راجت منذ أشهر فكرة تنظيم الأعراس داخل البيوت، و أصبحت الشقق و أسطح المنازل و الخيام بدائل لقاعات الأفراح التي أوصدت أبوابها بسبب الجائحة. و وجدت شريحة واسعة من الجزائريين في هذه الطريقة، حلا مناسبا للتخلص من المظاهر و العادات المكلفة و الأعباء المادية المضنية، حيث أضحت حفلات الزفاف تنظم على نطاق ضيق، و تقتصر على عدد محدود من المدعوين، بتكاليف تعتبر معقولة،  لكنها لا تخلو من الفرح و البهجة، ما أعاد للكثيرين ذكريات  جميلة  لأعراس «زمان»، قبل انتشار ثقافة قاعات الأعراس و ما يرتبط بها من طقوس تستنزف الجهود و الأموال الباهظة.
أسطح المنازل و العمارات لاستقبال المدعوين
وجد الكثير من الجزائريين في أسطح المنازل و العمارات، بدائل لقاعات الحفلات لاحتضان أعراسهم،  بعد اجتياح الأزمة الوبائية التي فرضت بروتوكولا صحيا صارما ينص على حظر كل أشكال التجمعات، لكبح العدوى، ومنها تجميد نشاط قاعات الأفراح إلى أجل غير مسمى.
في المقابل تتكرر عبر الأحياء مشاهد الخيام المجهزة بطاولات و كراسي لاستقبال المدعوين، و تخصص عادة لإطعام الرجال، بينما يفتح الكثير من سكان العمارات شققهم لاستقبال ضيوف جيرانهم، أصحاب العرس، و هي المظاهر التي غابت منذ سنوات، بعد أن كانت منتشرة في الماضي.
  كما استغلت بعض العائلات المساحات الواسعة و الشاغرة في بيوتهم في مقدمتها الأسطح التي كانت الحاضنة الأولى للأعراس في الماضي، خاصة في  «ديار عرب»،  و في الفيلات بالنسبة للعائلات المقتدرة.
قال السيد مولود. ل ، 53 سنة، الذي  يقطن بحي باب حسن بالجزائر العاصمة ، أنه اضطر  لتنظيم حفل زفاف ابنته الوسطى بالمنزل، بعد أشهر من التريث و انتظار إعادة فتح قاعات الحفلات، حيث قام باستئجار بعض الطاولات و الكراسي و ترتيبها في سطح بيته المكون من طابقين ، كما خصص بعض الغرف لاستقبال المدعوين، مشيرا إلى أنه وجه دعوات لعدد محدود من الأقارب.
و أضاف السيد  مولود، في حديثه للنصر، أن كل الأمور سارت على ما يرام من حيث التنظيم، و لم يكلفه العرس ميزانية كبيرة ، حيث أنفق 70 ألف دينار جزائري فقط ، و هي تكلفة أقل، كما أكد، ثلاث إلى أربع مرات مما كان سيكلفه تنظيم العرس في إحدى القاعات التي لا يقل إيجارها عن 150 ألف دينار جزائري أو أكثر، إلى جانب باقي التكاليف.
يلجأ مؤخرا الكثير من المواطنين لنصب خيام في الشارع و تجهيزها بالطاولات و الكراسي البلاستيكية، ، لتقديم وليمة للمدعوين من الرجال ، خاصة بعد التخفيف من إجراءات الوقاية في الفترة الأخيرة، و في قسنطينة، و على غرار الكثير من الولايات، تنتشر الظاهرة بقوة في الأحياء الشعبية، على غرار حي الإخوة عباس و حي القماص و الدقسي عبد السلام و المدينة الجديدة علي منجلي. و قد تتحول الخيمة في الكثير من الأحيان إلى قاعة للأفراح مصغرة يتم تزيينها بالأضواء و أريكة خاصة بجلوس العريس لإقامة طقوس الحناء التي لا تخلو من الغناء و الرقص ، مع سقوط حر للإجراءات الوقائية من الوباء ، و هو الحال بالنسبة للجنائز و مجالس العزاء.
الأفراح في المنازل تحيي نوستالجيا الزمن الجميل

أحيت إقامة الأفراح بالمنازل و الشقق ، عادات قديمة كانت راسخة في المجتمع الجزائري لسنوات طويلة و مع غزو قاعات الأعراس تراجعت هذه التقاليد بشكل كبير،  بل أن جزءا هاما منها اندثر.
و يعيد الكثيرون شريط ذكرياتهم ، عندما كانت أعراس كل العائلات لا تخرج من محيط منزل العريس أو العروس و بعض جيرانهما، و لا يخلو الفرح من مظاهر التعاون و التآزر من كافة الجوانب، كلها مظاهر زالت مع غزو قاعات الأفراح للمشهد العام.
أعادت أزمة كورونا إحياء جزء من الماضي، بعدما أجبرت الكثير من الأسر على للاحتفال  في البيوت بزواج أحد أبنائها، و تحديدا في شق التحضيرات، حيث تتشارك النساء و البنات في تحضير الحلوى و الأكل و كذا غسل الأواني و ترتيب البيت لاستقبال المدعوين ، خاصة أن الكثير من «البريستيج» الذي تفرضه قاعة الأفراح  تسقط من أجندة الكثيرين ، فلا يستدعي الذهاب إلى عرس في المنزل التدقيق في الكثير من التفاصيل ، فالهدف المشترك بين الجميع هو الفرح و البهجة بأبسط التكاليف.
تستحسن لمياء /ز» 44 سنة، موظفة من ولاية قسنطينة ، عودة إحياء الأعراس بالمنازل، و حسب رأيها، فهناك الكثير من المزايا لهذه العودة ، سواء من الجانب الاقتصادي و حتى من الجانب الاجتماعي، حيث أن  الأعراس في البيوت توطد أكثر العلاقات بين الناس، كما قالت ، عكس القاعة التي تقتصر أكثر على  المظاهر و تثقل كاهل أصحاب العرس و حتى المدعوين تكاليف إضافية ، و رغم أن العرس في القاعة يكون أكثر تنظيما، و له جوانب إيجابية، حسب المتحدثة، لكنها من محبي كل ما هو تقليدي ، مضيفة أن شقيقتها الصغرى  فضلت الاحتفال بزواجها في شهر نوفمبر المقبل في البيت و كذلك زوجها ، حتى و لو صدر قرار رفع تجميد نشاط قاعات الأفراح.   
كورونا تقلب موازين حفلات الزفاف
أرغمت كورونا الجزائريين على انتهاج أسلوب جديد في إحياء الأعراس التي كانت لا تخلو في وقت سابق من مظاهر البذخ و الإسراف و التباهي المفرط، ما استنزف جيوبهم و أرهق كاهل المقبلين على الزواج بأعباء مادية قد يطول أمد تسديدها بعد دخول القفص الذهبي.
كما أسقطت  من قوائم المدعوين عشرات الأسماء، و أصبح  الأمر مقتصرا على أفراد الأسرة الصغيرة، و يمكن أن تمتد إلى بعض الأقارب كالأعمام و الأخوال و الأجداد و بعض الأصدقاء ، في احتفال عائلي بسيط لا يخلو من مظاهر البهجة و الفرح ، كما  غابت مناظر الإسراف في تحضير مختلف الأطباق و الحلويات بكميات معتبرة، كان مصير جزء منها الرمي في مكبات القمامة ، و تراجعت  التكاليف إلى أقل من النصف ، بعد التخلي عن الكثير من التفاصيل التي كانت تستنزف ميزانيات كبيرة، أهمها مبلغ كراء قاعة العرس.
قال « مراد /ع» 39 سنة،  من شلغوم العيد ولاية ميلة ، للنصر، أنه استغل مبلغ كراء قاعة الأفراح و المقدر 80 ألف دينار جزائري، في اقتناء مستلزمات وليمة الفرح و كذا كراء الكراسي و الطاولات، و دفع جزء من أجر الطباخ ، كما اختزل قائمة المدعوين إلى حدود 50 مدعوا فقط من العائلة و بعض الأصدقاء المقربين.
و أضاف أنه أجل عرسه لقرابة سنة كاملة منذ بداية الجائحة، و لم يجد بدا من بإقامة حفل ضيق ، لكنه في الأخير استحسن كثيرا  الوضع و جنبه إنفاق الكثير من المال و اللجوء إلى الاستدانة.
أما ياسمين ،  23 سنة ، فأكدت أنها لم تتقبل فكرة تنظيم حفل عرسها في البيت و التخلي عن الكثير من التفاصيل التي كانت تراها من قبل أساسية ، لكنها وجدت نفسها مجبرة على ذلك، مع إلحاح زوجها بإقامة العرس،  غير أن ذلك خلصها من عدة ضغوط نفسية، غالبا ما تقع ضحيتها الكثير من المقبلات على الزواج ، و تتمثل في ضرورة اقتناء الكثير من اللوازم و التركيز على أدق التفاصيل التي تكلف الكثير من المال و الجهد.
 و بعد زواجها في شهر أفريل الماضي، أكدت أنها ارتاحت للفكرة ، و الكثير من الأمور التي اعتبرتها سابقا من الضروريات، تأكدت اليوم أنها ليست بحاجة إليها و أنها مجرد شكليات تلتهم ميزانيات كبيرة.
وهيبة عزيون

الرجوع إلى الأعلى