ستكون الجزائر اليوم على موعد مع ثاني محطة انتخابية في مسار تجديد الهيئات المنتخبة، ويتعلق الأمر بالانتخابات المحلية البلدية والولائية التي ستكون بمثابة آخر جولة في مسار «تجديد المؤسسات المنتخبة». ويتنافس 40 حزباً سياسياً في هذه الانتخابات، فيما بلغ عدد القوائم 5848 قائمة في البلديات بينها 4860 قائمة حزبية.

يتوجه الجزائريون، اليوم السبت، إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء المجالس المحلية الولائية والوطنية، في أول انتخابات محلية بعد الحراك الشعبي، وآخر محطة في مسار استكمال تجديد المؤسسات المنتخبة بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في جوان الماضي، وسيكون على الناخبين انتقاء ممثليهم بالمجالس الشعبية البلدية والولائية عن طريق نمط جديد من الاقتراع يستند على القائمة المفتوحة، بتصويت تفضيلي دون مزج وهذا لعهدة مدتها 5 سنوات.
واعتبر رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الانتخابات المحلية “آخر محطة في مسار تجديد مؤسسات الجزائر الجديدة”، حيث يشكل الموعد الانتخابي الذي يأتي أشهرا قليلة بعد الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 12 جوان الماضي التي أفضت إلى تدشين العهدة التشريعية التاسعة، لبنة جديدة في مسار بناء جزائر ديمقراطية تكون أقرب إلى المواطن.
وقال الرئيس تبون إن الانتخابات التشريعية «تشكل اللبنة الثانية ضمن مسار التغيير و بناء جزائر جديدة تكون أقرب إلى المواطن مما مضى» في انتظار إجراء الانتخابات المحلية البلدية والولائية التي تعتبر «آخر لبنة» ضمن هذا المسار.
و سيسمح استكمال المسار الانتخابي من خلال تجديد هذه المجالس بـ «استعادة الثقة» بين المواطنين و ممثليهم و «تصحيح الاختلالات» المسجلة في المجالس المحلية خلال السنوات الأخيرة حسب الملاحظين السياسيين.
و سيسجل يوم 27 نوفمبر «مرحلة حاسمة» لاستكمال عملية تجديد مؤسسات الدولة مما سيسمح بـ «الانتقال إلى شأن آخر من خلال تكريس جهودنا لتحقيق تنمية محلية حقيقية» حسب الملاحظين مضيفا أن قرار تنظيم انتخابات مسبقة من أجل تجديد مؤسسات الدولة جاء للرد على مطالب حراك 22 فبراير 2019 .
  الأحرار ينافسون الأحزاب لإعادة سيناريو التشريعيات
ويخوض هذا المعترك الانتخابي مترشحون فضلوا التقدم لهذه الاستحقاقات تحت غطاء حزبي وآخرون اختاروا المشاركة، ضمن قوائم مستقلة، فيما ارتأت بعض التشكيلات السياسية عقد تحالفات. وأحصت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات 115.230 مترشحا للمجالس البلدية و18.993 للمجالس الولائية.
أما من الناحية التنظيمية، فستجري الانتخابات المحلية لـ 27 نوفمبر تحت أعين 1.228.580 مؤطرا، و هو ما يضمن تغطية بلغت 99 بالمائة لـ 61 ألف مكتب تصويت و هي الأرقام المحصلة إلى غاية الثلاثاء المنصرم. كما ستنظم هذه الاستحقاقات تحت رقابة 182.981 ملاحظا تابعا للأحزاب السياسية المشاركة والبالغ تعدادها نحو 40 تشكيلة، مثلما يتيحه لها القانون.
وفي تجربة هي الأولى، تم على مستوى 16 تنسيقية «نموذجية» سحب محاضر فرز «مؤمنة ضد التزوير»، مباشرة من التطبيق المعلوماتي المخصص لذلك في عملية وصفت بـ»الناجحة» من قبل السلطة، في انتظار تعميمها خلال الاستحقاقات المستقبلية. وكانت هذه المحليات قد سبقت بحملة انتخابية امتدت لثلاثة أسابيع، عرفت، إجمالا، تنظيم 9878 تجمعا شعبيا، فيما تم إلغاء 9000 تجمع لأسباب شتى.
ويتنافس 40 حزباً سياسياً في هذه الانتخابات، ولم ينجح أي من الأحزاب السياسية في تغطية كامل البلديات البالغ مجموعها 1541 بقوائم المرشحين، بسبب الصعوبات السياسية التي واجهتها الأحزاب خلال جمع التوقيعات. وتقدم حزب «جبهة التحرير» قائمة الأحزاب الأكثر مشاركة في البلديات بـ1242 قائمة.
وعلى غرار الانتخابات النيابية الماضية، برز حضور لافت للقوائم المستقلة من الشباب في الانتخابات البلدية، بعد تشجيع من السلطات والقانون الانتخابي الذي يضمن تمويلاً للحملة الانتخابية للمرشحين الشباب الأقل من 40 سنة، حيث قدم المستقلون 988 قائمة مرشحة تنافس في البلديات، و88 قائمة مستقلة تنافس في المجالس الولائية.
وتسعى القوائم المستقلة التي تقدمت للانتخابات المحلية لافتكاك تسيير أكبر عدد من المجالس في ظل مشاركة قياسية لها مقارنة بالاستحقاقات المحلية الماضية، حيث سجل ترشح 988 قائمة حرة للمجالس البلدية و88 قائمة لانتخابات أعضاء المجالس الولائية. وشارك نواب كتلة الأحرار في إعداد القوائم المستقلة على مستوى التراب الوطني، مستندين إلى النتائج التي حققوها في التشريعيات التي احتلوا خلالها المرتبة الثانية بفوزهم بـ84 مقعدًا، وقد تحول مكتب الكتلة في المجلس الشعبي إلى خلية للتنسيق ودعم القوائم التي اختارت في معظمها تسمية “تكتل الأحرار”.
عودة «الأفافاس» إلى المعترك الانتخابي
وتشارك في هذه الانتخابات المحلية أحزاب سياسية كانت قاطعت تماما المسار الانتخابي بعد الحراك الشعبي، مثل «جبهة القوى الاشتراكية»، التي كانت قاطعت الانتخابات الرئاسية واستفتاء الدستور والانتخابات النيابية التي جرت في جوان الماضي. وبرر الحزب تغير موقفه للدفاع عن الوحدة الوطنية وقطع الطريق أمام الجهات التي سعت دوما إلى تعكير المواعيد الانتخابية خاصة في منطقة القبائل.
وعلى الرغم من أن القانون الانتخابي شدد على مبدأ المناصفة في قوائم المرشحين بين الرجال والنساء، لضمان حضور المرأة في المجالس المحلية، البلدية والولائية، فإن نفس القانون استثنى هذه الانتخابات حصراً من تطبيق هذا البند، بسبب الظروف التي تجري فيها الانتخابات، وسمح للأحزاب والمستقلين بتقديم قوائم بحضور نسوي أقل ومنعدم في بعض القوائم، خاصة في المناطق الداخلية التي تجد فيها الأحزاب صعوبة في الحصول على مترشحات لاعتبارات اجتماعية صرفة، وهو ما سيقلص من حصة النساء في المجالس المحلية.
ولن تجرى الانتخابات البلدية في ثماني بلديات، أربع في ولاية تيزي وزو، وأربع في ولاية بجاية شرقي الجزائر، حيث لم تتقدم فيها أية قائمة مرشحين. ولم يشر القانون الانتخابي إلى كيفية التصرف في هذه الحالة. وقال رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، إن «السلطة لا يمكنها أن ترغم الأشخاص على الترشح، ولا على الانتخاب، وهذا هو صلب العمل الديمقراطي في عهد الجزائر الجديدة».
وأكد شرفي أنه "من الممكن اللجوء إلى انتخابات جزئية، تخص فقط تلك المجالس"، على أن تتخذ السلطات قبل ذلك إحدى الخيارات بشأن وضع المجالس البلدية في هذه المناطق، لضمان عدم تعطل مصالح المواطنين، بحيث يمكن أن تلجأ السلطات إلى الإبقاء على المجالس الحالية، أو تعيين متصرف إداري يدير هذه البلديات إلى غاية إجراء انتخابات جزئية.
 الشباب مرشحون للتواجد بقوة في المجالس المحلية
و تشهد الانتخابات المحلية، بخلاف تلك السابقة كلها، حضوراً كبيراً وقياسياً للشباب والكوادر الجامعية في قوائم الأحزاب أو تلك الخاصة بالمستقلين. ورغم قلة خبرتهم السياسية، يبذل الشباب الذين ترشحوا في غالبية قوائم انتخابات البلديات الـ1541 في عموم البلاد، جهوداً كبيرة لتقديم برامج يتولون شرحها بأنفسهم للناخبين والسكان في حملاتهم.
وتشكل الظاهرة مؤشراً بالغ الأهمية لحصول تحوّل في أساليب مقاربتهم لاستحقاق الانتخابات المحلية، علماً أن فوز أي منهم بمنصب في المجلس البلدي أو مجلس الولاية سيضعه أمام مسؤوليات صعبة باعتبار أن المراكز المحلية تهم المواطنين مباشرة، وترتبط بحياتهم اليومية.
ويعزز القانون الانتخابي الجديد حضور الشباب في الانتخابات المحلية، باعتباره يفرض ضم كل قائمة يشكلها حزب أو مستقلون، نسبة الثلث من المرشحين الشباب الذين يجب أن يملكوا شهادات جامعية، في خطوة تهدف إلى دفع الشباب وحتى الطبقة السياسية لإشراك وإقحام هذه الفئة في السياسة. كما يلزم القانون توفير السلطات دعماً مالياً للمرشحين الشباب الذين تراهن أحزاب كثيرة عليهم بعدما بلغت نسبتهم 61 في المائة في الانتخابات النيابية السابقة.
وتشير أرقام كشفها رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، إلى أن الشباب المرشحين للانتخابات المحلية الذين تقل أعمارهم عن 40 يمثلون أكثر من النصف المرشحين، بنسبة 54 في المائة، وبينهم نسبة 87 في المائة من الذكور، و13 في المائة من الإناث. أما فيما يتعلق بالمستوى الدراسي، فتبلغ نسبة المرشحين الجامعيين 44 في المائة، و56 في المائة للمرشحين غير الحاصلين على شهادات جامعية.
 الجزائر الجديدة تبنى
على «الاختيار الحر»
وأكد رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي، أن الجزائر الجديدة تبنى على «الاختيار الحر» للشعب لمن يمثله في المجالس المنتخبة، مطمئنا الناخبين بأن أصواتهم في الانتخابات المحلية ليوم السبت «أمانة» وستكون «محفوظة». وفي تصريح للصحافة على هامش زيارة قادته الخميس إلى مركز الانتخاب «عبد الرحمان قهواجي» ببلدية وادي قريش ومركز «محمد خميستي» ببلدية الشراقة للوقوف على آخر الاستعدادات ليوم الاقتراع الخاص بمحليات الـ 27 نوفمبر الجاري, قال السيد شرفي إن «الجزائر الجديدة تبنى عبر الاختيار الحر للشعب لمن يتولى أموره», مشيرا بالقول: «مسيرتنا بدأناها برئيس ذي شرعية ثم برلمان حر وسنكملها بمجالس بلدية وولائية يسيرها من اختارهم الشعب».
وأضاف في السياق ذاته  أن السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات «حرصت منذ الانتخابات الرئاسية في 2019 على صون الأمانة», مستدلا في ذلك بعدد المتطوعين لمراقبة عملية الاقتراع, والذين يجري -مثلما قال-»إدماجهم تدريجيا مع المؤطرين, حيث يمثلون الاحتياط الحقيقي للحفاظ على الأمانة التي تمثل هدفنا الأسمى», مطمئنا الناخبين بأن «أصواتهم في الانتخابات المحلية ليوم السبت القادم أمانة وستكون محفوظة». كما شدد على أهمية الانتخابات المحلية في مسار استكمال البناء المؤسساتي للمرحلة الجديدة التي تعيشها الجزائر, معتبرا أن «صون الأمانة هو الهدف الأسمى الذي تنشده السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات». وفيما يتعلق بجاهزية مراكز ومكاتب الاقتراع, اعتبر شرفي أنها في مستوى الإمكانيات المادية والتقنية التي تم تسخيرها, لاسيما احترام البروتوكول الصحي, مبرزا وجود «إلمام كبير لدى المؤطرين بالإجراءات الخاصة بكيفية الاقتراع ووعي بضرورة الحفاظ على الأمانة المتمثلة في الظرف الذي يضعه الناخب داخل الصندوق».
ع سمير

الرجوع إلى الأعلى