يعرف البيع بالتقسيط في الآونة الأخيرة، رواجا واسعا في أوساط الجزائريين الطامحين لتأثيث بيوتهم بلمسة عصرية، و وجد فيه  كثيرون مخرجا من أزمة مالية خانقة خلفتها كورونا و زادها ارتفاع الأسعار تعقيدا، ليتمكن تجار من إيجاد مخرج لكسر الركود والتخلص من الكساد.
لطالما ارتبط البيع بالتقسيط بالأجهزة الكهرومنزلية في الجزائر، و ظل لسنوات طويلة ملاذ محدودي الدخل لأجل اقتناء ما يحتاجونه من أجهزة و لو كان ذلك مقابل فوائد و زيادات قد تساوي أو تقل قليلا عن قيمة الغرض نفسه، لينتقل مؤخرا هذا النمط من البيع ليشمل آثاث المنازل بعد أن مس في البداية غرف النوم الخاصة بالعرسان الجدد، في خطوة لتسويق المنتوج و مساعدة المقبلين على الزواج لاقتناء مستلزماتهم الضرورية بأريحية.
قصدنا سوق بيع الأثاث بمنطقة باش جراح بالجزائر العاصمة،  وهو شارع طويل، يضم عددا كبيرا من المحلات المعروفة بالأثاث الفاخر، و التي تعرف بجودة منتوجاتها و البيع العادي، إلا أن العديد منها قد خرج عن هذا الأسلوب التقليدي في البيع، حيث لاحظنا وجود لافتات كثيرة تعلن عن تبني  أسلوب البيع بالتقسيط على جميع المنتوجات، بينما قد يستقبلك التاجر أو البائع بعبارات الترحيب و تقديم عروض  مغرية يتقدمها البيع بالتقسيط، حيث أن ذلك لا يشمل غرف النوم فقط، بل يتعداها للصالونات، الطاولات و كل ما يتعلق بتأثيث البيت.
«البيع بالتقسيط دون فوائد»... حل أم حيلة
و أكثر ما لفت انتباهنا هو ما يعرف بـ»البيع بالتقسيط و بدون فوائد» و الذي أوضح أحد التجار أنه نمط يتبناه البعض لأجل تسويق سلعهم و مساعدة محدودي الدخل الذين لا يقدرون على دفع الزيادات التي يفرضها بعض التجار كضريبة انتظار تسديد كامل تكلفة المنتوج الذي يتم بيعه، في حين أنتقده أحد الزبائن، معتبرا إياه حيلة من قبل التجار خاصة و أن هؤلاء بحسب تعبيره يقومون ببيع منتوجاتهم بأسعار كبيرة عند البيع بهذه الطريقة.
و عن طرق تسديد المستحقات، فإن الغالبية  لا تزال بحسب ما أكده تاجر تتعامل عبر إجراءات روتينية معروفة، و التي تتعلق بتشكيل ملف كامل و دفع الزبون لشيكات تكون بمثابة الضمان لحصول التاجر على مستحقاته بعد أن يأخذ الزبون غرضه المطلوب، أما الزبون الذي لا يأخذ سلعته في بداية المعاملة، فهو ذلك الذي لا يمتلك حسابا بريديا أو بنكيا و الذي يجبر على الانتظار إلى غاية تسديد كامل المبلغ.
 ويعد البيع بالتقسيط و بدون فوائد الذي أكد بعض التجار ممن تحدثت إليهم «النصر» أنه يلقى رواجا كبيرا في أوساط الجزائريين،   نمط إستحدثه البعض لأجل تسويق السلع التي تكدست في المحلات جراء الأزمة التي خلفها انتشار فيروس كورونا في الجزائر، خاصة عقب إجراءات الغلق التي طال أمدها من جهة، و عزوف المواطنين عن تأثيث منازلهم من جهة ثانية جراء إنشغالهم بالوباء.
و أجمع بعض التجار على أن تغير مجرى سوق الأثاث بالجزائر،  أثر على نمط البيع، و أدى بالكثيرين للبحث عن طرق مستحدثة لتسويق سلعهم، مشيرين إلى ظهور صناعة الأثاث خاصة الصالونات و الأثاث العصري بشكل عام، توجه  يرى فيه هؤلاء عاملا مهما في التغيير الذي طال هذه التجارة، حيث أنه يساهم في توفير منتوجات كثيرة، و متنوعة تتماشى و الموضة التي أضحت هوسا لدى الجزائريين بشكل عام.
كما يعد انخفاض سعر المنتوج المحلي مقابل الأجنبي أيضا عاملا مهما في كل ذلك، كما أن اقتناء صالون عصري قد أضحى أمرا ضروريا بالنسبة للأسر الجزائرية و إن كان ذلك بالتقسيط، فضلا عن أن للتكنولوجيا دورها في ذلك، ما يظهر عبر التسويق الإلكتروني عبر المواقع و صفحات المحلات على الفايسبوك و انستغرام التي باتت تروج لمنتوجاتها بأكثر من طريقة، و تعلن عن البيع بكل الطرق، إضافة إلى التخفيضات الموسمية كتلك التي فتحها البعض بمناسبة شهر رمضان و العيد و التي طالت الصالونات و طاولات غرف الطعام و المطابخ و لاقت إقبالا كبيرا، كما أن المنصات الالكترونية   تمكن من  تعريف المواطنين بالمحلات و المنتوجات و مختلف العروض المقدمة بحسب قوله.
التأثيث بالتقسيط بين الحاجة و البريستيج
و قالت سيدة إلتقيناها بمحل للأثاث أنها قد وجدت ضالتها في هذا البيع، خاصة و أن راتب زوجها ضعيف و لا يمكنهم تجهيز منزلهم بالأثاث الذي يحلمون به، موضحة أنها اقتنت صالونا و طاولة طعام كبيرة بالتقسيط دون زيادات، ما استحسنته و اعتبرته حلا يسهل معيشة الكثير من الأسر الجزائرية.
كما صادفتنا عينة أخرى من أولئك الذين اقتنوا أثاث بيوتهم بالتقسيط، و يتعلق الأمر بأصحاب السكنات الجديدة، خاصة ممن يلزمون بدفع الأقساط شهريا، ما يجعل تأثيث البيت ضربا من الخيال في ظل ما يعتبرونه أزمة مالية، حقيقة أكدها السيد شراف الذي تحصل مؤخرا على مسكنه الجديد بصيغة عدل، و أوضح أنه قصد محلا للبيع بالتقسيط و اشترى ما يحتاجه من أثاث، أو بالأحرى الأهم في نظره خاصة الخاصة بالصالون، ما اعتبره حلا جنبه استقبال الضيوف في بيت جديد غير مفروش حسبه.
و أشار تاجر آخر إلى وجود نوع  من الزبونات و قال أنهن مصابات بـ «هوس الديكور»، و هن أولئك السيدات اللائي يقمن بتغيير أثاث بيوتهن بعد  فترات قليلة، في إطار تجديد البيوت و جعلها أكثر تماشيا مع الموضة و «البريستيج» ، و هو ما يتطلب أموالا كثيرة  قد لا تتوفر باستمرار لدى معظمهن، ما يجعلهن يلجأن للشراء بالتقسيط من أجل تحقيق طموحاتهن في بيوت بديكورات عصرية و جديدة على الدوام بحسب تعبيره.
و بين هذا و ذاك، يبقى البيع بالتقسيط أسلوبا تجاريا تبناه البعض، ممن وجدوا فيه مخرجا لتوفير مستلزمات أضحت اليوم أكثر من ضرورية لحياة مريحة و راقية في نظرهم.
إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى