أكد البروفيسور محمد لحسن زغيدي، أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر 2، أن مظاهرات 27 فيفري 1962 بورقلة، تعتبر حدثا ذو أهمية كبرى في بعده الزمني و المكاني وفي بعده على صعيد المشهد الدولي في تلك الفترة، باعتبار أن اختيار تاريخ هذه المظاهرات التي أجهضت كافة مخططات الاستعمار المبيتة الرامية إلى ضرب وحدة التراب الوطني الجزائري، تم بعناية فائقة من قبل قادة جيش التحرير الوطني، كما أكد من خلاله أبناء هذه المنطقة، وعيهم الكبير بخطورة الأطماع الفرنسية الرامية إلى فصل الصحراء الجزائرية عن شمال الوطن، بغرض الاستيلاء على ثرواتها.
وأوضح زغيدي أمس، في حديث للنصر، أن مواطني ورقلة قد أكدوا في هذه المظاهرات الشعبية الحاشدة رفضهم المطلق لكافة المؤامرات والدسائس التي كانت فرنسا الاستعمارية، وعلى رأسها الرئيس ديغول، تحيكها من أجل تحقيق حلمها في فصل الصحراء الجزائرية عن شمال الوطن، وقال أن ديغول ظل يحاول منذ سنة 1959، تحقيق هذا ‹› الحلم وهذا الهدف ‹›، بمعية وزير الصحراء، ماكس لوجون، عندما تيقن أن أطماع بلده الاستعمارية في الاحتفاظ بكل التراب الجزائري، عصيٌّ عليه.
وعاد المتحدث بهذا الصدد للإشارة إلى كل المحاولات السابقة التي قام بها الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، والإغراءات التي قدمها لكسب ولاءات لدعم مخططاته، من خلال محاولات يائسة لشراء ذمم بعض السياسيين والأعيان والوجهاء في المجتمع الجزائري ومن بينهم، السياسي والمقاوم الجزائري، باي أق أخاموك، أمين عقال منطقة الأهقار وفارسها وقائدها، الذي رفض العرض الذي قدمته له فرنسا بأن تعينه على رأس مملكة في الصحراء.
وأشار البروفيسور زغيدي بهذا الصدد إلى أن أمين عقال الأهقار، جابَه كل المخططات الفرنسية بجزائريته القحة ووطنيته غير القابلة للمساومة، حيث أكد لمن اتصلوا به أنه يفضل أن يبقى مواطنا جزائريا ولن يقبل تقسيم الجزائر وتعيينه ملكا للصحراء.
وفي سرده للوقائع والظروف  التي تم خلالها التحضير لهذه المظاهرات أوضح زغيدي أن الحنكة السياسية التي كان يتمتع بها قادة جيش التحرير الوطني جعلتهم يختاروا التوقيت والزمن الملائمين لدحض وفضح المزاعم التي كان يروجها الاحتلال الفرنسي في أوساط الرأي العام الداخلي والدولي، بخصوص أطماعها وسياسة فصل الصحراء الجزائرية عن باقي التراب الوطني، إذ تم اختيار تاريخ هذه المظاهرات بعناية فائقة عندما وجهوا يوم 26 فيفري 1962، تعليمات كتابية وشفهية صارمة موقعة من طرف الملازم محمد شنوفي إلى كافة أعيان وشيوخ المنطقة والمسؤولين على النشاط الثوري بالمنطقة، ممثلة على وجه الخصوص في قسمات جبهة التحرير الوطني.
وأضاف بأنه تم تقديم هذه التعليمات إلى مواطني المنطقة لحثهم على الخروج في ذلك اليوم المشهود في مظاهرات شعبية عارمة يعبرون من خلالها عن رفضهم المطلق للمساومات ولمخططات الاستعمار الفرنسي وتمسكهم بالوحدة الوطنية كخيار غير قابل للمساومة، وهو اليوم الذي كان قد تزامن مع قدوم وفد حكومي فرنسي رفقة ممثلين عن الأمم المتحدة إلى المنطقة، قصد الترويج للأطروحة الاستعمارية التي مفادها أن سكان الصحراء يقبلون بالبقاء تحت الراية الفرنسية بعد نيل الجزائر لاستقلالها.
وقد استجاب مواطنو المنطقة – حسب البروفيسور زغيدي، الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية، بكل وعي لهذا النداء الثوري، وقال بأنه بوصول المتظاهرين إلى النقطة المحددة، رددوا وبكل شجاعة، هتافات بحياة جيش التحرير الوطني وجبهة التحرير الوطني، وبحياة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، والعديد من الشعارات التي تؤكد على الوحدة الوطنية والوحدة الترابية الجزائرية، ورفضهم المشروع الفرنسي لفصل الصحراء عن الوطن الأم.
وأضاف زغيدي أن القوات الاستعمارية لم تتردد في استخدام القوة بوحشية ضد المتظاهرين العزل من مواطني المنطقة، والمنتمين لمختلف الفئات العمرية ، كما لم تتردد في اللجوء لاستخدام الذخيرة الحية ضدهم،  مما تسبب في سقوط خمسة شهداء، كان في مقدمتهم الشهيد، الشطي الوكال، وتسجيل العديد بجروح مختلفة ومتفاوتة الخطورة، جراء إطلاق النار الكثيف.
و في ذات السياق أكد زغيدي أن هذه المظاهرات التي جرت بتنظيم محكم، فاجأت الإدارة الاستعمارية ما جعلها تمر بحالة من الفوضى والارتباك وأصابتها بانتكاسة شديدة، خصوصا مع تواجد ممثلي الأمم المتحدة آنذاك بالمنطقة، الذين اكتشفوا بأنفسهم أن القول بقبول سكان الصحراء بالبقاء تحت السلطة الفرنسية ما هي إلا مزاعم باطلة كان يرددها المستعمر فتعرضت بالتالي آخر الأوراق التي كان يراهن عليها المستعمر في مفاوضاته مع جبهة التحرير الوطني، إلى الفشل الذريع.
وجاءت هذه مظاهرات 27 فيفري 1962  - يضيف زغيدي - بمثابة فصل الخطاب، وأيضا بمثابة المسمار الذي دق في نعش الاستعمار الفرنسي للجزائر، حيث أفشلت مخطط تقسيم الجزائر، ودعمت موقف المفاوض الجزائري سيما بعد أن وصلت المفاوضات بين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية و الوفد الفرنسي الذي كان يصر على فصل الصحراء عن باقي مناطق الوطن إلى طريق مسدود ومهدت الطريق أمام الطرف الجزائري لدخول مفاوضات إيفيان من موقع قوة، حيث أثر هذا الحدث في مسار هذه المفاوضات التي توجت بالاعتراف التام لفرنسا الاستعمارية باستقلال الجزائر في 19 مارس 1962.
عبد الحكيم أسابع

الرجوع إلى الأعلى