كشف ابن خنشلة أسامة قنطري، عشية اليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة، عن اختراع جديد في رصيد شركة «أرتوفيديا» التي يملكها و يسيرها، من شأنه أن يحدث ثورة حقيقية في حياة  المعاقين بصريا، و ينهي جزءا كبيرا من معاناتهم و يساعدهم على تحقيق الاستقلالية و الاعتماد على أنفسهم في تلبية احتياجاتهم العديدة من القراءة إلى المشي و غيرها، و تيسير إدماجهم دراسيا و مهنيا و اجتماعيا، و يتمثل الاختراع في جهاز «آرتو آي» و هو بمثابة عين مبصرة ترى و تقرأ و توجه و ترشد الكفيف، كما أكد في اتصال بالنصر.


مسير شركة «أرتوفيديا» الناشئة، الكائنة بمدينة خنشلة، التي أسسها في 2018 و هو في 22 من عمره، اختار أن يعلن عن اختراعه، تضامنا و تكريما و تقديرا لذوي الهمم في يومهم الوطني، معربا عن رغبته في تعميم استعماله من طرف المعاقين بصريا عبر مختلف مناطق الوطن و الدول العربية، لأنه الحل المناسب لعديد مشاكلهم، و أوضح أن استخدام «آرتو آي» يمكن أن يشمل عدة مجالات، فبإمكان الكفيف عاشق المطالعة أو الطالب أو التلميذ أو الأستاذ أن يستغني عن تقنية «براي» في القراءة، و يعوضها بالجهاز السهل الاستعمال و العملي و الفعال، و تتمثل الخطوة الأولى في وضعه الجهاز  فوق وجهه، ثم يحمل الكتاب الذي يريد أن يطلع عليه، فيخبره الجهاز شفهيا بعنوانه، و إذا أراد أن يقرأه، ما عليه إلا أن يضع ثلاثة أزرار افتراضية فوق غلافه، الزر الأول لقلب الصفحات و الثاني للتوقف المؤقت عن القراءة، و الثالث للرجوع إلى الخلف.
و بإمكان الكفيف، حسب مخترعه، أن يستعمل الجهاز الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي،  بنفس الطريقة السابقة من أجل التعرف على أسماء الأدوية التي قد يصفها له الطبيب و لا يخلط بينها، و كذا للاطلاع على مكونات و استعمالات هذه الأدوية و أعراضها الجانبية، و بإمكانه أن يستعمله في معاملاته اليومية من أجل التعرف على قيمة الأوراق النقدية.  و أضاف الباحث البالغ من العمر 25 ربيعا، بأن النموذج الأولي من «آرتو آي» يمكن أن يخلص المعاق بصريا أيضا من العصا التي يعتمد عليها عادة في سيره و تنقلاته، فبإمكانه أن يوجهه و هو يسير في الشارع أو ينزل أو يصعد السلالم..إلخ، عن طريق رسائل و تنبيهات صوتية، مشيرا إلى أنه عرض الاختراع على وزيرة الثقافة خلال زيارتها لخنشلة في الأسبوع الفارط، فشجعته على مواصلة درب الابتكار.
 برنامج  لتسهيل التواصل مع المعاقين سمعيا
سبق لأسامة أن أطلع النصر على مشروع آخر لفائدة المعاقين سمعيا، يعمل بمعية فريقه في شركته الناشئة «آرتوفيديا»على تطويره، و يتمثل في تقنية جديدة تعتمد أيضا على الذكاء الاصطناعي، لترجمة لغة الإشارة التي يتواصل بها أفراد هذه الشريحة من ذوي الهمم  بينهم، إلى لغة شفوية يفهمها الجميع و تمد جسور التواصل و الاتصال و الحوار بين كل الفئات دون أي عائق، و يكسر جدار الصمت و الكبت الذي طالما عزل و همش الفئات الهشة، و يسهل إدماجهم في المجتمع، و تتمثل التقنية في إدخال تطبيق مبتكر إلى الهاتف النقال، بإمكانه أن يترجم مباشرة لغة الإشارات و الحركات التي يستعملها الأصم و الأبكم إلى لغة تعتمد على النطق و الكلام للراغبين في التواصل و الحديث معهم.      
و أوضح ابن خنشلة، بأنه يكفي بعد تفعيل التطبيق، الذي يعتمد أساسا على الذكاء الاصطناعي، أن يمسك الشخص كاميرا الهاتف النقال و يضعها قبالة المعاق سمعيا، عندما يستعمل لغة الإشارة، لكي تتحول إشاراته و حركاته إلى كلمات مكتوبة، يقرأها أي شخص و يتحاور معه بسهولة و دون حواجز.
    طور تطبيق «المدرسة الذكية» و هو في سن 16
 عاد أسامة قنطري في حديثه مع النصر، بذاكرته إلى محطته الأولى في رحلة  الابتكار، فأكد أنه كان يحب التكنولوجيا و العلوم منذ كان طفلا صغيرا،  و عندما كان في ربيعه 16 ،  ابتكر «المدرسة الذكية» و هي عبارة عن منصة لإطلاع الأولياء على كل تفاصيل المسار التعليمي لأبنائهم و نتائجهم و ملاحظات أساتذتهم و غياباتهم عن المدرسة.. و بالتالي السماح لهم بمتابعتهم عن بعد، و أضاف بأن المشروع تم تسليمه منذ عشر سنوات تقريبا إلى وزارة التربية، ، لكن لا أحد اتصل به أو ذكر اسمه، بالرغم من تطبيقه.
و  عندما بلغ سن 18 عاما ، قرر إدراج تطبيق في «غوغل بلاي» يتعلق بالبكالوريا يضم حوليات و ملخصات للدروس، ثم قرر مساعدة الأطباء بتطبيق للتواصل مع المرضى و تحديد المواعيد عن بعد، لكنه لم يلق أي صدى عندما عرضه على فئة منهم، كما وضع تطبيقا آخر لحجز سيارات الأجرة عن بعد، و غيرها من المشاريع لكن جميعها ، كما قال محدثنا، لم  تنجح في جذب انتباه المعنيين، ما بالك بإقناعهم باستعمالها، فتخبط طيلة أربع سنوات بين فشل و آخر.
و أضاف أسامة قنطري أنه ينتمي إلى أسرة متوسطة الحال، لكنها تحب العلم و التكنولوجيا، و لم تبخل عليه قط، منذ كان تلميذا صغيرا، بالتشجيع و الدعم المادي و المعنوي، و كانت و لا تزال تؤمن بقدراته في مجال البحث و الابتكار و التجديد، و تنتظر أن يصبح نجما ساطعا في سمائه .
تابع الشاب بأن أفكاره كانت دائما تسبق سنه و إمكاناته، لكنه كان يعتمد على المحاولة و الخطأ في كل مشاريعه التي يبدأها من الصفر، و يعتبر كل فشل يصادفه، خطوة و حافزا باتجاه النجاح، فيتشبث بكل ما يفعل إلى أن يوفق فيه.  
 و تحدث الشاب الطموح عن مساره الدراسي ، فقال أنه عندما نجح في شهادة البكالوريا، درس الإعلام الآلي بالجامعة لمدة سنتين، ثم انقطع عن الدراسة الجامعية، و ذلك لأنه لم يستفد من المقرر الجامعي في تطوير مواهبه لأنه، حسبه، قديم لا يواكب آخر المستجدات العالمية، ما جعله يقبل على دورات تكوينية، تعنى بكل ما هو جديد في عالم التكنولوجيا و البحث العلمي.
و بعد التكوين، قرر أن ينحت اسمه كمدرب معتمد من قبل شركة أوريكا، فأشرف على تأطير عدة دورات تدريبية في الإعلام الآلي و التسويق الإلكتروني، و الربح الإلكتروني و غيرها، بمساعدة و دعم فريق من الشباب الجامعيين الطموحين، ثم وضعوا معا أرضية للابتكار و الإبداع، و كذا تطوير تطبيقات موجودة مسبقا، تشمل مختلف المجالات الحياتية، و قاموا بتمويلها من مداخيل نشاطهم في مجال التكوين، في غياب ممولين و داعمين، كما قال أسامة.
و من بين التطبيقات التي ابتكرها ابن خنشلة، تطبيق عملي خاص بمحلات بيع الملابس لتسهيل التجريب الافتراضي للملابس، دون حاجة إلى استعمال قاعة، فدون تضييع الوقت و الجهد بإمكان الزبون أن يختار عبر شاشة مثبتة بالمحل، الملابس المعروضة التي تعجبه، و عندما يضغط على زر معين تظهر صورته و هو يرتديها ليقرر بعد ذلك  أن يشتريها أم لا، كما تمكن من ابتكار تطبيق آخر لجعل السيارات تقود و تركن نفسها بنفسها، دون تدخل السائق، و غيرها من التطبيقات و المشاريع التي يعمل على تطويرها مع فريقه.


عرض وزاري لتعميم تقنية تكريما للشهداء
من بين المشاريع التي جعلت اسم أسامة قنطري و شركته الناشئة يتألقان وطنيا و عربيا، مشروع تكريم شهداء الثورة التحريرية في عيدهم الوطني، بإعادتهم إلى الحياة، ليحدثوا الأجيال الجديدة عن مسارهم النضالي و تضحياتهم، و ذلك من خلال ابتكار لوحات متحركة ناطقة، تحمل صورهم، و عرضها في اليوم الوطني للشهيد بدار الثقافة علي سوايحي بخنشلة، حيث حظيت بإعجاب واسع و تقدير من مختلف الجهات، ما جعل وزارة المجاهدين تتصل به.    أسامة قال في اتصاله بالنصر، بأن رئيس ديوان وزير المجاهدين استقبله في مكتبه بالوزارة، و أعرب له عن إعجابه الشديد، بالتقنية الجديدة التي بثت الحياة في صور الشهداء و جعلتهم يتحدثون و يعبرون عن بطولاتهم  و محطات في تاريخ الثورة المجيدة، و استمع لأفكاره و مشاريعه، و اقترح عليه إبرام اتفاقية لتعميم التطبيق في كل متاحف الجزائر.
و أضاف المتحدث بأنه ينتظر بفارغ الصبر اتصال الوزارة به مجددا، لتوسيع نطاق تطبيق تجربته، موضحا أن فكرة اللوحات المتحركة مستوحاة من سلسلة هاري بوتر، فقد رغب في البداية، في ابتكار كتاب ناطق، يتحرك أبطاله الشهداء و يتحدثون، دون استعمال الكاميرا، لكن اتضح له أنه مكلف جدا، و لا يمكن أن يشتريه عامة الناس، ما جعله يفكر في حلول أخرى عملية ذات تكاليف معقولة، فقرر الاعتماد على كاميرا الهاتف النقال، و تعاون، كما أكد، في كل المراحل، مع فريقه المتكون من أربعة شبان و شابتين و جميعهم جامعيين، تخصصاتهم متكاملة، و تتراوح أعمارهم بين 24 و 28 عاما، و واجهوا عدة صعوبات، لكنهم تشبثوا بهدفهم.
في البداية جمع الفريق صور بعض الشهداء و حسنوا نوعيتها، ثم اتصل بإذاعة خنشلة، للبحث عن مذيعين لقراءة سيرهم الذاتية بصوت مناسب، و شرع الشبان في التدرب على تحريك شفاه أصحاب الصور، ليظهروا و كأنهم فعلا يتحدثون، تزامنا مع القراءات، و استغرق ذلك وقتا طويلا و تركيزا و جهدا كبيرين، لكن النتيجة مبهرة و مشرفة، كما أكد أسامة للنصر. فقد أصبح بإمكان الراغبين في مشاهدة شهداء ثورة نوفمبر1954 ، و الاستماع إليهم يتحدثون و يسردون سيرتهم ومسارهم، تحميل تطبيق شركة «أرتوفيديا»، ثم توجيه كاميرا هواتفهم النقالة  .  ذكر المتحدث أنه عرض المشروع في البداية على مدير دار الثقافة علي سوايحي بخنشلة، فرحب به، و تم تنظيم معرض من 20 إلى 22 فيفري الفارط، بمناسبة يوم الشهيد، لعرض المشروع على السلطات و الزوار، فقد وضع فريق «أرتوفيديا» اللوحات التي تحمل صور الشهداء و رمز الشركة الناشئة، و شرحوا للزوار التقنية المستعملة، إذ يكفي أن يحملوا التطبيق المبتكر في هواتفهم النقالة  ثم يوجهوا كاميرات هواتفهم إلى اللوحات المعروضة أمامهم، ليعيشوا تجربة، مشاهدة و الاستماع لكل واحد من الشهداء الخالدين، و هو يسرد سيرته و فصول مساره النضالي  المليء بالبطولات و التضحيات من أجل الاستقلال.   
و ختم أسامة قنطري حديثه مع النصر، بالتأكيد بأنه تلقى دعوات من عدة ولايات لتنظيم معارض مماثلة لتكريم الشهداء، كما اتصلت به عدة وسائل إعلامية وطنية و دولية لتسليط الضوء على التجربة، ما جعل إصراره على النجاح و مواصلة درب الابتكار يتضاعف يوما بعد يوم ليشمل عدة مجالات أخرى.
إلهام طالب

الرجوع إلى الأعلى