تتبنى الكثير من ربات البيوت إستراتيجية تجميد مختلف أنواع الأطعمة الطازجة و المطهوة، في إطار التحضيرات لشهر رمضان، و تعتبر العديد منهن التجميد سلوكا ذكيا يتنافسن عليه أكثر من أي شيء آخر، لتوفير الوقت و الجهد خلال أيام الشهر الفضيل، دون النظر بعين الاعتبار لآراء المختصين في التغذية الصحية و الأطباء.
لطالما كانت الجدات تسعين لتخزين بعض الأطعمة في غياب الأجهزة الكهرومنزلية، من أجل الاحتفاظ بها لفترة أطول، و اعتمدن لعقود طويلة على الطرق التقليدية،  من أجل استعمالها في مناسبات معينة أو حسب الفصول، لكن «المطمور» أو «الزير» و حتى زيت الزيتون و الملح،  لم تعد اليوم وسائل الحفظ السائدة، خاصة في ظل الانتشار الواسع للمجمدات الصغيرة التي أضحت جهازا ضروريا في كل بيت.
الملاحظ أن التحضيرات لشهر رمضان، لم تعد تقتصر اليوم على عملية تنظيف كبرى للبيت، أو غسل الأفرشة و الأغطية، أو حتى شراء أواني جديدة، فالتحضيرات الخاصة بالطعام، بعد توفير «الفريك» و «شباح الصفراء»، أضحت أكثر من مهمة بالنسبة للكثير من ربات البيوت اللائي يجزمن أنها طريقة تساهم في توفير الوقت و المال على سواء.
فواكه و خضر مقطعة و عصائر مجمدة
تحدثت السيدة حورية للنصر عن عاداتها قبيل حلول الشهر الفضيل، مؤكدة أنها منذ نحو ثلاث  سنوات، بدأت تجميد الكثير من الخضر و الفواكه لتكون جاهزة للاستعمال أيام الصيام، فلم تعد تكتفي بتجميد عصير الطماطم أو البازلاء «الجلبانة»، بل تجمد أي شيء، يخطر على بالها، على غرار البصل المفروم، الفلفل الحار المقطع، البقدونس، النعناع، البرتقال، الفراولة، و أي نوع من الخضر و الفواكه يمكن استعمالها لتحضير وجبات، عصائر أو تحليات في رمضان.
و تحدثت لمياء، معلمة في الطور الابتدائي و ربة بيت و أم  لأربعة أطفال، عن تجربتها الخاصة مع التجميد، مشيرة إلى أن التزامها بتوقيت عمل محدد، يقلص من وقتها بالبيت، ما يجعل مهامها في المطبخ صعبة، الأمر الذي دفعها للبحث عن طرق تسهل عليها العمل و تقتصد الوقت، فوجدتها في الأطعمة المجهزة أو نصف المجهزة، انطلاقا من تجميدها.
و يبدو أن ارتفاع أسعار الدواجن التي بلغت سقف 450 دينار للكيلوغرام الواحد، قد منعت أغلب ربات البيوت من اقتناء كمية معتبرة من الدجاج أو شرائح الديك الرومي «اسكالوب» ككل سنة خلال هذه الفترة، حيث قالت لنا السيدة فضيلة، أنها عوض تخزين كميات إضافية منها في المجمد،  فإن الأزمة اضطرتها لاستخراج ما قامت بحفظه عندما كانت الأسعار مقبولة.
  «الشربة» و «البوراك» يدخلان القائمة
أكدت المتحدثة أنها حرصت خلال عطلة الربيع على تحضير كمية كبيرة من «الحميص» و قامت بتجميده، و كذا «البوراك» بحشوات مختلفة، أما البقدونس، فقامت بفرمه، و الليمون خزنته مقطعا، أما البطاطا، فقد جهزتها لتضعها مباشرة في المقلاة إذا رغبت في تحضيرها مقلية، و أشارت إلى أنها لا تحضر خلال شهر رمضان «الشربة» كل يوم، بل تقوم بطهي كمية تكفي لثلاثة أيام، تستهلك الثلث، و تخزن البقية في أكياس أو علب خاصة لتسخينها عند الحاجة إليها.
من جانب آخر، ترى بعض ربات البيوت أن التكنولوجيا قد ساهمت في إنتشار مثل هذه السلوكات التي تراها غير عقلانية و غير صحية، حيث قالت السيدة سكينة أنه سلوك يخلق الجشع في المجتمع، و يرفع البركة من الطعام، حسب تعبيرها، مشيرة إلى أن بعض السيدات بلغ بهن الأمر حد قلي البطاطا و وضعها في أكياس في المجمد، و تسخن في زيت مغلي دقائق قبل تناولها في شهر رمضان، منتقدة انسياق الكثيرات خلف الفيديوهات التي تروج لهذا النوع من السلوكيات، خاصة «اليوتوبرز» اللائي أصبحن مرجعية لمعظم ربات البيوت الجزائريات، فتنازلن عن حرصهن على تناول الخضر و الفواكه طازجة، و المأكولات الي تحضر في نفس اليوم، و الملاحظ أن بعض الرجال الذين كانوا في السابق يرفضون تناول بقايا الطعام بعد24  ساعة من طهيها، أصبحوا يقبلون على تناول وجبات حضرت و جمدت قبل أشهر، على حد قولها.
و ساهم في الانتشار الواسع لهذه الثقافة، توفر الأجهزة الكهرومنزلية العصرية المخصصة لذلك، ففي الوقت الذي تكتفي فيه بعض ربات البيوت بالمجمدات الموجودة في الثلاجات، فإن أغلبهن يملكن اليوم مجمدات متوفرة في السوق الجزائرية بماركات و أحجام مختلفة و بأسعار تتراوح بين 25 و 90 ألف دينار، لتصبح بذلك أكثر من ضرورية بالنسبة للكثيرات  ليس لحفظ لحوم الأضاحي في العيد فحسب، فقد أكدت السيدة ليلى أن مجمدها الخاص يساعدها على حفظ مختلف أنواع الطعام خضر، فواكه، أطباق جاهزة، معجنات و حلويات، و تبقى جيدة و تظهر و كأنها جديدة ، عند إخراجها لتناولها أو تقديمها للضيوف.
- أخصائية التغذية بوصيود نسمية: التجميد لا يصلح مع جميع الأطعمة و المبالغة فيه مسرطنة


تحذر أخصائية الأيض و التغذية الدكتورة نسيمة بو صيود من خطر الاعتماد المفرط على الأطعمة المجمدة، و قالت أن الخطر يكمن في الاستهلاك ما بعد التجميد، حيث من الممكن حدوث تعفن بكتيري في اللحوم مثلا، الألبان و الأجبان، إضافة إلى أكسدة الأطعمة، مما يجعلها مسرطنة على المدى الطويل، في حال لم يتم احترام شروط التجميد و التسخين التي تقترن بنوعية الأطعمة و احترام خصائصها.
كما حذرت الدكتورة بوصيود من بعض الأخطاء الشائعة عند حفظ الخبز أو الكسرة في المجمد لمدة شهر كامل أو أكثر، حالها حال الأطعمة المطهوة، و قالت أن ذلك غير صحي تماما، أما بالنسبة للخضر و الفواكه، فيجب ألا تتجاوز مدة تجميدها ثلاثة أشهر، بينما يمكن أن تطول مدة تجميد اللحوم لأكثر من ذلك، شرط احترام العملية و عدم إعادة تجميدها مجددا، بعد ذوبان الجليد.
و ذكرت المختصة بعض الأخطاء الأكثر شيوعا في استهلاك الأطعمة المجمدة، مثل إعادة التجميد بعد إخراج المواد من المجمد، و شددت على أهمية الطهو الجيد للحوم التي تدخل المجمد، و ذلك لأن البكتيريا تكون متجمدة فقط و ليست ميتة، لذلك يجب طهيها جيدا قبل إستهلاكها، مؤكدة أن التجميد لا يصلح لجميع أنواع الأطعمة، مشيرة إلى الخضر و الفواكه الغنية بالمواد السائلة و الألياف التي تفقد خصائصها بالتجميد.
- الطبيبة العامة لعيور سراح: الأطعمة المجمدة تسبب السكري و أمراض القلب
من جانب آخر، أكدت الطبيبة العامة سراح لعيور ، أن التجميد الذي أضحى موضة بالنسبة للعائلات الجزائرية، لا يعتبر الطريقة الصحيحة لحفظ الأطعمة و الإستفادة من خصائصها الغذائية و لو بعد حين، حيث أكدت أن ذلك يشكل خطرا كبيرا على صحة المستهلك و من شأنه أن يتسبب في العديد من الأمراض الخطيرة التي تصنف ضمن قائمة أمراض العصر، مشيرة في ذلك إلى أمراض القلب، بسبب احتواء الأطعمة المجمدة على مادة الصوديوم الذي يتسبب ارتفاعه في ارتفاع ضغط الدم الذي يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، كما أنها تزيد من نسبة الكوليسترول الضار في الجسم و تقلل من النافع منه.
و أضافت الدكتورة لعيور أن حفظ الأطعمة في المجمد، يساهم في الرفع من السعرات الحرارية الموجودة بها، إضافة إلى كميات كبيرة من النشاء، و هي عوامل تساعد على الإصابة بمرض السكري، بينما يبقى احتمال خطر الإصابة بمرض السرطان قائما، و يتزايد الخطر بسبب الاستهلاك المستمر للأغذية المجمدة، خاصة اللحوم، و يصبح نتيجة حتمية على المدى البعيد.
و تنصح المتحدثة بتفادي هذا النوع من الأغذية  حفاظا على الصحة العمومية، مشيرة إلى أن أضرار الأطعمة المجمدة ي قد يرتفع معدلها مع الصيام، و تدعو إلى الاعتماد على نظام غذائي طبيعي صحي، قائم على المواد الغذائية الطازجة التي أصبحت متوفرة في الأسواق بشكل دائم.
كما أكدت أن التجميد الطويل، خاصة للخضر و الفواكه بفقدها قيمتها الغذائية و يفضل تناولها في موسمها.                                     إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى