شريحة - الوسطاء - سبب تدهور الكرة الجزائرية
وضع اللاعب الدولي السابق محفوظ بوقادوم، رؤساء الأندية في خانة «السماسرة»، الذين ما فتئوا يتلاعبون بالمال العام لخدمة مصالحهم الشخصية، مقابل التسبب في انهيار مستوى الممارسة الكروية على الصعيد الوطني، وأكد بأن الخطوة التي قطعتها الوزارة في التعامل مع قضية التسجيل الصوتي  بمثابة الخطوة الأولى التي تستوجب الردع، لأن إسقاط بعض رؤوس الفساد ـ كما قال ـ يبقى ضرورة حتمية للخروج من هذه المرحلة العصيبة.
حــاوره: صالح فرطــاس
إبن سيدي مزغيش، وفي حوار خص به النصر، أوضح بأن دائرة الفساد الكروي، اتسعت لتشمل المدربين واللاعبين، لتبقى مجموعة «الوسطاء» الشريحة الأكثر استفادة من هذه الوضعية، رغم أنها دخيلة ـ حسبه ـ على المشهد الكروي، كما رفض إسقاط انجاز «الخضر» على المنظومة المحلية، وأرجع الفضل في التاج القاري إلى بلماضي واللاعبين، في الوقت الذي عاد بذاكرته إلى الفترة التي قضاها مع شبيبة القبائل، وفاق القل والمنتخب الوطني.
الفاف سكتت في قضية «التسجيل» والصمت أذكى نار الفساد
   *هل لنا أن نعرف نظرتك للوضع الراهن الذي تعيشه المنظومة الكروية الوطنية؟
ما عساني أقول في هذا الشأن، سوى أن الأمور تجاوزت الخطوط الحمراء، لأن الوضع أصبح جد متعفن، بدليل أن النشاط الكروي حاد عن إطاره القانوني، وتحوّل إلى تجارة بحثا عن الربح السريع باستعمال أساليب ملتوية، وهذا باستغلال المال العام، مما فسح المجال لمجموعة من الدخلاء لاقتحام عالم المستديرة، وفرضوا منطقهم في تسيير الفرق، لتصبح لغة الملايير، الأكثر تداولا في سوق انتقالات اللاعبين والمدربين، مقابل بقاء الأزمة المالية الخانقة القاسم المشترك بين كل النوادي، وهو ما يعني بأن إعانات السلطات العمومية تبقى المصدر الوحيد للتمويل، لكن رؤساء الفرق ظلوا يتصرفون في المال العام وكأنه من أرصدتهم الخاصة، لتكون عواقب ذلك غرق كل الأندية في إرث ثقيل من الديون، بعد صرف الملايير كل موسم، دون حسيب ولا رقيب، لتبقى كرة القدم الخاسر الأكبر، لأن المستوى الفني في تقهقر، والوضع يسير من سيء إلى أسوأ.
جيل «التيف» كان أقوى رغم أن المنح لم تتعد 400 دج !
*لكن الوزارة الوصية تدخلت بعد طفو قضية التسجيل الصوتي المسّرب على السطح،، ألا ترى بأن هذا الملف كفيل بإعادة ترتيب الأوضاع؟
الخطوة التي قامت بها وزارة الشباب والرياضة، جسدت حرص الدولة على الضرب بيد من حديد، في محاولة لاستئصال الفساد من جميع القطاعات، لكن الغريب في الأمر أن الفاف اكتفت بدور المتفرج في هذه القضية، رغم أنها كان من المفروض أن تبادر إلى إيداع شكوى لدى الجهات القضائية، وهذا الموقف كان وراء تفشي الفساد داخل المنظومة الكروية الوطنية، لأن سياسة الهروب إلى الأمام والتنصل من المسؤولية، حالا دون التعامل بجدية مع بعض الملفات السابقة، والوضعية الراهنة تستوجب إسقاط رؤوس، لتكون عبرة لباقي مسيري النوادي، لأن المال العام يبقى خط أحمر، لا يمكن التلاعب به، إلا أن «المافيا» التي ظهرت في عالم كرة القدم بالجزائر ضربت بجميع القواعد عرض الحائط، فأصبح من هبّ ودبّ يتولى رئاسة النادي، دون مراعاة بطاقة زيارته، ولو أن فتح تحقيقات في التسيير المالي لبعض الأندية، جاء ليواكب الإجراء الذي بادرت إليه الوصاية،  وانطلاق عملية المحاسبة يستوجب الردع، على أمل النجاح في تطهير المحيط من الطفيليين.
قفزت من القسم الشرفي إلى الوطني الأول بفضل المنتخب العسكري
*وما الدافع الذي يجعلك تتهجم على رؤساء الأندية واتهامهم بالفساد؟
الأمر الذي لا يجب أن يكون شاملا، فهناك أناس مخلصون ونزهاء يشرفون على تسيير الفرق، لكن المحيط أصبح غارقا في التعفن، بدليل أن الكفاءات فقدت مكانتها في المشهد الكروي الجزائري، نتيجة الأساليب الملتوية التي تنتهجها «المافيا»، الأمر الذي تسبب في تحويل النشاط الكروي إلى فضاء للتلاعب بالأموال، رغم أن الهدف الأساسي منه هو التكوين والمراهنة على العمل القاعدي، وعواقب انتشار الفساد كانت وخيمة، باندثار المدارس الكروية العريقة أمام سلطان المال، ليبقى نادي بارادو الحالة الاستثنائية في الجزائر، في الوقت الذي يبقى فيه مشروع الاحتراف فاشلا، لأن الكثير من الأطراف استغلته لفرض نشاط «البزنسة»، بتضخيم رواتب اللاعبين والمدربين، لتتجاوز الأمور حدود المعقول، بمنح لاعب أجرة 450 مليون شهريا، رغم أن الواقع الميداني يثبت بأن عتبة لاعبي البطولة الوطنية لا يجب أن تتجاوز 100 مليون سنتيم لأفضل لاعب، وهذه الأمور تستوجب تحقيقات مدققة، لأن كل الأندية تبقى مفلسة، وتنتظر إعانات الدولة للتلاعب بأجور اللاعبين، من خلال اقتطاع «جزية»، ولو أن المخطط يتم تنفيذه بالتواطؤ مع أطراف أخرى، وكأن الوضع يتعلق بشبكة منظمة.
خالف من ضمني للقبائل وهكذا خطفني من شباب قسنطينة
*هل من توضيحات أكـثـر بشأن هذه القضية؟
غرق الرؤساء في الفساد من حيث التسيير، انعكس على باقي المجالات التي لها علاقة مباشرة بالجانب المادي، لأن اللاعبين أصبحوا يرضخون لمساومات المسيرين، وهذا بعد ظهور كتلة أخرى دخيلة على عالم المستديرة، لأن «المناجرة» تحولوا من نكرة إلى أصحاب الحل والربط في سوق انتقالات اللاعبين والمدربين، ليصبحوا الشريحة أكثر استفادة ماديا في «الميركاتو»، رغم أنهم في الواقع ليسوا طرفا في المعادلة، ومنذ ظهور هذه الفئة تدهورت المنظومة الكروية الوطنية، على اعتبار أن نشاطها كشف عن تنازل الكثير من المدربين عن الضمير المهني، وخضوعهم للشروط التي يمليها سواء الرؤساء أو الوسطاء، انطلاقا من عملية ضبط التعداد، مرورا بالمحاباة بين اللاعبين أثناء التدريبات، وصولا إلى الخيارات التكتيكية، والتي تكون بالتشاور مع أطراف خارج الطاقم الفني، وهي أمور تكفي للقول بأن الوضع الحالي وإن تواصل، فعلى الكرة الجزائرية السلام.
*إلا أن المنتخب الوطني تمكن من تسيّد القارة في هذه المرحلة؟
لا يمكن إسقاط الانجاز التاريخي، الذي حققته التشكيلة الوطنية قبل سنة بمصر، على المنظومة الكروية الجزائرية داخليا، لأنه لا يوجد أي مجال لجعل اللقب القاري، بمثابة الشجرة التي تغطي الغابة، مادامت الحقيقة واضحة للجميع، والفضل في هذا الانجاز يعود للمدرب جمال بلماضي وكذا اللاعبين، الذين تبقى أغلبيتهم من المحترفين في الخارج، مادامت البطولة المحلية عقيمة، وغير قادرة على تزويد المنتخب بعناصر جاهزة فنيا وذهنيا، كما أن الصرامة الكبيرة، التي فرضها بلماضي كانت كافية لاستعادة الانضباط، الذي افتقده المنتخب لفترة طويلة، لتكون ثمار ذلك مجموعة منسجمة ومتكاملة، تسلحت بالروح الوطنية، فكان اللقب القاري أفضل مكافأة لها على المجهودات الجبارة المبذولة، والدولة الجزائرية لها إمكانيات مادية معتبرة، وضعتها في خدمة هذه الكتيبة، فكان التتويج كافيا لصنع فرحة كل الشعب الجزائري، وهذا فقط بفضل الانضباط الكبير.
شاركت في تصفيات مونديال اسبانيا ولم أظلم بعد إسقاط اسمي
*هذا الجيل حقق ما عجز عند جيلكم،، فما تعليقك على هذا الطرح؟
المعطيات تختلف من مرحلة إلى أخرى، ولا يمكن إجراء مقارنة بين الأجيال، لأن كرة القدم في الظرف الراهن أصبحت مادية، بينما كنا في السابق نلعب فقط من أجل الألوان، في غياب الإمكانيات المادية، ولو أن جيل «التيف» كان في نظري أقوى، خاصة من الناحيتين الفنية والبدنية، لكن بعض العوامل حالت دون تتويج الجزائر في تلك الفترة باللقب القاري، سيما منها الظروف المناخية الصعبة في أدغال القارة الإفريقية، كما أن تلك المرحلة عرفت تطور الكرة في بعض البلدان، أمثال الكاميرون ونيجيريا، والحقيقة أن الممارسة الكروية في فترة الثمانينات، كانت قد حولت الميادين إلى فضاءات للتمتع، وكان المستوى الفني للبطولة أفضل بكثير، رغم أن منح الفوز لم تكن تتجاوز 400 دج على أقصى تقدير، ورواتب اللاعبين الدوليين كانت في حدود 15 ألف دج، والإصلاح الرياضي، الذي انتهجته الدولة آنذاك كان ناجحا، وخلّص الفرق من جميع المشاكل، كما انعكس بالإيجاب على المنتخب الوطني، وهنا بودي أن أوضح شيئا مهما.
*تفضل.. ما هو؟
النشاط الكروي في فترتنا كان لأهل الاختصاص فقط، سواء في التسيير أو الممارسة، في غياب «السماسرة» من الوسطاء، لأن الاستقرار كان ميزة الأندية، وانتقالات اللاعبين كانت قليلة جدا، كما أن المنتخب العسكري كان الخزان الرئيسي للمنتخب الأول، وشخصيا فقد كنت من بين العناصر التي تمكنت من الظفر بمكانة في القسم الأول والمنتخب بفضل المنتخب العسكري، لأنني كنت ألعب في إتحاد سيدي مزغيش في القسم الشرفي، وتواجدي في منتخب «الجيش» إلى جانب عصاد وبعض العناصر التي التحقت فيما بعد بالمنتخب الأول، مكنني من لفت انتباه خالف في مباراة ودية أمام شبيبة القبائل، فقرر ضمي مباشرة إلى «الكناري»، رغم أنني كنت على وشك الالتحاق بشباب قسنطينة، لأن مدرب السنافر آنذاك زكري ألح على استقدامي، وحديثي عن هذه الذكريات، يبقى من أجل التأكيد على أن الكفاءات الميدانية، كانت المعيار الوحيد في انتقاء اللاعبين.
قررت الاعتزال بعدما رفضت السقوط في متاهة التلاعبات
*وماذا عن مشوارك مع شبيبة القبائل وكذا المنتخب الوطني؟
عند انضمامي إلى الشبيبة، كنت أبلغ من العمر 19 سنة، ورغم أنني قدمت من الشرفي، إلا أن المدرب خالف أعطاني الفرصة للتواجد ضمن التشكيلة الأساسية، وقد توجت مع الفريق بلقب البطولة سنة 1977، ونشطت نهائي كأس الجزائر بعد ذلك بسنتين، لكننا انهزمنا أمام «النهد»، كما كانت لي مشاركة مع الفريق في كأس الكؤوس الإفريقية، وغادرت الشبيبة بعد ربع النهائي، حيث التحقت بوفاق القل، والفترة التي قضيتها مع «الكناري»، عبّدت الطريق أمامي لحمل الألوان الوطنية، خاصة وأنني كنت متألقا في المنتخب العسكري، ورشيد مخلوفي وجه لي أول دعوة سنة 1979، لتنشيط مباراة ودية أمام بولونيا، وهي المقابلة التي كنت فيها أساسيا، وكسبت ثقة الناخب الوطني، بدليل أنني بقيت ضمن التشكيلة التي خاضت تصفيات أولمبياد موسكو، وكذا تأهيليات «كان 1980».
*مشاركتك في التصفيات لم تسمح لك بالتواجد في الأولمبياد وكذا في العرس القاري بنيجيريا، فما سبب ذلك ؟
لقد تعرضت لإصابة في نهائي كأس الجزائر لسنة 1979، مما جعل إدارة الشبيبة تنقلني إلى فرنسا لإجراء عملية جراحية، وهذا بإلحاح من المدرب خالف، وعليه فقد كنت خارج خيارات الطاقم الفني الوطني في نهائيات كأس أمم إفريقيا التي أقيمت بنيجيريا، ثم في أولمبياد موسكو، وبعد ذلك عدت إلى المنتخب ولو لفترة وجيزة، حيث كنت ضمن التعداد الذي خاض تصفيات مونديال إسبانيا، والحقيقة أن جيلنا كان ثريا بالنجوم، ومن الصعب الظفر بمكانة ضمن القائمة، التي كانت معنية بالمشاركة في نهائيات كأس العالم، وآخر ظهور لي مع المنتخب كان في ودية أمام تركيا سنة 1981، وقد تزامن ذلك مع انتقالي إلى وفاق القل.
نلت البطولة مع الكناري والإصابة ضيعت علي الكان وأولمبياد 1980
*نفهم من هذا الكلام أن مغادرة شبيبة القبائل، كانت السبب في توقّف مسيرتك الدولية؟
كلا.. فمنتخب الثمانينات كان مدججا بالنجوم، والمكانة فيه كانت للأحسن على الصعيد الوطني، لأن البطولة المحلية كانت تشهد تواجد أندية عريقة، ومستوى المنافسة كان عاليا، ووفاق القل كان من بين الفرق القوية، بدليل أننا كنا نلعب الأدوار الأولى، وانتقالي إلى هذا الفريق كان لأسباب عائلية بحتة، رغم أنني تلقيت عروضا من شباب قسنطينة، مولودية الجزائر وشباب بلوزداد، وقد كانت لي محطات مميزة مع «الدلافين»، لكن بذكريات تبقى راسخة في الذاكرة، منها حرماني من المشاركة في نهائي الكأس أمام فريقي السابق شبيبة القبائل، وهذا بتخطيط من أطراف، ظلت تعمل على تحطيم الفريق، إضافة إلى قضية الإضراب التي كانت عبارة عن مؤامرة ضد رئيس النادي، والتي كانت عواقبها سقوط الوفاق من الوطني الأول سنة 1989، وعلى ضوء ذلك قررت الاعتزال، لأنني رفضت الحوض في متاهة التلاعبات .
ص/ف

الرجوع إلى الأعلى