على المشهد، والإشكال المطروح أن كل حلقة من السلسلة الطويلة، تكشف عن فضائح جديدة، مع محاولة تجرد كل طرف من الفساد، وتوجيه أصابع الاتهام للمتبقين، والحقيقة أن الجميع مسؤول عن الوضع المتردي الذي تعيشه منظومتنا الكروية، فأصبح المجال فضاء رحبا لجماعة «مافيا»، استغلت الظروف لاقتحام عالم كرة القدم، فأبعدت أهل الاختصاص ووضعتهم على الهامش، مقابل سعيها للبروز أكثر، بانتهاج أساليب بعيدة عن أخلاقيات الرياضة، الأمر الذي حوّل محيط النوادي إلى مستنقعات.
- لكن قضية التسجيل الصوتي المسرّب التي طفت مؤخرا إلى السطح كانت بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس،، أليس كذلك؟
هذه القضية مطروحة للنظر على مستوى العدالة، وبالتالي فلا يمكنني التعليق عليها، إلا أنها تبقى في نظري عبارة عن قطرة من بحر، لأن الواقع الميداني يخفي الكثير من المعطيات المتعلقة بالقضايا المشبوهة، وتسيير مجريات البطولة الوطنية، يضع العديد من الأطراف في قفص الاتهام، لكن الظرف لم يكن مناسبا لتفجير هذه الفضيحة، لأن الأزمة الوبائية كان من المفروض أن تستغل لتشريح الوضع السائد، من خلال تنظيم جلسات تقييمية عبر تقنية «الفيزيوكونفيروس»، بمشاركة ممثلين عن كل الشرائح الفاعلة، وهذه الخطوة تبقى أكثر من ضرورية لإخراج الكرة الجزائرية من الأزمة التي تتخبط فيها، مادام لب الاشكالية يمكن في «الذهنيات» وغياب قوانين صارمة، وبالتالي فإن سن نصوص قانونية تراعي بالأساس المعطيات الراهنة، يبقى كفيلا بالتخفيف من حدة الداء، مع الحرص على تطهير المحيط من «الدخلاء»، الذين أصبحوا ينصبون أنفسهم أوصياء على كرة القدم الجزائرية، خاصة على مستوى النوادي، مما أجبر بعض الأطراف، سيما المدربين على التضحية بالضمير المهني، والدليل على ذلك خصوصية سوق المدربين في معظم الأقسام، بوجود مجموعة تتخصص في تحقيق الاهداف المسطرة، ويتم جلبها في منتصف الموسم، سواء من أجل البحث عن النجاة أو الصعود، وهذه المجموعة تنشط في «الكواليس»، على حساب العمل الميداني، وهذا مساس كبير بسمعة التقنيين.


- هل من توضيحات أكثـر حول هذه الفكرة، سيما في الشق المتعلق بجلسات محاربة الفساد الكروي؟
كما لاحظ الجميع، فإن قضية التسجيل الصوتي المسرب جعلت كل الأطراف، تتحدث عن الفساد الكروي وضرورة محاربته، لكن كل طرف يضع نفسه بمنأى عن هذه التهم بصورة أوتوماتيكية، وينظر بالمقابل إلى الآخرين بأنهم رؤوس الفساد، وهذا الطرح يمتد من شريحة إلى أخرى، سواء تعلق الأمر برؤساء النوادي، المسيرين، المدربين، اللاعبين والأنصار وحتى الاعلاميين، لأن المشكل القائم يتمثل في الطريقة التي أصبحت منتهجة في التسيير على مستوى الفرق، حيث أن القرارات لا تتخذ من طرف الطاقم المسير فقط، بل هناك أطراف لا علاقة لها بالإدارة تتدخل في تقرير مصير النادي، في وجود أطراف تستغل وزنها في أوساط الأنصار للضغط على المسيرين، دون تجاهل الكثير من «الوسطاء» الذين أصبحوا بمثابة أصحاب الحل والربط، ويتدخلون حتى في مهام وصلاحيات الطواقم الفنية لضبط التشكيلة الأساسية، وهي أمور كان من المفروض أن نعمل على التخلص منها من خلال جلسات في فترة توقف المنافسة، تكون نتيجتها رسم خارطة طريق مستقبلية، خاصة من الناحية القانونية، وإحداث ثورة في النصوص، بما فيها قانون الجمعيات، اللاعبين والمدربين وحتى هيكلة الأنصار، دون الاكتفاء بالانتقاد عبر «بلاطوهات» القنوات التلفزيونية، والحرص على اتخاذ النماذج الأجنبية كمعايير يجب الاقتداء بها، لأن هذا المقترح يجسد سياسة الهروب إلى الأمام، بل يجب التشريح الميداني، والفرق بين ما هو سائد حاليا في الجزائر وبعض البلدان، خاصة الأوروبية منها، يتمثل في الصرامة القانونية فقط، والتي قد تكفي لتغيير الذهنيات.
- أيمكن القول بأن هذه الذهنيات ألقت بظلالها على المستوى الفني للبطولة الوطنية، وتراجعه في المواسم الأخيرة؟
المشكل كما سبق وأن قلت يكمن في تعفن المحيط، وعليه فإن النوادي تبقى مصدر الأزمة التي تعيشها المنظومة الكروية الجزائرية، ومستوى المنافسة حقيقة تراجع بالمقارنة مع ما كان عليه في الماضي، إلا أن طريقة التسيير التي أصبحت منتهجة تغيرت، لأن كرة القدم تحوّلت إلى مصدر رزق اللاعبين، والنظام المعتمد بشأن علاوات الإمضاء أخذ منحى مغايرا، والدليل على ذلك الأرقام الخيالية التي نسجلها في المواسم الأخيرة، والتي بلغت أزيد من 400 مليون شهريا لبعض العناصر في البطولة، بينما كانت الممارسة في وقتنا مقترنة بمدى تعلق اللاعب بألوان الفريق، والامتياز المالي كان رمزيا، ولو أن هذه الظاهرة كانت قد بدأت في منتصف تسعينيات الألفية الماضية، واستفحلت بشكل رهيب بعد ذلك، والمستوى الفني تراجع بسبب السياسة المنتهجة على مستوى أغلب النوادي، والتي تحصر الاهتمام في تشكيلة الأكابر، مع الاهمال الكلي للتكوين والعمل القاعدي على مستوى الفئات الشبانية، لأن هذه الاستراتيجية، حالت دون ضمان الاستقرار في الفرق، فضلا عن التأثير الكبير لهذه السياسة على منتخبات شبان.
- نعرج الآن للحديث عن مشوارك مع المنتخب الوطني، خاصة عند بروزك على الساحة في دورة
«كان 1996»؟
الحديث عن مشواري مع المنتخب، يجعلني أتأسف كثيرا على السياسة التي كانت منتهجة من طرف المسؤولين على الجانب التقني في تلك الفترة، لأن ضمي إلى القائمة كان بعد تقدمي نسبيا في العمر، وقد قرر فرقاني إدراجي في التعداد، وخضت أول مقابلة رسمية كأساسي بمصر في جويلية 1995، في إطار تصفيات كأس أمم إفريقيا، وأحرزنا التعادل، لنقطع تأشيرة التأهل عن جدارة، وظهورنا في النهائيات القارية بجنوب إفريقيا كان مميزا، وقد كان باستطاعتنا الذهاب بعيدا في تلك الدورة، لكننا كنا نفتقر للطموح، سيما وأن الكرة الجزائرية كانت تمر بظروف عصيبة، بسبب الوضع الذي كان سائدا في البلاد، إضافة إلى تراجع المنتخب منذ دورة السنغال 1992، والغياب بعدها عن دورة تونس، وعودتنا إلى «الكان» جاءت بعد فترة فراغ، وكان أغلب المتتبعين يتوقعون خروجنا من الدور الأول، إلا أننا نجحنا في الظهور بوجه مشرف، وقد تم اختياري ضمن قائمة أفضل اللاعبين في تلك النسخة، بعدما أقصينا في ربع النهائي، أمام منتخب البلد المضيف جنوب إفريقيا، وهنا بودي أن أضيف شيئا مهما
- تفضل .. ما هو؟
المنتخب الذي كان شارك في تلك الدورة كان بتركيبة كاملة من المحليين، باستثناء صايب الذي كان المحترف الوحيد، وقد تعذر على تاسفاوت المشاركة بسبب الإصابة، وتنقلنا إلى جنوب إفريقيا كان بنية الدفاع عن سمعة الجزائر، وذلك بوضع الألوان الوطنية في المقام الأول، مع التجاهل الكلي للجانب المالي، رغم أننا دخلنا هذه الدورة غير واثقين من إمكانياتنا، لكن التعادل في اللقاء الأول مع زامبيا جعلنا نؤمن بحظوظنا في التأهل، واصطدامنا بمنتخب البلد المنظم في الدور الثاني حال دون مواصلة المغامرة، وقد تلقينا مبلغ 26 مليون سنتيم كمكافأة، وهي أغلى ذكرى في مشواري الكروي، لأنني أديت دورة في المستوى، وخطفت انتباه بعض الأندية الأوروبية، أبرزها نادي جوفنتوس الإيطالي الذي عاينني في 3 لقاءات، لكن مشكل العمر قطع طريقي للاحتراف في هذا النادي العريق، لأنني كنت أبلغ 29 سنة، وهو نفس السبب الذي حال دون احترافي في سبورتينغ لشبونة البرتغالي، وقد لعبت للمنتخب 15 مقابلة، آخرها كان في جوان 1996، لما أقصينا من الدور التمهيدي لتصفيات كأس العالم على يد كينيا، لأن الثنائي ومهداوي وإيغيل اللذين عادا لتدريب الخضر وضعاني خارج دائرة الخيارات، رغم أن بلعطوي كان وحيدا في المحور آنذاك، وقد كان يلعب في بعض الأحيان مصابا، إلى درجة أن دزيري أصبح يلعب كمدافع محوري، وهذا ما لم أجد له تفسيرا إلى حد الآن.
- لكن الجيل الحالي، نجح في رفع التحدي وإحراز اللقب الإفريقي بمصر؟
ما حققه المنتخب في صائفة 2019 كان ثمرة الروح الوطنية التي تسلحت بها المجموعة، لأن بلماضي تمكن في ظرف قصير من اسقاط معالم شخصيته على المنتخب، لأن الجميع يدرك بأنه لما كان لاعبا يمتاز بقوة الشخصية، وهي الميزة التي ساعدته على رفع التحدي في نهائيات «الكان»، وقد تحدث قبل انطلاق تلك الدورة بكثير من التفاؤل، لأنه كان واثقا من استعداد اللاعبين لصنع الحدث، فكان التتويج باللقب الإفريقي عن جدارة واستحقاق، وعلى حساب أقوى المنتخبات في القارة، في انجاز لا يمكن أن يكون الشجرة التي تغطي الغابة، بل أن الفضل الكبير يبقى للطاقم الفني واللاعبين، دون التقليل من دور الفاف التي عملت على توفير الظروف المساعدة، وفرحة كل الجزائريين بهذا التتويج تحسب لهذا الجيل، وبلماضي يبقى بمثابة النموذج الذي يجب أن نقتدي به جميعا، لأن نجاح المدرب يمر عبر إثبات قوة شخصيته، والمباراة الودية أمام كولومبيا تبقى الدرس الميداني، الذي قدمته التشكيلة الوطنية للعالم برمته، والتي برهنت من خلاله على أنها بلغت «العالمية»، مما يدفعنا إلى التفاؤل أكثر بالمستقبل، خاصة النجاح في التأهل إلى مونديال قطر، بعد استعادة الهيبة التي كانت مفقودة على الصعيد القاري، لأنني سبق وأن عملت كمساعد لعمروش في منتخبي كينيا وليبيا، وأعرف جيدا مكانة الجزائر في القارة الإفريقية.
- نختم هذا الحوار بحادثة وفاة اللاعب قاسمي، والتي تبقى بالتأكيد من أسوأ ذكرياتك الكروية؟
الأكيد أن هذه الحادثة تبقى هي الأسوأ في مشواري، لأنني لا يمكنني أن أنسى ما حدث في ملعب تيزي وزو، حيث كنت ألعب مع فريق القلب اتحاد عنابة، وكانت كرة عرضية في منطقة العمليات بعد فتحة من موسوني، حاولت إبعاد الخطر بعد قراءة مسار الكرة، لكن قاسمي صعد وتجاوزني، وأثناء النزول اصطدم بي على مستوى مؤخرة رأسي، وقد كان سقوطه على أرضية الميدان قاتلا، رغم أن الفقيد كان قبل تلك الحادثة بلحظات يرغب في الخروج، لأننا كنا في نهاية الموسم، وقد أشعر بوعصيدة بذلك، كما كان يفكر في تسديد ديونه، خاصة وأنه كان ليلة المباراة قد تحصل على مبلغ 64 مليون سنتيم من رئيس الشبيبة حناشي، وكان قد وعد والدته بعمرة، وهو الوعد الذي حاولت تجسيده عند التقائي بها في مراسيم العزاء، إلا أنها رفضت.                    ص.ف

الرجوع إلى الأعلى