الرهن.. من الحاجة إلى الجري وراء الكماليات و الإستهلاك العشوائي
يشكل غلاء المعيشة و تنامي متطلبات الأسرة الجزائرية من جهة، و الاستهلاك العشوائي و الكمالي من جهة ثانية، عوامل ساعدت في تنامي ظاهرة الرهن بشكل يصفه الخبراء بالخطير، بعد أن باتت الكثير منها تعتمد عليه في حياتها و إن كان غير ضروري في انتظار ما سيأتي به تطبيق اعتماد القرض الاستهلاكي .
موضة جديدة، تغلغلت بشكل مقلق في مجتمع لطالما كان يعيش على القناعة، و الاكتفاء بما بين يديه، دون الطموح لبلوغ أحلام أكبر منه تكون في النهاية ضريبتها كبيرة جدا، ربما يفقد معها ما لديه، فبعد أن كانت كلمة “رهن” نادرة الاستعمال، ما عدا لدى بعض الأشخاص الذين يعيشون ضائقة مالية حقا، كأن يرهن الرجل أرضه لأجل إتمام نصف الدين، أو لأجل شراء البذور لإنتاج زرع يأتي عليه بالفائدة، تطورت الأوضاع ليصبح مصطلحا أكثر شعبية لدى الجزائريين.
فمن لا يعرف الرهن اليوم، قلة قليلة لم تطأ أقدامها مقرات وكالات الرهن لكونها مكتفية، أو لأنها لا تفكر فيه كحل، ما تعكسه الطوابير التي باتت مشاهد يومية عبر مختلف وكالات الرهن المنتشرة بالوطن، و مهما اختلفت الأسباب، فإن الغاية واحدة، الحصول على المال بالطريقة الأسهل، مهما كانت قيمة ما سيدفع بعدها من فوائد قد تشكل أعباء إضافية على من يرهن.
الحدايد للشدايد..مثل لا يتماشى لدى نساء الجزائر سوى مع الرهن
«الحدايد للشدايد»، مثل قديم، كانت تعتمد جداتنا، فتعكف على استثمار ما توفر لديها من مال و حتى زوجها لشراء مصوغات يقول بأنها ادخار قد يحتاجه الفرد أحد الأيام عبر بيعه لأجل مشروع معين أو حتى مرض، غير أنه ليس مرادفا لعقلية المرأة الجزائرية، التي تأبى بيع ذهبها، فترضخ أمام رهنه و إخراجه بعد فترة. فالمرأة الجزائرية يقول بعض كبار السن و أهل الاختصاص بأنها من رسخت بشكل أكبر لعقلية الرهن، إذ يشكل رفضها بيع مصوغاتها سببا مباشرا في طرق أبواب بنك الرهن، ما زاد من حجم هذه التعاملات، فحتى رهن الذهب قد يكون لدى المرأة من أجل الذهب، بحسب ما وقفنا عليه بالنسبة لحالة موظفة أكدت أنها جاءت لرهن مصوغاتها لأجل شراء مصوغات جديدة فترة انهيار أسعار الذهب، و هذا واقع لا تجده إلا لدى المرأة الجزائرية التي تعشق اللون الذهبي في كامل جوانب حياتها.
الموظفون و الموظفات أكبر من يعتمد الرهن بالبنوك
لطالما اقترن مصطلح الرهن بالحاجة و انعدام دخل يدفع بالزوج و الزوجة و حتى لرهن مصوغاتها قصد توفير مال لأجل مشروع أو شيء آخر، غير أن الجديد و الواقع عبر مختلف الوكالات يقول بعكس ذلك، بحسب الحالات التي صادفتنا في هذا التحقيق، فأغلب من يرهن و بحسب شهادة موظفي بعض الوكالات، هم موظفون و موظفات، فهذه سيدة متزوجة و أم لطفلين و  على الرغم من أنها موظفة و تشارك زوجة في مصاريف الحياة، إلا أن ذلك ليس كاف في نظرها لتحقيق كل المتطلبات اليومية و التي تطورت مع تطور العصر.
و تضيف السيدة، بأنها تأتي لرهن مصوغاتها لأجل مشروع ما مثلا شراء سيارة أو قضاء العطلة الصيفية و غيرها من المناسبات السنوية التي تحولت إلى كابوس أثقل كاهل الأسر الجزائرية و إن كانت لديها أكثر من دخل، ثم تقوم بإخراجه بعد دفع مستحقات الرهن، لتعود إلى البنك بعد فترة قصيرة دون أن تتوجه إلى المعارف و أفراد العائلة الذين باتوا لا يقرضون أموالهم في أي حال من الأحوال بحسب تعبيرها.
سيدة أخرى تتحدث عن اعتمادها على الرهن لأجل تحقيق أحلامها و زوجها، حيث و بعد رهن أول لأجل شراء سيارة، جاءت مرة أخرى لتضع مصوغاتها بالبنك مقابل أموال تبدأ بها بناء بيت جديد، بعد أن عجزت عن جمع الأموال من راتبها و زوجها، و ملت من طلب مساعدة أشقائها.
غلاء المعيشة و تقارب المناسبات يرهن حياة الجزائريين
يشكل غلاء المعيشة خلال السنوات الأخيرة و ضعف القدرة الشرائية للفرد الجزائري، مع تقارب الأعياد و المناسبات الدينية و الاجتماعية، مطبا لا ينفذ منه إلا الغني أو من أتقن التخطيط لصرف أمواله دون اللجوء لطرق أخرى لتغطية كافة المصاريف غير الراتب، فضلا عن الاستهلاك العشوائي في ظل مغريات كبيرة حولتها إلى متطلبات كمالية برتبة ضرورية ترفض الكثير من الأسر التنازل عنها و إن كانت في ضيقة.
هذا واقع عائلات كثيرة في هذه الفترة، كبش العيد و ميزانية ضخمة لتلبية احتياجات أطفال على أبواب دخول مدرسي لا تفصلنا عنه سوى أيام، ما دفع بالكثيرين للبحث عن حل من خلال الرهن لتلبية كافة الاحتياجات، ما يؤكده رب أسرة قصد البنك لرهن مجوهرات زوجته لإدخال البسمة لقلوب أطفاله كما يقول. و حالات أخرى بسحب ما أكد أصحابها، لجأت لهذا الباب بسبب البطالة، حيث تقدمت سيدة و والدة زوجها لأجل رهن مصوغاتها لتوفير مبلغ يسمح للزوج بشراء سلعة يقوم بإعادة بيعها من أجل التخلص من البطالة التي يعيشها منذ سنوات، فيما قدمت سيدة أخرى لإخراج مجوهراتها بعد أن استعملت الأموال في إعادة تهيئة بيتها.
أزيد من 150 عملية رهن جديدة بوكالة واحدة يوميا
أكد أحد موظفي وكالة رهن بالشرق الجزائري على ارتفاع عدد من يقصدون البنك خلال السنوات الأخيرة، و بعد أن كانت العملية حكرا على المناسبات و الأعياد، مع حالات نادرة خلال باقي أيام السنة، تغيرت الأوضاع بعد أن أصبحت الوكالة تعيش في فوضى كبيرة تصنعها أعداد هائلة من الزبائن بشكل يومي. و يضيف مصدرنا بأن الرهن أصبح طوال أيام السنة، إذ تستقبل الوكالة في بعض الأيام 300 فرد بين الاخراج و الرهن علما أنها تجري خلال هذه الأيام أزيد من 150 عملية يوميا، في رقم يصفه بالرهيب الذي جعله يشبه مقر الوكالة بالحج بالنظر للأعداد الهائلة من المواطنين الذين قدم كل منه لأجل سبب معين.
الفوائد تدفع بالزبائن لتخصيص دفاتر أو التفريط في ممتلكاتهم لسنوات
من البديهي أن البنوك تتعامل بالفائدة، فرهن مجوهرات بمبلغ ما، يعني أنك ملزم بمبلغ إضافي تدفع أثناء محاولتك استرجاعها، و إن كان بعض الأشخاص قادر على تسديدها دفعة واحدة، فإن آخرين يعجزون عن ذلك، فيعتمدون دفتر التقسيط، إذ يشرعون في تسديد الأقساط على فترات إلى غاية استرجاع ممتلكاتهم.
من جانب آخر، يقع بعض الأشخاص في فخ عدم القدرة على التسديد أو إهمال المجوهرات، فيبدأ البنك لتوجيه استدعاءات بعد مرور 3 سنوات من تاريخ الرهن، فيستجيب البعض للتعجيل في دفع المستحقات، فيما يتماطل آخرون، ما يستدعي اللجوء للعدالة بحسب مصادر من البنك أكدت أن الممتلكات لا تضيع إلا إن تنازل عنها المعني كثمن لما قبضه من أموال و فائدة عنها طوال مدة الرهن.
القرض الاستهلاكي و طموحات المعوزين
تقربنا من بعض المواطنين، قصد أخد آرائهم في مشروع القرض الاستهلاكي، فأجمع أغلبهم على أنه مشروع فاشل قبل الشروع في تطبيقه في نظرهم، حيث يرون في أنه لن يضيف شيئا و لن يقلص من الأعباء التي تثقل كاهل الأسرة الجزائرية، و حتى الرهن، فهو لن يساعد في التقليص من عملياته.
و يرى البعض بأن فرض منتجات معينة لاقتنائها و بفوائد، لا يشكل حلا لمشاكل الأسرة الجزائرية، خاصة و أن المنتوج المحلي قليل و نوعية بعضه رديئة بحسب تعبيرهم، مشيرين إلا أن من يعتمد سيكونون قلة قليلة، لكون الغالبية ترفضه حتى قبل الشروع في تطبيقه بالنظر للشروط التي يفرضها. و مهما اختلفت الأسباب، يبقى الواقع يفرض نفسه في مجتمع تسيره رغباته و أشخاص يسعون لتحقيق أحلامهم بمجهود أقل.                       
إيمان زياري

أخصائي علم الاجتماع الأستاذ قشي  صايفي
الرهن سبيل أفراد يسعون لتحقيق أحلامهم بمجهود أقل و الدولة تشجع على ذلك لأجل مطالب غير منطقية
يرجع أستاذ علم الاجتماع بجامعة عنابة، قشي صايفي ، ارتفاع عمليات الرهن لدى الجزائريين، إلى تنامي ظاهرة الاستهلاك العشوائي و الكمالي من خلال توفير أموال بمجهود أقل، فيما يتهم الدولة بالتشجيع على ذلك رغم عدم منطقية المتطلبات.
المختص الذي قال بأن الرهن كان مرتبطا في القديم بالضيق الاجتماعي، لم يعد اليوم كذلك، و بات لأجل الكماليات أكثر من الضروريات، متحدثا في ذلك عما يصفه بظاهرة ،التظاهر و التباهي، التي طغت على ذهنية الفرد الجزائري الذي و إن كان يمتلك الشئ، فهو دائما في سعيه لتطويره بعد مقارنة نفسه بما لدى الآخرين، فيلجأ للرهن ما لم يكن لديه المال الكافي لشرائه.
و يرى الأستاذ من جانب آخر بأن الأسرة الجزائرية قد تغيرت بشكل غير منطقي و متناغم، فأصبحت رهينة أبعاد ثقافية أجنبية عنها، ما حولها للجري خلف سراب كماليات جعلتها ضروريات، فضلا عما وصفه بالاستهلاك العشوائي الذي يتسبب في خسائر كبيرة لمنتوجات ضخمة ترمى في المزابل دون استغلالها.
و يوعز الأستاذ قشي ذلك من جانب آخر إلى التنظيم الاقتصادي المضطرب و المشوش للأسرة التي تصرف أكثر من المدخول، ما يعتبره تبذيرا و سوء تسيير، فضلا عن ضغط الزواج حاليا و التكاليف الباهظة التي تبني الحياة على الدين قبل بدايتها، كما أضاف بأن الأسرة الجزائرية لم تعد تتطور لإعطاء القيم للأبناء مثلما كان في السابق، معتبرا إياها عوامل شكلت ضغطا كبيرا أثر على طموح الفرد و جعله يبحث عبر المجهود الأٌقل لتحقيق أهداف أكبر.
المختص الذي قال بأن الصراع داخل المجتمع الجزائري تحول إلى صراع حول نمط الاستهلاك، أرجع ذلك إلى الغزو الثقافي الغربي الذي أثر على الاستهلاك، و جعل الفرد رهينة تخيلات يسعى لتحقيقها بشتى الطرق، لتتنوع بين المنطقية و غيرها كالرهن و القرض الاستهلاكي.
و يحمل الأستاذ الدولة المسؤولية في كل هذا، إذ يقول بأنها تشجع على تمادي الفرد في اعتماد الرهن كحل لمشاكله المالية، و تحقيق مطالب غير منطقية و غير معقولة.                       

إ.زياري
الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول
ضعف القطاع الاقتصادي و القيود لن يمكنا القرض الاستهلاكي من تقليص الأعداد الهائلة لعمليات الرهن
اعترف الخبير الاقتصادي، عبد الرحمان مبتول، بارتفاع نسبة الاعتماد على عمليات الرهن لدى الأسر الجزائرية، مشيرا في ذلك إلى الطوابير الكبيرة أمام مختلف الوكالات بالشرق، الغرب، الوسط و حتى الجنوب، و أرجع ذلك إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطن بالدرجة الأولى.و أشار إلى بعض العمليات المقترنة مثلا بتسديد أقساط السكنات، حيث قال بأن المرأة الجزائرية لا تبيع مصوغاتها، و تكتفي برهنا لتوفير المال، متسائلا في ذلك عن حقيقة احتياطي الجزائر من الذهب بحكم ما تقدمه الجهات المعنية من أرقام، فيما تؤكد المنظمة العالمية للذهب بأنه يقدر بـ178 طن حسب آخر احصائيات لسنة 2014، ما يجعل التصريحين غير متطابقين باعتبار السلطات المعنية تقدم أرقاما أقل.أما بالنسبة للقرض الاستهلاكي، فيرى مبتول بأنه لن يغير من عقلية الجزائريين و لن يقلص من أعداد عمليات الرهن المتنامية بشكل كبير، حيث يدعو للتعامل بواقعية في ظل ضعف الإنتاج الصناعي الوطني الذي لا يتجاوز الـ5 بالمائة، فضلا عن فرض فائدة كالرهن، ما يعني أن ذلك لن يمنح الفرق بحسب تعبيره.
إ.زياري
الإمام بن زعيمة عبد المجيد
الرهن طريقة ربوية ترسخ لعدم التكافل  و التضامن الاجتماعي
حذر الإمام بن زعيمة عبد المجيد، من التعامل عبر رهن المجوهرات، حيث قال بأنها معاملة ربوية حرمها ديننا، بعد أن جاء الرسول صلى الله عليه و سلم و سميت ربا الفضل بعد أن كانت معتمدة بشكل كبير في الجاهلية.
و قال الإمام بأن التعامل بهذه الطريقة يؤدي لظهور عدم التكافل و التضامن الاجتماعيين، و هو واقع نعيشه حاليا في مجتمعنا، و يجعل التعامل بالمصلحة هو السائد، فيما تنقطع كافة التعاملات التي تغيب فيها المنفعة.
و شدد الإمام على ضرورة التخلي عن الرهن، مؤكدا بأنه يرسخ لفساد المجتمعات، و يربي كل المشاريع الناتجة عن استغلال أمواله فيها، معتبرا بأن الأسباب و مهما تنوعت و إن ارتبطت بالعلاج، فمن غير الممكن أن نغضب الله لنطلب منه المساعدة، فالمريض قد يموت أو يتفاقم وضعه لأنه يعالج من مال حرام.
إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى