أيدت محكمة الجنايات الاستئنافية لدى مجلس قضاء قسنطينة أول أمس، حكم الإعدام في حق إرهابي من «سرية الغرباء» المنضوية تحت لواء التنظيم الإرهابي «داعش» وشارك في عملية اغتيال شرطي في الزيادية وتفجير انتحاري استهدف مقر الأمن الحضري بباب القنطرة والعديد من العمليات الخطيرة الأخرى، فيما سلطت عقوبة الحبس على ثلاثة متهمين وبرأت عشرين آخرين.
واستغرقت جلسة محاكمة المتهمين الأربعة والعشرين أكثر من ثلاث عشرة ساعة، حيث انطلقت عند التاسعة صباحا ونطق القاضي بالحكم الجزائي عند العاشرة ليلا، في حين شغل المتهم الرئيسي (ي.م)، الذي قضى ثلاثة وعشرين سنة في صفوف الجماعات الإرهابية، القسم الأكبر من الوقت المخصص لاستجواب المتهمين، كما أن التحقيقات الأولية والقضائية أفضت إلى متابعة ثمانية عشر متهما آخرين في القضية بناء على اعترافات المتهم الرئيسي المذكور. وألقت قوات الشرطة التابعة لأمن دائرة الخروب القبض على المتهم (ي.م) في شهر أفريل من عام 2017 على مستوى بلدية ابن باديس، عندما كان رفقة المتهم (ح.ح) المكنى بأبي صهيب، حيث كانا على متن دراجة نارية ولاحقتهما عناصر الشرطة في منطقة نائية قبل أن يترجلا ويقوم الإرهابي الثاني بتفجير نفسه من خلال حزام ناسف، بينما أوقف الثاني.

المتهم الرئيسي نشط مع المجموعات الإرهابية طيلة 23 سنة
وتبين أن الإرهابيين ينتميان لـ»سرية الغرباء» المنضوية تحت لواء التنظيم الإرهابي المسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، حيث نفذت السّرية في الفترة المذكورة عملية اغتيال حافظ الشرطة، الشهيد عمار بوكعبور، بالقرب من مقر الأمن الحضري بحي الزيادية وحاولت تفجير مقر الأمن الحضري الثالث عشر بباب القنطرة من خلال هجوم انتحاري، تسبب في إصابة عناصر أمن ومواطنين وتضرر مقري الأمن وشركة توزيع الكهرباء والغاز ومركبات، في حين أنكر المتهم اعترافاته السابقة المدونة في المحاضر، دون أن ينفي انتماءه إلى السرية، مضيفا أنه مصاب بعجز ولم يكن يغادر وكر المجموعة الإرهابية في جبل الوحش خلال فترة تنفيذ العمليات.
واعترف المتهم خلال الجلسة بانخراطه في التنظيم الإرهابي الذي كان يسمى «الجماعة الإسلامية المسلحة» في عام 1994 في جبال بجيجل، كما مارس النشاط الإرهابي في سكيكدة وقسنطينة، لكنه أضاف أنه أصيب في عام 1995 بالرصاص خلال اشتباك مع قوات الجيش وأصبح عاجزا إلى غاية القبض عليه ونفى مشاركته في أي عمليات إرهابية باستثناء عملية اقتحام مسجد في منطقة بني بلعيد وسرقة الزرابي الموجودة فيه، لكن القاضي واجهه بتساؤلات عن كيفية تقبل مجموعة إرهابية التكفل بشخص عاجز دون أن يقوم بأية مهمة. وناقض المتهم اعترافاته السابقة أيضا بأنه تنقل إلى ابن باديس لإنشاء وكر جديد للمجموعة الإرهابية، عندما قال إنه كان ينوي تسليم نفسه، في حين واجهته هيئة المحكمة بالقنبلة التي كانت داخل حقيبة الظهر التي وجدت في مكان التوقيف.
وقد ذكر النائب العام في مرافعته أن الإرهابي المذكور عنصر فعال في المجموعات الإرهابية، وشارك في العديد من العمليات، على غرار اقتحام مصنع للفخار ومحاولة اقتحام مقر فرقة الدرك الوطني واقتحام عيادة والاستيلاء على سيارة واختطاف مواطنين وطلب الفدية في ولاية جيجل، فيما نبه أن المتهم لم يكن متواجدا في مسرح الجريمة عند اغتيال الشرطي في الزيادية بقسنطينة، لكنه كان على علم بأدق تفاصيل العملية قبل وقوعها، فضلا عن أنه كان على علم بالعديد من الأمور الدقيقة التي قادت إلى الكشف عن العديد من المخابئ وحجز كمية كبيرة من الأسلحة ما يؤكد تورطه، كما تحدث خلال اعترافاته عن الخلافات التي وقعت بين الجماعات الإرهابية في الجبال.
 وصرح المتهم أنه تلقى رسالة من أمير السرية، الإرهابي المقضي عليه من طرف القوات الأمنية (ن.ل) المكنى بـ»أبي الهمام» في جبل الوحش، أعلمه فيها بعملية الاغتيال، لكنه نفى وجود رسالة المباركة التي رد بها على المعني. أما المتهم الثاني (ف.د) الذي سلم نفسه في عام 2017 وكان محل أمر دولي بالقبض، فقد اعترف بالانخراط في الجماعات الإرهابية التي كان مكلفا بالإعلام فيها، رغم أنه قلل من دوره بينها أثناء الجلسة من خلال قوله أنه كان مسؤولا عن شحن الكاميرات المستعملة في تصوير العمليات الإرهابية فقط، كما انضم إلى «سرية الغرباء» بقسنطينة ونشط فيها قبل أن يعود إلى جيجل ويسلم نفسه، ونفى مشاركته في اغتيال الشرطي أو الهجوم الانتحاري، في حين ذكر النائب العام في مرافعته أن المتهم كان عنصرا فعالا جدا وقاد توقيفه واستغلال المعلومات التي قدمها إلى حجز مئتي كيلوغرام من المتفجرات. وقد عاقبته عليه المحكمة بثلاث سنوات حبسا نافذا بعد أن التمست له النيابة عقوبة ست سنوات.
عشرون متهما يحصلون
على البراءة في القضية
وتوبع المتهمون الآخرون بجنايتي تمويل وتشجيع الأعمال الإرهابية، حيث مثل شقيق المتهم الأول، المسمى (غ.م) بسبب حيازته شريحة هاتفية منحها إلى خطيبته وأجريت بها اتصالات بين والدته وشقيقه الإرهابي، مثلما بينت التحقيقات، فضلا عن مثول صديقه الذي كانت الشريحة باسمه، إلى جانب المتهم (ح.ح)، وهو الشقيق التوأم للإرهابي (ح.ح) الذي فجر نفسه خلال عملية التوقيف، بعد أن اعترف المتهم الأول أن (ح.ح) أخبره أنه سيلتقي بشقيقه في قاعة ألعاب في الخروب ليساعدهما، في حين أوقف المتهم (م.ص.ز) بعد أن ذكر صاحب محل أنه من قام باقتناء الشريحة الهاتفية التي استعملت في التفجير الانتحاري باستخدام بطاقة تعريف مزورة، كما توبع صاحب الدراجة النارية التي ضبط بها الإرهابيان في ابن باديس، بعد أن اقتناها منه الإرهابي (ح.ح) من السوق الأسبوعي بالخروب، فضلا عن شخص آخر تبادل رقم هاتفه مع البائع على نية التفكير في إمكانية شرائها.
وكان بين المتهمين أيضا أشخاص آخرون أشار إليهم المتهم الرئيسي في الاعترافات السابقة، من بينهم تاجران من منطقة جيجل وشخصان من بلدية الخروب، وصهر أمير «سرية الغرباء» الذي نفى أن يكون قد وفر المبيت لصهره، وشخص ضبطت لديه بندقية صيد محذوفة الترقيم وخراطيش، وأصحاب مزارع في منطقتي جبل الوحش وابن باديس وولاية جيجل اتهموا بإسناد الإرهابيين المذكورين بعد أن وصلت إليهم التحقيقات بناء على تصريحات المتهم الأول. وقد نفى جميع المتهمين الأفعال المنسوبة إليهم وحكمت عليهم المحكمة بالبراءة، بعد أن التمست لهم النيابة عقوبة عشرين سنة سجنا نافذا، باستثناء المتهم (س.ع) الذي قضت عليه بستة أشهر موقوفة التنفيذ بسبب حيازة سلاح من الصنف الخامس وذخيرة دون رخصة، والمتهم (ع.ز) الذي أدانته بتهمة التمويل والتشجيع وحكمت عليه بثلاث سنوات حبسا نافذا.
سامي .ح

الرجوع إلى الأعلى