تأخذ الدعاية الالكترونية منذ بداية الحملة الانتخابية حيزا كبيرا من اهتمام المترشحين لتشريعات 12 جوان القادم، فالتنافس انتقل من الميدان إلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي طغت عليها الذاتية في الترويج السياسي فيما يشبه حملة مرتبطة بالسير الذاتية على حساب البرامج، بدليل العدد الكبير لصفحات المساندة الموجهة لدعم الأشخاص، وإن كانت الصفحات الممولة أو المدفوعة على فيسبوك هي الخيار الأبرز للأحرار، فإن الأحزاب السياسية استثمرت بشكل أكبر في اليوتيوب، ما يعكس توجها جديدا في الممارسة السياسية بعيدا عن الآليات التقليدية.
توظيف الصورة على الطريقة الأمريكية
حملة على الطريقة الأمريكية مع تفاعل أقل على تويتر وإقبال أكبر على فيسوك و يوتيوب، هكذا يمكن أن نصف مجريات السباق نحو البرلمان هذه السنة، حيث كسر مترشحون الصورة النمطية لحملات الاقتراع، المرتبطة بالتجمعات الشعبية في القاعات المغلقة و الاستعراضات الخطابية و الخرجات الجوارية، و ركزوا أكثر على الدعاية الالكترونية لاستهداف شريحة أكبر من الناخبين ومغازلة الشباب على وجه الخصوص، وذلك عبر توظيف تكنولوجيات التصوير الحديثة من إنفوغرافيا و فوتوشوب و تطبيقات تحسين جودة الصورة، لأجل صناعة أفيشات تبرز غالبيتهم كنجوم الفن والسياسة الغربيين بإطلالات وزوايا مدروسة وابتسامات و طريقة وقوف جذابة، وهو ما خدم نوعية المحتويات المنشورة، التي تتضمن كذلك، فيديوهات مباشرة من مواقع التجمعات و المداومات، مع فتح نقاشات حول الانتخاب والبرامج وانشغالات المواطن، بالإضافة إلى نشر مقاطع مسجلة للتعريف بالأسماء و شرح البرامج مع اختيار نصوص مبسطة و ضبط شعارات رنانة تتغنى في معظمها بالتغيير، و الواضح أن هناك اعتمادا متزايدا على الوكالات الإشهارية في تصوير التجمعات و النشاطات الجوارية، وهو أمر تعكسه كذلك الطريقة الاحترافية في تسيير بعض الأحزاب و  الإسلامية خصوصا لحملاتها على المنصات التفاعلية.
 23 مليون مستخدم يضاعفون هوس المترشحين بفيسبوك
يشهد فيسبوك، حملة انتخابية موازية لمجريات النشاط الميداني وذلك لكونه التطبيق الأكثر شيوعا في الجزائر بمعدل 23 مليون مستخدم، حيث يستقطب الموقع كل النخب السياسية المنخرطة في العملية الانتخابية وتعرف صفحات المساندة للقوائم الجماعية و المترشحين الأفراد الأحرار و المحسوبين على الأحزاب انتشارا كبيرا، إذ أنشأ حزب جبهة التحرير الوطني وحدة وفق مختص متابع للحملة حوالي 200 صفحة  دعم منذ انطلاق سباق التشريعيات ويرجع السبب وراء هذا الإنزال السياسي، إلى كون الفضاء الأزرق أهم منصة تأثير في الجزائر و أكبر سوق للدعاية الممنهجة وحتى العشوائية.
 ولعل إدراك المترشحين لأهمية الموقع في التأثير، هو ما حوله إلى ساحة للممارسة السياسية، مع الاعتماد بشكل كبير على الصفحات الممولة أو المدفوعة « سبونسوريزي» ، قصد تلميع صورة المترشحين أو القوائم، فالصفحات المفتوحة عكس الحسابات الشخصية، تسمح لهؤلاء بالتحرر من قيود التفاعل التي تحدد عدد المتابعين عادة بـ500 حساب لا غير، بالمقابل تفتح الصفحات الممولة المجال واسعا لاستهداف شريحة أكبر من الناس مع إمكانية تحديد المساحة الجغرافية المطلوبة والفئة العمرية و الجنس، و ذلك مقابل مبلغ معين من المال، و بهذا الخصوص يوضح، بن لطرش سليمان مصطفى  صاحب وكالة اتصال ودعاية، بأن الهدف من تمويل الصفحات هو الحصول على تغطية واسعة المدى  فمثلا يمكن لمبلغ 10 أورو، أن يضمن لصاحب صفحة معينة الوصول لـ   50ألف شخص من ولاية قسنطينة وذلك خلال ثلاثة أيام، علما أن عدد المستهدفين  قد يرتفع إلى 90 ألفا، إن خصص ذات المبلغ لتغطية نفس الرقعة الجغرافية لكن خلال يوم واحد فقط، بمعنى أن هناك نظام انتشار يعتمد على إحصائيات وحسابات، تستغل لجذب أكبر عدد من المتابعين.
و يؤكد المتحدث، بأن التمويل يضمن الانتشار لكنه لا يعني التأثير المباشر، فقد يسجل المستخدم إعجابه بالصفحة لكنه لن يطلع على محتواها بالضرورة، لذلك فإن الحملة على مواقع التواصل تبقى أقل تأثيرا مقارنة بالعمل الميداني التقليدي، مع وجود اختلاف وتفاوت في مستوى وطريقة استغلال هذه الوساطة حسبه، فهناك من المترشحين من أجادوا توظيفها منذ انطلاق الحملة، عن طريق اختيار محتوى نوعي للنشر، فيما اكتفى آخرون كما قال، بفتح صفحات لا تتوفر على أكثر من صورتي المترشح و العلم الوطني، مثيرا قضية تتعلق بالتأثير العكسي لهذه المواقع، فالدعاية المغرضة أو العكسية قد تتسبب في تشويه صورة المترشح و تقلل حظوظه، مع ذلك يرى بأن الاعتماد على الدعاية الالكترونية، يعد في حد ذاته تجربة إيجابية و خطوة إلى الأمام في مجال تجديد نفس الممارسة السياسية في الجزائر.
جدل التمويل و شخصنة الحملة
 رغم استخدام هذه الصفحات بشكل مكثف، و الاعتماد في تسييرها على الوكالات الإشهارية و صناع المحتوى في بعض الأحيان، إلا أنها لم تخلو من الأخطاء، فبعض صفحات المترشحين في ميلة مثلا، تظهر لمتابعين من قسنطينة، أي أن هناك خطأ في استهداف الجمهور، كما يطرح أيضا موضوع طبيعة التمويل، و إمكانية تعارض فكرة الدفع مقابل خدمة دعائية مع ما جاء به نص القانون العضوي للانتخابات.
ومن المآخذ المتعلقة بهذا النوع من الحملات، قضية الذاتية و الميل لتلميع صورة المترشحين  على حساب الترويج للبرامج و شرحها، فالفردانية طغت جدا على محتويات غالبية الحسابات المفتوحة، بعدما استحدث كل مترشحي القوائم الحرة تقريبا، صفحات مساندة خاصة بهم تنشط بشكل شخصي فيما يشبه حملة انتخابية مستقلة، وهو ما يطرح إشكالية شخصنة الحملة، علما أن الذاتية في الطرح و الدعاية تقل أكثر عندما يتعلق الأمر بحملات الأحزاب السياسية على مواقع التواصل وذلك خلافا للمترشحين الأحرار.
 آلية دعاية سياسية أقل تكلفة
 وبهذا الخصوص، تقول المترشحة الحرة عن ولاية قسنطينة مليكة فريمش، وهي واحدة من الناشطين بقوة على المنصات التفاعلية، بأن إستراتيجية الحملات الانتخابية الحديثة باتت تفرض الاعتماد على الإعلام الالكتروني و الوسائط الرقمية إلى جانب العمل على الاتصال المباشر مع الناخب، وذلك لملامسة شرائح أوسع من الناخبين وبالأخص الشباب فاستخدام الفيديوهات والمناشير المبسطة، من شأنه أن يعيد اهتمام الناخبين بالاقتراع وبالسياسة عموما، بما يسمح حسبها، بوصول الرسالة لأكبر عدد ممكن من المستخدمين وذلك من خلال لغة حوار بيضاء تعيد شرح المفاهيم السياسية للمواطن وفق منطق قريب إليه.
المتحدثة أوضحت، بأن الصور و الفيديوهات المباشرة هي امتداد للعمل الميداني، وهي مقاربة قوية تستغل  قدرة مواقع التواصل على التأثير في الرأي العام و تخدم الحملات الدعائية بأقل تكلفة مقارنة بالأساليب التقليدية فالمقابلة المباشرة مرهونة بالوقت و توفر الفضاء الواسع، عكس التواصل عبر فيسبوك و يوتيوب، اللذين يوصلان الرسالة بأريحية أكثر و وضوح أكبر، وتضيف المترشحة، بأن الحملة على هذه المواقع تخدم المرأة بشكل كبير وتفتح أمامها الفضاءات التي يحتكرها الرجال مثل المقاهي، كما تسمح لها بربح الوقت وتقليص الجهد و الموازنة بين التزاماتها كربة بيت و مترشحة، مؤكدة، بأنها مرتاحة جدا لمستوى و نوعية التفاعل الإيجابي مع محتوى منشوراتها و فيديوهاتها، مضيفة بأن تجربة الحملة الانتخابية فتحت عينيها على  مجالات تأثير جديدة سوف تشتغل عليها لاحقا مهما كانت نتيجة الاقتراع على حد تعليقها.
 وعن قضية تمويل الصفحات، قالت أستاذة العلوم السياسية بجامعة قسنطينة، بأن الأمر لا يتعارض مع القانون، لأنه يدخل في إطار التمويل الذاتي للحملة فمن يدفع هو المترشح، وما ينفقه موجه لاستهداف المنتخبين وليس كمقابل لشراء أصواتهم.
يوتيوب خيار الأحزاب
وعلى خلاف المترشحين الأحرار، فإن الأحزاب السياسية المعروفة فضلت التركيز بشكل أكبر على يوتيوب وذلك بالموازاة مع نشاطها المنظم أيضا على فيسبوك، و المتابع لطبيعة الحملة على هذه المنصة يلاحظ بوضوح تفوق الأحزاب الإسلامية من حيث الكم والكيف، أي فيما يخص كثافة ونوعية المحتوى المنشور و مستوى التفاعل معه، إذ يبدو جليا بأن هذه الكتل تملك إستراتيجية اتصال منهجية و تعتمد على محترفين في تسيير حساباتها على مواقع التواصل، حيث تنشط بشكل كبير عبر قنواتها الخاصة على يوتيوب و تواكب التقنيات الحديثة في تصوير التجمعات و المداخلات المباشرة للمترشحين و رؤساء الأحزاب، وعليه فإن هناك فيديوهات تحقق في غضون يومين أكثر من ألفين إلى ثلاثة آلاف مشاهد، مثلما هو الحال بالنسبة لحزبي حمس وجبهة العدالة والتنمية  .
 نجد أيضا على ذات المنصة، حضورا قويا لحزب جيل جديد و لمنتخبيه خصوصا الشباب منهم، والذين يقدمون فيديوهات تشرح البرامج بطريقة مبتكرة و عصرية لا تختلف عن أساليب صناع المحتوى والمؤثرين.
 ظاهرة سياسية صحية
وعن هذا التوجه الدعائي الجديد في الحملة الانتخابية، يقول أستاذ العلوم السياسية والإعلام عبد اللطيف بوروبي، بأن الممارسة الديمقراطية في الجزائر  أخذت منحنى جديدا تمخض عن جملة المعطيات الدستورية التي تتعلق بالأحكام العامة والانتقال الديمقراطي و المشاركة السياسية التي تدعمت بشرط التمثيل النسبي وما ترتب عنه من انخراط متزايد  للشباب و الجامعيين في المجال السياسي، علما أن هذه الفئة وظفت آليات الاتصال الحديثة  بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي في نشاطها تماشيا مع الظروف الراهنة، وبالتالي فإن استخدام هذه التطبيقات يعد ظاهرة  سياسية صحية،  تعكس وعي الشباب و إدراكهم لسبل التأثير و لأهمية تجديد آليات المشاركة بما يتماشى مع معطيات الراهن، علما أن المشاركة السياسية الآن في الجزائر، تستدعي حسبه، استغلال كل الوسائل المتاحة  لرفع العزوف عن المشاركة في الانتخابات، خصوصا في ظل تنامي وعي المواطن الجزائري بأهمية المساهمة في بناء المؤسسات، لذا فإن المشاركة الالكترونية تعتبر من الوسائل الضرورية لتحقيق هذا المسعى، خصوصا وأنه توجه جديد شملته الدراسات مع بدايات سنة 2014، حيث تم التطرق إلى أهمية إشراك المواطن الالكتروني في العمل السياسي خصوصا و نحن نعرف تزايد استخدام هذه التطبيقات أو المنصات بشكل كبير في الجزائر، في وقت عرفت دولا أخرى كالولايات المتحدة الأمريكية، تقنين عملية الانتخاب الالكتروني رسميا.
 أما في ما يتعلق بقدرة هذه الحملات على التغيير والـتأثير، فإن الأمر مرهون كما أوضح، بحسن استغلال الوسائط الالكترونية و الجمع بينها و بين العمل الميداني، ناهيك عن توظيفها لتكرار الرسائل بشكل مباشر و غير مباشر ، لكي تترسخ المعلومة أو الفكرة في ذهن المواطن سواء فيما يتعلق بموعد الاقتراع أو اسم المترشح أو رقم القائمة، علما أن هذا النوع من الحملات، يضمن كذلك ربح الوقت و تقليص التكاليف، مع ذلك يشدد المتحدث، على أهمية ضبط خطابات الترشح و توحيد الرؤى عبر الصفحات التفاعلية لتجنب تشتيت المواطنين، خصوصا وأن هناك عددا كبيرا من الصفحات الخاصة بمترشحين تابعين لقوائم حرة لها أيضا صفحاتها الدعائية، وهو ما خلف تضاربا في الخطابات أحيانا  وتعارضا في الأفكار رغم توحيد الغطاء السياسي، كما تبدو الحملة بالإضافة إلى ذلك، مرتبطة أكثر بالسير الذاتية « أستاذ طبيب محامي إعلامي» على حساب البرامج الجادة.
 هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى