تمكنت الدكتورة وهيبة فتيحة مؤخرا، من افتكاك أول شهادة دكتوراه في تخصص أمراض اللغة و التواصل بالجزائر، لتضيفها إلى رصيدها من الشهادات في مختلف التخصصات، على غرار شهادة تقني سامي في الإعلام الآلي، شهادة مساعدة اجتماعية، شهادة ليسانس و ماستر في الأرطوفونيا و ماستر في العلوم العصبية المعرفية، إلى جانب شهادات أخرى، تثبت مشاركتها في دورات لتكوين المكونين، كشهادة ممارس في استراتيجيات التذكر و شهادة تنمية القراءة الذكية و غيرها، و المبهر في مسار الدكتورة وهيبة، التي تقترب من 50 عاما من عمرها، أنها حصلت على شهادة البكالوريا و هي في  38 من عمرها، في  2010، بعد أن انقطعت عن الدراسة طيلة 21عاما، و هي تطمح حاليا لولوج عالم البحث العلمي العالمي، كما أكدت في حديثها مع النصر.
تكفلت برعاية عائلتها في 13 من عمرها
الدكتورة وهيبة فتيحة المدعوة» فلة»، التي تعتبر قدوة للأجيال الجديدة في التحدي و الطموح، لم تفوت كل الفرص التي صادفتها لتحقيق ذاتها، و افتكاك الكثير من النجاحات، و كل نجاح صغير كان يقودها إلى نجاح أكبر، بالرغم من الظروف الاجتماعية القاهرة التي عاشتها، إذ اضطرت لتحمل مسؤولية رعاية أخويها و أختها الصغرى، منذ وفاة والديها و هي طفلة في 13 من عمرها.
و عندما بلغت القسم النهائي بصعوبة، و رسبت مرتين في البكالوريا، قررت عدم العودة إلى الدراسة، إلا بعد إيصال إخوتها  إلى بر الأمان و الاستقرار، بعد إنهاء تعليمهم و زواجهم، كما قالت لنا و هي تسترجع شريط كفاحها و تضحياتها.  
تقني سامي في الإعلام الآلي و مساعدة اجتماعية و أخصائية في الأرطوفونيا

أضافت المتحدثة و هي من مواليد 11أوت 1971، أنها ظلت رغم كل شيء متمسكة بالمطالعة و حب العلم و التكنولوجيا، فلم تلبث أن دخلت مجال التكوين المهني و افتكت شهادة تقني سامي في الإعلام الآلي، ثم قررت اجتياز شهادة البكالوريا، بعد متابعة دروس خصوصية في 2010 و هي في 38 من عمرها، افتكت الشهادة الحلم، ثم التحقت بكلية علم النفس و العلوم التربوية بجامعة قسنطينة 2 ، كما تابعت تكوينا بالمركز الوطني للمستخدمين المختصين بمراكز المعاقين بقسنطينة، و تخرجت بشهادة مساعدة اجتماعية في 2014، و تم توظيفها بمدرسة المعاقين سمعيا بقسنطينة، لكن نظرا للعدد المعتبر للمساعدات الاجتماعيات بالمدرسة، عملت بشهادتها كأخصائية في الأرطوفونيا، فقد حصلت على شهادة ليسانس في  2013 و ماستر في 2015 2 في ذات التخصص، إلى جانب ماستر ثان في العلوم العصبية المعرفية من جامعة بوزريعة، فنذرت وقتها و جهدها لمساعدة التلاميذ الصغار على تكسير جدار الصمت و اكتساب اللغة للتعبير عن مكنوناتهم و احتياجاتهم، و التمكن تدريجيا من الاندماج الاجتماعي، و كانت و لا تزال هذه الرسالة النبيلة مصدر رزقها الوحيد، في انتظار تنظيم مسابقة لتوظيف أساتذة جامعيين، ستشارك بها بشهادة الدكتوراه التي ناقشتها مؤخرا بجامعة البليدة 2 .
بخصوص أطروحة الدكتوراه، قالت الدكتورة وهيبة للنصر، بأنها في تخصص أمراض اللغة و التواصل، و موضوعها هو الأول من نوعه بالجزائر، فقد استهدفت من خلاله مرضى ألزهايمر الذين يواجهون مشاكل في اللغة و التعبير و التواصل مع المحيط، مما يؤدي إلى عزلتهم و تهميشهم، و إحباط مرافقيهم و ذويهم، فاقترحت موضوع «أثر الاستثارة المعرفية العصبية لذاكرة الأحداث على توظيف اللغة الشفهية لدى مرضى ألزهايمر درجة متوسطة، من خلال بناء برنامج تأهيلي باستخدام سندات بصرية، سمعية و لمسية»، مشيرة إلى أن البرنامج التأهيلي، موجه لذوي المرضى و مرافقيهم، و ذلك لكي يتمكنوا من استثارة حواسهم، و تلقين أبجديات البرنامج لهم، فيكسروا بذلك جدار الصمت الذي يمتد و يتمدد و يعلو بمرور الوقت، ليفصلهم عن واقعهم و محيطهم، و يجعلهم ينسحبون عن مجتمعهم،و هذا الانسحاب، حسبها، يؤدي إلى تفاقم الضمور القشري.
هدفي الدمج الاجتماعي لمرضى ألزهايمر
بفضل الطريقة العلمية الجديدة ، التي وضعتها الباحثة، يمكن انتشالهم من عالمهم الانطوائي الكئيب، قبل تفاقم حالتهم، و إعادة دمجهم في أسرهم و مجتمعهم، و إعادة تأهيل قدراتهم المعرفية، كما قالت للنصر، و هما الهدفان الأساسيان للبرنامج، مشيرة إلى أن ذات البرنامج يمكن أن يستفيد منه أفراد عائلات مصابين باضطرابات انحلالية أخرى، للتخفيف من صعوبات التكفل بهم.
اختارت المتحدثة في البداية، كما ذكرت، عينة تضم 10 مرضى ألزهايمر، ثم وسعتها إلى 18 مريضا من شرق و غرب و جنوب و وسط الجزائر، مشيرة إلى أنها واجهت صعوبات جمة في العثور عليهم ، فهم لا يمكثون عادة بمصالح الأمراض العصبية بالمستشفيات، و يكتفي الأطباء بمعاينتهم و وصف العلاج لذويهم و يعيدونهم إلى بيوتهم ، و يتكفل لاحقا أفراد أسرهم بالتوجه دوريا إلى المصالح المعنية، لإصدار وصفات طبية و اقتناء الأدوية لهم، في حين توصد عديد العائلات أبوابها على هذه الشريحة من المسنين، و تفضل إخفاء مرضها بدافع الجهل أو الخجل أو الخوف من مواجهة الداء، أو ليأسها من شفائها، ما يفسر عدم توفر إحصائيات دقيقة للمصابين، فتم تقديرها ب120 ألف حالة مصرح بها.

و أضافت أنها واجهت صعوبات في إقناع ذوي المرضى و مرافقيهم بمتابعة البرنامج المقترح الذي يعتمد على العلوم العصبية المعرفية، حيث خصصت لهم ورشات تتضمن ثلاث مستويات، ورشة المثيرات البصرية و ورشة المثيرات السمعية و ورشة للمثيرات اللمسية، و شرحت لهم طرق الاستثارة المتعددة لحواس قريبهم مريض ألزهايمر، عن طريق صورة و صوت أو ملمس، صممتها بنفسها، لتجسد مختلف المجالات، و ذلك من أجل تحريك ذاكرة الأحداث لديه، مما يؤثر على المستوى التعبيري اللغوي عنده، فبدل أن يتضمن رصيد مفردات الشيخ أو العجوز 15 كلمة، يرتفع إلى 30  و هكذا.. و أشارت إلى أنها دربت المشاركين على كل الخطوات ليتمكنوا من تطبيقها على المرضى، مؤكدة أن بصمتها المميزة في الأطروحة تتمثل في بناء خوارزمية خاصة ، بالاعتماد على تخصصها كتقني سامي في الإعلام الآلي، فحصلت على ملاحظة مشرف جدا و تهنئة اللجنة المناقشة لأطروحتها، بكلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية، قسم علم النفس، جامعة لونيسي علي البليدة 2 ، و تتوجه عبر النصر بخالص شكرها و امتنانها للأستاذة المشرفة الدكتورة خليدة يعلاوي و كذا مديرة مدرسة المعاقين سمعيا بقسنطينة، النفسانية كريمة حذرباش، على تشجيعهما و دعمهما لها.
من لم يفعل إرادته مات دون أن يعيش
أوضحت الباحثة من جهة أخرى، أنها تابعت خلال مسارها العلمي عديد الدورات التكوينية في عديد المجالات التي وسعت من آفاقها المعرفية، و أهلتها لتدريب و تكوين عديد الدفعات، كما تمسكت بالبحث العلمي و بشغفها بمطالعة مختلف الكتب، و كذا ممارسة هوايتها المفضلة و هي العزف على الكمان،  مؤكدة أن «الإرادة وضعها الله في كل إنسان ، هناك من ينتبه لها و يفعلها و يستثمرها جيدا لتحقيق أهدافه، و هناك من لا يعرها اهتماما، فيموت دون أن يعيش»، داعية الأجيال الجديدة إلى التشبث بأحلامهم و طموحاتهم و التسلح بالإرادة لتجسيدها.
و تتمنى وهيبة فتيحة، أن يعمم تطبيق برنامج الورشات الذي اعتمدت عليه في  الجانب الميداني لأطروحة الدكتوراه التي أعدتها و ناقشتها مؤخرا، من قبل المراكز الاستشفائية التي تعنى بالتكفل بمرضى ألزهايمر، و كذا مراكز البحث التي يشرف عليها أكاديميون و لا تبقى النتائج التي توصلت إليها رهينة الرفوف.
و شددت المتحدثة في ختام حديثها مع النصر، أنها تطمح حاليا لمواصلة البحث العلمي، لكن على مستوى عالمي في أحد المخابر الكبرى.
إلهام طالب

الرجوع إلى الأعلى